الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكم نسخ الكتاب بالآحاد
ص: وأما جواز نسخ الكتاب بالآحاد فجائز عقلاً غير واقع سَمْعاً (1) ، خلافاً لبعض أهل الظاهر (2)
والباجي (3) منا مستدلاً بتحويل القبلة عن بيت (4) المَقْدِس إلى
مكة (5) .
(1) هذه المسألة فيها ثلاثة أقوال:
الأول: الجواز مطلقاً.
الثاني: الجواز عقلاً والمنع سمعاً.
الثالث: المنع مطلقاً. انظر: إحكام الفصول ص 426، شرح اللمع للشيرازي 1 / 501، الواضح في أصول الفقه لابن عقيل 4 / 258، الوصول لابن برهان 2 / 48، ميزان الوصول للسمرقندي 2 / 1005، رفع النقاب القسم 2 / 416، نشر البنود 1 / 285، حاشية التوضيح والتصحيح لابن عاشور 2 / 81.
(2)
انظر: الإحكام لابن حزم 1 / 505.
وممن وافق الظاهرية في جواز نسخ الكتاب بالآحاد الحنفية، انظر: التلويح إلى كشف حقائق التنقيح للتفتازاني 2 / 79، التقرير والتحبير 3 / 85، والطوفي في: شرح مختصر الروضة 2 / 325، والشوكاني في: إرشاد الفحول 2 / 98، والشيخ محمد الأمين الشنقيطي في: مذكرته في أصول الفقه
ص 152، وهو رواية عن الإمام أحمد، انظر: المسودة ص 106، أصول الفقه لابن مفلح 3/1144.
(3)
مذهب الباجي ومن معه يوافق الظاهرية ومن معهم في الجواز عقلاً وسمعاً، لكن الباجي يفصّل فيقول بوقوع نسخ المتواتر بالآحاد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم. انظر: إحكام الفصول ص 426، والإشارة للباجي
ص 270 - 272. وممن ذهب إلى هذا التفصيل: الباقلاني كما في: البحر المحيط للزركشي 5/ 261، والسرخسي في أصوله 2 / 77 - 78، وابن رشد في: الضروري في أصول الفقه ص 86، والقرطبي في: الجامع لأحكام القرآن 2 / 151.
(4)
ساقطة من س.
(5)
يدل عليه حديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بينا الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آتٍ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآنٌ، وقد أُمِر أن يستقبل الكعبة، فاسْتقبلُوها. وكانت وُجوهُهم إلى الشام، فاستداروا إلى الكعبة)) رواه البخاري (403) ، ومسلم (526) .
الاستدلال بهذا الدليل على نسخ الكتاب بالآحاد غير متجه، لأن من العلماء من قال بأن استقبال بيت المقدس لم يثبت بالقرآن وإنما ثبت بالسنة، لأنه تواتر فعله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه. فالاستدلال به يتم على نسخ المتواتر بالآحاد. انظر هامش (2) ص (88) .
ولهذا كانت عبارة الباجي في الاستدلال هكذا: ((وقد كانوا يعلمون استقبال بيت المقدس من دين النبي صلى الله عليه وسلم ضرورةً)) إحكام الفصول ص 426، الإشارة له ص 271، إلَاّ أن يقال بأن استقبال بيت المقدس ثابت بالقرآن الكريم في قوله تعالى: س أَقِيمُوا الصَّلاةَ ش [الأنعام: 72] ، فإنه مجمل بيَّنه الرسول صلى الله عليه وسلم بفعله، والبيان يُعدّ كأنه منطوق به في ذلك المبيّن. انظر: رفع النقاب القسم 2 / 417.
لنا: أن الكتاب متواتر قَطْعِيٌ (1) فلا يُرْفع بالآحاد المظنونة؛ لتقدُّمِ العلم على
الظنِّ (2) .
الشرح
[واستدلوا أيضاً بقوله تعالى](3) : {قُل لَاّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} (4) الآية نُسِختْ بنهيه عليه الصلاة والسلام عن أكْل كُلِّ ذي نابٍ من السِّبَاع* (5) وهو خبر واحد (6) .
وبقوله تعالى*: {وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ} (7) نُسِخ ذلك بقوله عليه الصلاة والسلام: ((لا تنْكَح المرأةُ على عَمَّتِها ولا على خَالَتِها)) (8) الحديث.
(1) هنا زيادة ((قطع)) في س، ولا حاجة لها.
(2)
انظر هذا الدليل في: البرهان للجويني 2 / 854، نواسخ القرآن لابن الجوزي من 101، التقرير والتحبير 3 / 82، وانظر مناقشة هذا الدليل في: إحكام الفصول ص 426، المستصفى 1 / 240، الوصول لابن برهان 2 / 48، منهج التحقيق والتوضيح في حلّ غوامض التنقيح للشيخ محمد جعيط 2 / 112.
(3)
ما بين المعقوفين ساقط من س.
(4)
الآية 145 من الأنعام وتمامها: {
…
إِلَاّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} .
(5)
ورد النهي من حديث أبي ثَعْلبة الخُشَنِي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل كل ذي نابٍ من السباع. رواه البخاري (5530)، ومسلم (1932) . ومن العلماء من عدَّه من الأحاديث المتواترة. انظر: نظم المتناثر من الحديث المتواتر للكتاني ص 161.
(6)
يرى ابن العربي وابن الجوزي ومكي بن أبي طالب أن الآية مُحْكَمة وليست منسوخة بل السنة خصَّصتْ عمومها انظر: الناسخ والمنسوخ لابن العربي 2 / 218، نواسخ القرآن لابن الجوزي ص 236، الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه لمكي القيسي ص 249.
(7)
الآية 24 من النساء، وقد سبقتها الآية 23 التي فيها المحرَّمات من النساء.
(8)
الحديث من رواية أبي هريرة رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((لا تُنْكَح المرأةُ على عمّتِها ولا على خالتها)) رواه مسلم برقم (1408) والرقم الخاص (37) ، ورواه البخاري بنحوه برقم (5109) .
لكن يرى ابن الجوزي وابن العربي ومكي بن أبي طالب أن الآية مُحْكَمة وليست منسوخة، وإنما السنة جاءت بالتخصيص. انظر: نواسخ القرآن لابن الجوزي ص 269، الناسخ والمنسوخ لابن العربي
2 / 162 - 167، الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه لمكي ص 184.
ولأنه دليل شرعي فَيَنْسَخ كسائر الأدلة.
ولأنه يخصِّص الكتاب فينسخه؛ لأن النسخ تخصيص في الأزمان (1) .
والجواب عن الأول: أن الآية إنما اقتضت التحريم إلى تلك الغاية فلا ينافيها ورود (2) تحريم بعدها، وإذا لم ينافِها (3) لا يكون نسخاً (4) ، لأن من شرط النسخ التنافي (5) .
وعن الثاني: أن العام في الأشخاص مطلق في الأحوال*، فيُحمل العام على حالة عدم القرابة المذكورة (6) . سلمناه لكنه تخصيص، ونحن نسلمه إنما النزاع في النسخ.
وعن الثالث: الفرق، أن تلك الأدلة المتفق عليها مساوية أو أقوى (7) ، وهذا رجوع (8) ، فلا يلحق بها.
وعن الرابع: أن النسخ إبطال لما اتصف بأنه مراد، فيحتاط فيه أكثر من التخصيص؛ لأنه بيانٌ للمراد فقط.
وأما تحويل القبلة فقالوا احتفَّتْ به قرائن وجدها أهل قُبَاء (9) لما أخبرهم المُخْبر من
(1) انظر: المعتمد 1 / 390، التبصرة للشيرازي ص 270، المحصول للرازي 3 / 333.
(2)
في ن: ((وجود)) .
(3)
في ن: ((ينافيها)) وهو خطأ نحوي على المشهور لعدم حذف حرف العلة من الفعل المجزوم بـ" لم ".
انظر: هامش (3) ص (26)، وفي ق:((ينافه)) وهي صحيحة، فيكون مرجع الضمير الغائب:
((ورود تحريم)) ومرجع الضمير الظاهر: ((التحريم)) الذي في الآية.
(4)
في س: ((ناسخاً)) .
(5)
معنى هذا الجواب: أن الآية تفيد حصر المحرمات في الماضي إلى وقت نزولها، وليس فيها منافاةٌ لتحريم شيءٍ جديدٍ في المستقبل. انظر: نفائس الأصول 6 / 2497، الكاشف عن المحصول للأصفهاني
5 / 274، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 / 195.
(6)
كأنه يقول: وأحل لكم ما بقي من النساء في حالةٍ ما. انظر: رفع النقاب القسم 2 / 419.
(7)
في ز: ((قوى)) وهو تحريف.
(8)
في س: ((مرجوع)) وهو تحريف.
(9)
قُبَاء: بضمٍّ وفتح، اسم بئر عُرفتْ بها، وهي مساكن بني عمرو بن عوف من الأنصار، وهي قرية على ميلين من المدينة، وجاءت في فضائل مسجدها أحاديث. انظر: معجم البلدان 4 / 342، أما الآن فهو حي من أحياء المدينة.