الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التزام موجَبه (1) ، وكذلك لو استدل بعضهم على وجوب الزكاة بسورة الإخلاص، فإنا نقول بموجَبها الذي هو التوحيد، ولا يلزم من ذلك وجوب الزكاة في صورة النزاع.
القادح الخامس: الفرق
ص: الخامس: الفَرْق (2) : وهو إبداء معنىً مناسبٍ للحكم في إحدى الصورتين مفقود في الأخرى (3) .
وقَدْحه مبنيٌ (4) على أن الحكم لا يُعلَّل بعلتين، لاحتمال أن يكون الفارق إحداهما، فلا يلزم من عدمه عدم الحكم، لاستقلال الحكم بإحدى
العلتين.
الشرح
قولنا: ((مناسب)) احتراز من غير المناسب، وقد يكون الشيء مناسباً لحكم غير الحكم المتنازع فيه.
مثال غير المناسب: أن نقيس (5) الأرز على البر في حكم الربا، فيقول السائل: الفرق بينهما أن الأرز أشد بياضاً أو أيسر تقشيراً من سنبله (6) .
(1) يرى الأحناف والمالكية جواز تطييب المحرم وتغطية رأسه كالحلال، لانقطاع إحرامه بالموت، ويجيبون عن الحديث بأنه واقعة عين، والشافعية والحنابلة يرون عدم تطييبه وتغطية رأسه. انظر: الحاوي 3 / 13، بدائع الصنائع 2 / 329، المغني 3 / 478، الذخيرة 2 / 455، نيل الأوطار 4 / 40.
(2)
يسمى أيضاً بسؤال المعارضة، وبسؤال المزاحمة. انظر: البحر المحيط للزركشي (7 / 378) . والفَرْق لغةً: الفَصْل مصدر فَرَق. انظر: المصباح المنير مادة " فرق ". وانظر هذا القادح في: قواطع الأدلة
2 / 229، المنخول ص 417، التمهيد لأبي الخطاب 4 / 217، المحصول للرازي 5 / 271، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 / 276، نشر البنود 2 / 223، المنهاج للباجي ص 201، المعونة للشيرازي ص 262، الكافية للجويني ص 298، الإيضاح لابن الجوزي ص 321.
(3)
ومن تعريفاته الأوضح: بيان مانعٍ من الحكم في الفرع مع انتفاء ذلك المانع في الأصل. تيسير التحرير
(
4 / 148) ، ومنها: إبداء المعترض معنىً يحصل به الفرق بين الأصل والفرع حتى لا يلحق به في حكمه. شرح الكوكب المنير (4 / 320) .
(4)
في ق: ((بني)) .
(5)
في ق: ((يقيس)) .
(6)
هذا الفارق غير قادح، لأنه فارق بوصف طردي، وقد عُهِد من الشارع عدم التفاته إليه، وما من جامعٍ بين أصلٍ وفرعٍ إلا ويمكن قطعه بالأوصاف الطردية، لكنه باطل.
مثال المناسب (1) لغير الحكم المذكور: أن نقيس (2) المساقاة على القِرَاض (3) في جواز المعاملة على جزء مجهول، فيقول السائل: الفرق أن الشجر إذا تُرِك العمل فيها هلكتْ بخلاف النَّقْدين، وهذا [مناسب لأَنْ يكون](4) عقد المساقاة [لازماً لا جائزاً
بخلاف] (5) القراض، فإن القول بجوازه يؤدي إلى جواز رده بعد مدة، فيَتْلَف الشجر، أما باعتبار الغرر فلا مدخل لمناسبة هذا الفرق فيه.
مثال المناسب للحكم المذكور: أن نقيس الهبة (6)
على البيع في منع الغرر فيها، فيقول المالكي: الفرق أن البيع عقد معاوضة، والمعاوضة مكايسة (7) يُخلُّ بها الغرر، والهبة إحسانٌ صِرْفٌ لا يُخلُّ به الغرر، فإن لم يحصل شيء لا يتضرر الموهوب له، بخلاف المشتري (8) .
قال الإمام فخر الدين: وقَدْحُه في القياس مبني على أن الحكم لا يعلل بعلتين (9)
(1) في ق: ((التناسب)) وهو تحريف.
(2)
في ق: ((يقيس)) .
(3)
القِراض هي تسمية أهل الحجاز، وهي المضاربة بتسمية أهل العراق. والقِراض مشتق من القَرْض بمعنى القطع انظر مادة " قرض " في: لسان العرب، المصباح المنير. واصطلاحاً: قال ابن عرفة: تمكين مالٍ لمن يتّجر به بجزءٍ من ربحه لا بلفظ الإجارة. شرح حدود ابن عرفة للرصّاع 2 / 500.
(4)
ساقط من ق.
(5)
ساقط من ق.
(6)
الهبة لغة: العطية الخالية من الأغراض والأعواض، من وهَب يَهَب وَهْباً وهبةً. انظر: لسان العرب مادة " وهب ". واصطلاحاً: تمليكُ ذي منفعةٍ لوجهِ المُعْطَى بغير عوض. شرح حدود ابن عرفة للرصّاع
2 / 552.
(7)
المكايسة: مفاعلة من كايس، يقال: كايَسْتُ فلاناً فكِسْتُه أَكِيْسُهُ كَيْساً أي: غلبْتُه بالكَيْس، أي:
العقل. والمماكسة: المساومة لانتقاص الثمن. فالبيع فيه مكايسة ومماكسة. انظر: مادة " مكس " في لسان العرب، النهاية في غريب الحديث والأثر.
(8)
انظر الخلاف في هبة الغرر في: الحاوي 7 / 535، بدائع الصنائع 8 / 95، المغني 8 / 249، الذخيرة
6 / 243 - 244.
(9)
عبارة الرازي في محصوله (5 / 571) : ((والكلام فيه (أي الفرق) مبني على أن تعليل الحكم الواحد بعلتين، هل يجوز أم لا؟ وفيه مسألتان)) . ثم شرحهما وقال أخيراً في (5 / 279) :((وهو (أي الفرق) يقدح في جواز تعليل الحكم الواحد بعلتين مستنبطتين)) فالمصنف يبدو أنه دمج بين العبارتين، واستخلص مذهب الرازي في أن القدح بالفرق يكون في الحكم المعلَّل بعلَّة واحدة أو معلل بعللٍ متعددة مستنبطة، أما الحكم المعلل بعلل منصوصة فلا يقدح. وربما كان النقل من غير المحصول والمنتخب والمعالم والله أعلم.
[فإن شأن تعليل الحكم بعلتين](1) أن انفراد (2) إحداهما (3) يوجب (4) ثبوت الحكم، وعدم الأخرى لا يضر، كما نقول في تعليل إجبار الأب: إنه معلل بالصِّغَر والبكارة، فإذا انفردت إحدى العلتين وهي البكارة ثبت الجبر [كالمُعَنَّسة (5) على الخلاف (6) ،
أو الصغر ثبت الجبر] (7) كالثيب الصغيرة، أو اجتمعتا معاً ثبت الجبر كالبِكْر الصغيرة، فإذا أورد السائل الفرق، يقول القائس: فَرْقُه معنى (8) مناسب هو علة أخرى في الأصل مع المشترك بين صورة الأصل وصورة النزاع، [وقد اجتمعتا (9) معاً في الأصل، فترتَّب الحكم، وانفرد المشترك في صورة النزاع](10) ، وهو إحدى (11) العلتين، فترتب الحكم عليه، ولا يضر عدم الفارق في (12) صورة (13) النزاع، لأن عدم إحدى العلتين لا يمنع ترتب الحكم، فلذلك قال (14) : إن سماع الفرق مبني على أن الحكم لا يعلل بعلتين.
[غير أن ها هنا إشكالاً وهو: أن الجمهور على جواز تعليل الحكم بعلتين](15) ،
(1) ما بين المعقوفين ساقط من س.
(2)
في ق: ((انفرد)) وهي تحريف.
(3)
في ق: ((أحدهما)) وهو خطأ نحوي. انظر: هامش (3) ص 58.
(4)
في ن: ((توجب)) وهو خطأ؛ انظر: هامش (7) ص 112.
(5)
المُعَنَّسة: اسم مفعول من عَنَّس، وعَنَست المرأة تَعْنِسُ وتَعْنُسُ عنوساً، وهي عانس. وعَنَّسها أهلُها: أمسكوها عن التزويج، فالمعنَّسة هي المرأة التي طال مكثها في منزل أهلها بعد إدراكها، ولم تتزوج حتى خرجت من عداد الأبكار. انظر مادة " عنس " في: لسان العرب، المصباح المنير.
(6)
انظر خلاف أهل العلم في تعليل إجبار الأب موليّته على النكاح في: الحاوي 9 / 52، بدائع الصنائع
3 / 357، بداية المجتهد 4 / 209، المغني 9 / 398. وفي خصوص البكر المعنَّسة قال الصنف في الذخيرة (4 / 217) ((لا تجبر الثيّب البالغ عندنا لعدم العلتين، وفي البكر المعنَّسة روايتان)) .
(7)
ما بين المعقوفين ساقط من ق.
(8)
في ق: ((منعى)) وهو تحريف.
(9)
هكذا في س وهو الصواب؛ لعود الضمير على مثنى مؤنث (العلتان) ، وفي س، ن:((اجتمعا)) .
(10)
ما بين المعقوفين ساقط من ق.
(11)
في س، ن:((أحد)) والمثبت من ق هو الصواب. انظر: هامش (3) ص 58.
(12)
هكذا في س، ز، وفي سائر النسخ ((من)) وهي لا تعطي معنى مناسباً.
(13)
هنا زيادة ((عدم)) في ق وهي مقحمة بطريق السهو.
(14)
أي: الفخر الرازي. انظر المحصول 5 / 271، 279.
(15)
ساقط من ق.
والجمهور على سماع الفرق (1) ،
فيبطل قوله: إن سماع الفرق ينافي تعليل الحكم بعلتين (2) ؟.
والجواب: أن الفرق قد (3) يصلح للاستقلال (4) بالعليَّة، كما نقول (5) في الصغر مع* البكارة، وقد لا يصلح للاستقلال (6) كما يفرق بزيادة المشقة ومزيد الغرر من باب صفة الصفة التي لا تصلح للتعليل المستقل، فما (7) لا يصلح للاستقلال (8) يمكن أن يسمع مع جواز التعليل بعلتين؛ لأن السؤال السابق حينئذٍ لا يتجه، وهو الذي قال به الجمهور، وما (9) يصلح للاستقلال (10) لا يمكن إيراده إذا جوَّزنا التعليل بعلتين، فهذا تلخيص هذا الموضع (11) .
(1) اختلفت مذاهب الأصوليين في القدح بالفرق على ثلاثة مذاهب، الأول: أنه ليس قادحاً، نقله الجويني عن طوائف من الجدليين والأصوليين. والثاني: يرى أن الفرق ليس سؤالاً إنما هو معارضة الأصل بمعنى، ومعارضة العلة التي نصبها المستدل بعلةٍ أخرى مستقلة، والمعارضة مقبولة، وهو معزوٌّ إلى ابن سريج والأستاذ أبي إسحاق. الثالث: مذهب الجمهور أن الفرق يقدح في العلة ويبطلها، وهو سؤال صحيح، نص الجويني على أنه مذهب جماهير الفقهاء والمحققين. انظر: البرهان 2 / 686 وما بعدها، المنخول
ص 417، البحر المحيط للزركشي 7 / 80.
(2)
في س: ((بمثلين)) ولا مناسبة لها هنا.
(3)
ساقطة من ن.
(4)
في ق: ((للاستقبال)) وهو تحريف.
(5)
في س: ((تقول)) .
(6)
في ق: ((للاستقبال)) وهو تحريف.
(7)
في ق: ((فيما)) ، وفي س:((لما)) وكلاهما تحريف.
(8)
في ن: ((للاستقبال)) وهو تحريف.
(9)
هنا زيادة ((لا)) في س وهي خاطئة؛ لأنها تقلب المعنى المراد.
(10)
في ق: ((للاستقبال)) وهو تحريف.
(11)
انظر توضيحاً لما سبق في: نفائس الأصول 8 / 3459.