الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بيان الأول: أن القياس لم يكن حجةً إلا بالنصوص، فهو فرعها، ولأن المقيس عليه لابد وأن يكون منصوصاً عليه، فصار القياس فرع النصوص من هذين الوجهين، وأما أن الفرع لا يُقدَّم على أصله؛ فلأنه لو قُدِّم (1) على أصله لأبْطَل أصله، ولو أبطل أصله لبطل (2) ، [فلا يَبْطُل أصله](3) .
والجواب عن هذه النُّكْتة: أن النصوص التي هي أصل القياس غيرُ النص الذي قُدِّم عليه القياس فلا تناقض، ولم يُقدَّم الفرع على أصله بل على غير أصله.
تنقيح المناط وتخريجه وتحقيقه
ص: وهو إن كان (4) بإلغاء الفارق (5) فهو تنقيح المناط* عند الغزالي، أو باستخراج الجامع من الأصل، ثم تحقيقه في الفرع، فالأول: تخريج المناط، والثاني: تحقيقه (6) .
الشرح
المناط اسم مكان الإناطة، والإناطة التعليق والإلصاق (7) ، قال حسَّان بن ثابت
(1) في ق: ((تَقَدَّم)) .
(2)
ساقطة من ن.
(3)
ساقط من ن، س.
(4)
هنا زيادة ((الحكم)) في ن، وهي زيادة لا معنى لها.
(5)
القياس بإلغاء الفارق: هو بيان أنّ الفرع لم يفارق الأصل إلا فيما لا يُؤَثِّر، فيلزم اشتراكهما في المؤثر. انظر: تشنيف المسامع 3 / 321، مفتاح الوصول ص 717.
(6)
محل الكلام عن هذه المسائل حسب الترتيب المألوف أن يكون في مباحث مسالك العِلَّة، ولهذا نجد المصنف كرَّر مبحث " تنقيح المناط " في الفصل التالي لهذا، في المسلك الثامن ص (348) . ولكن ربما كانت مناسبة البحث فيها هنا الوقوف على أيّ ضَرْبٍ من أضرب الاجتهاد في العلة يُسمَّى قياساً، ثم أيّ ضربٍ منها وقع الاتفاق على الاحتجاج به؟ والله أعلم. انظر تعريفات هذه المصطلحات في: رسالة في أصول الفقه للعكبري ص 80، أساس القياس للغزالي ص 37، الإحكام للآمدي 3 / 302، شرح مختصر الروضة للطوفي 3 / 233، الإبهاج 3 / 80، تيسير التحرير 3 / 42، نشر البنود 2 / 164.
(7)
جاء في مصباح المنير ص (324) قوله: ((ناطه من باب قال: علَّقه. واسم موضع التعليق مَنَاط بفتح الميم)) . وفي المعجم الوسيط ص (963)((أناط الشيءَ به، وعليه: ناطه)) . فعلى هذا يكون اسم المكان من الثلاثي ناط: مَنَاط، ومن الرباعي أناط: مُنَاط، وبهذا يكون: المَنَاط اسم مكانٍ من النَّوْط لا من الإناطة كما ذكره المصنف. انظر: حاشية العطار على شرح المحلي لجمع الجوامع 2 / 337، وانظر: مادة ((نوط)) في: معجم المقاييس في اللغة، لسان العرب.
فيمن هجاه (1) :
وأنْتَ زَنِيْمٌ نِيْطَ في آلِ هَاشِمٍ كما نِيْطَ خَلْفَ الراكبِ القَدَحُ الفَرْدُ (2)
أي: عُلِّق، وقال حبيب (3) الطائي (4) :
بِلادٌ بها نِيْطَتْ عَليَّ تمائمي وأولُ أرضٍ مَسَّ جِلْدِي تُرَابُها (5)
أي: عُلِّقتْ عليَّ الحُروز (6) فيها، والعلة رُبِط بها الحكم وعُلِّق عليها، فسُمِّيتْ
(1) هنا زيادة في نسخة " ق " - جاءت في أصل الكتاب - وهي: ((وهو أبو سفيان صخر بن حرب بن أمية ابن عبد شمس بن عبد مناف فليس له ببني هاشم تعلُّقٌ ألبتة، وإنما يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في عبد مناف وهذا معلوم)) .
والصحيح أن المَهْجُوَّ هو أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم، ابن عمِّ النبي صلى الله عليه وسلم، وأخوه من الرضاعة، كان يهجو النبيَّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه عشرين سنة، ثم أسلم عام الفتح، وصمد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين. انظر الطبقات الكبرى لابن سعد 4 / 49، الإصابة في تمييز الصحابة 7 / 151.
ومطلع القصيدة:
لقد عَلِم الأقوامُ أنَّ ابنَ هاشمٍ هو الغُصْنُ ذو الأَفْنَانِ لا الواحدُ الوَغْدُ
انظر: شرح ديوان حسان بن ثابت ص 212.
(2)
البيت بحره من: الطويل. وهو مسطَّر في ديوانه بشرح البرقوقي ص (213) ، وورد في لسان العرب
(
7 / 420) ، ولفظه: وأنت دَعِيٌ نيط
…
، وفي الاستيعاب لابن عبد البر (1 / 336) لفظه: وأنت هَجِيْنٌ نيط
…
، والزَّنيم: هو المُسْتَلْحق بالقوم وليس منهم، لا يُحتاج إليه، تشبيهاً له بزنمتيِّ شاة المَعْز اللتين في عُنُقها. انظر: عمدة الحفاظ 2 / 149، مختار الصحاح مادة ((زنم)) . والمراد بقوله: كما نيط خلف الراكب القدح الفرد، أي تأخيره في الذِّكْر، كما يعلّق الراكب قدحه في آخر رَحْله عند فراغه من ترحاله. انظر: شرح ديوان حسان بن ثابت ص 214.
(3)
في س: ((خلف)) وهو تحريف.
(4)
هو حبيب بن أوس بن الحارث الطائي، المعروف بأبي تمام، الشاعر الشهير، ولد عام 188 هـ، استقدمه المعتصم إلى بغداد، وقدَّمه على من حوله من الشعراء، توفي عام 231 هـ في الموصل. له ديوان الحماسة (ط)، فحول الشعراء. أُفْرِدتْ سيرته بالتأليف من ذلك: أخبار أبي تمام للصولي، أبو تمام الطائي حياته وشعره لنجيب الهبيتي. انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 8 / 248، خزانة الأدب 1 / 356.
(5)
البيت بحره من: الطويل، والمصنف نسب هذا البيت لحبيب (أبي تمام)، وكذا في: نفائس الأصول 7 / 3087، وفي نهاية السول للإسنوي 4 / 138. ولم أعثر عليه في ديوانه. لكنه في لسان العرب، وتاج العروس كلاهما في مادتيْ:((نوط)) ، و ((تمم)) منسوب إلى رِقَاع بن قيس الأسدي. والبيت جاء في مقدمة كتاب " أخبار أبي تمام " للصولي ص (22) غير منسوبٍ لأحدٍ، وربما جاء اللَّبْس من هذا.
(6)
حروز: جمع حِرْز؛ لأن الاسم الذي جاء على وزن " فِعْل " فإنه يجمع على " فُعُول " و " أفْعَال ".
انظر: شرح شافية ابن الحاجب (2 / 92)، والحِرْز: الموضع الحصين، يقال: هذا حِرْزٌ حَرِيْزٌ، ويُسمى التعويذُ حِرْزاً. والحِرْز: العُوذة. انظر: مادة ((حرز)) في: القاموس المحيط، مختار الصحاح.
مناطاً على وجه التشبيه (1) والاستعارة.
واختلف الناس في تنقيح المناط، فقال الغزالي: هو إلغاء* الفارق، كما تقول لا فارق بين بيع (2) الصفة (3)
و (4) بيع الرؤية إلا الرؤية، وهي لا تصلح أن تكون فارقاً
في متعلَّقات (5) أغراض المبيع، فوجب استواؤهما في الجواز، ولا فارق بين الذكور والإناث في مفهوم الرِّقِّ (6) وتشطير (7) الحَدِّ، فوجب استواؤهما فيه، وقد ورد النص بذلك في أحدهما في قوله تعالى {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ (8) } (9)[ولا فارق بين الأَمَة والعبد في التقويم (10) على مُعْتِق الشِّقْص (11) ، فوجب استواؤهما في ذلك (12) ، فإن النص إنما ورد في العبد الذَّكَر خاصة](13) في قوله
(1) انظر: البحر المحيط للزركشي 7 / 322.
(2)
ساقطة من س.
(3)
بيع الصفة نوعان، أحدهما: بيع عَيْنٍ معينة، مثل أن يقول: بِعْتُك عبدي التُرْكِي، ويذكر سائر
صفاته
…
، والثاني: بيع موصوفٍ غير معين، مثل أن يقول: بِعْتك عَبْداً تُرْكياً، ثم يستقْصي صفات السَّلَم، فهذا في معنى السلم. المغني لابن قدامة 6 / 34. وانظر آراء العلماء في حكمه في: الحاوي
5 / 14، بدائع الصنائع 6 / 607، المغني 6 / 31، مواهب الجليل 6 / 118.
(4)
هنا زيادة ((بين)) وهناك من يخطِّيء تكرير " بين " بين اسمين ظاهرين، لكن قال أفصح من نطق بالضاد صلى الله عليه وسلم ((بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة)) رواه مسلم (134) . انظر: درة الغواص للحريري ص 72، معجم الخطأ والصواب د. أميل يعقوب ص 95.
(5)
في ن: ((معلَّقات)) والمثبت أنسب لكثرة استعماله فيما ذُكر.
(6)
أي في سراية العتق.
(7)
التّشْطير: التنصيف، وشَطْر كل شيء: نِصْفه. المصباح المنير مادة ((شطر)) .
(8)
سورة النساء، من الآية:25.
(9)
مسألة تشطير الحَدِّ انظرها في: المغني 12 / 331، مغني المحتاج 5 / 450، مواهب الجليل 8 / 397، رد المحتار (حاشية ابن عابدين) 6 / 17.
(10)
في ن: ((التقديم)) وهو تحريف.
(11)
الشِّقْص والشَّقِيْص: هو الطائفة من الشيء والقطعة من الأرض، وهو النصيب من العين المشتركة في كل شيء. انظر: النهاية لابن الأثير، لسان العرب كلاهما مادة ((شقص)) .
(12)
انظر المسألة في: الحاوي 18 / 5، بداية المجتهد 5 / 458، بدائع الصنائع 5 / 313، المغني 14 / 369، الذخيرة 11 / 149.
(13)
ما بين المعقوفين ساقط من ق.
عليه الصلاة والسلام: ((من أعتق شِرْكاً له في عبد)) (1) ونحو ذلك، فهذا القياس يُسمى (2) : تنقيح المناط على اصطلاح (3) هؤلاء.
وقال الحَسْكَفِي (4) في " جَدَلِهِ "(5) وغيره (6) : تنقيح المناط: هو تعيين علة من أوصاف مذكورة، وتخريج المناط: هو استخراجها من أوصاف غير مذكورة (7)(8) . مثال الأول: [حديث الأعرابي](9)((جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يَضْرِب صَدْره ويَنْتِفُ شَعْرَه فقال: هلكْتُ وأهلكْتُ؛ واقعتُ أهلي في شهر رمضان. فأوجب عليه الصلاة والسلام عليه (10) الكفارة)) الحديث المشهور (11)
فذُكِر في الحديث كونه أعرابياً،
(1) تتمة الحديث: ((فكان له مال يبلغ ثمن العبد قُوِّم العبد عليه قيمة عَدْلٍ فأَعْطى شركاءهم حصصهم، وعَتَق عليه العبد، وإلَاّ فقد عَتَق منه ما عَتَق)) رواه البخاري (2522) ، ومسلم (1501) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(2)
ساقطة من ن.
(3)
في ن: ((استواء)) وهي خطأ؛ لعدم إفادتها المعنى المطلوب.
(4)
هكذا في س، ن، ق، ش، وفي و، ص:((المسكفي)) ، وفي م، ز:((الخِلفي)) . والصواب
أنه: ((الحَصْكَفِي)) هكذا ضبطه ابن عاشور في حاشية التوضيح 2 / 158. ولعلَّه: أبو الفضل يحيى بن سلامة بن الحسين الخطيب الحَصْكَفِي - نسبة إلى حِصْن كَيْفَا في ديار بكر - ولد عام 459 هـ وتأدب على الخطيب التبريزي، وتفقه على مذهب الشافعي، كان أديباً شاعراً، وصار إليه أمر الفتوى. توفي عام 551 هـ. انظر: وفيات الأعيان 6 / 205، شذرات الذهب 4 / 168.
(5)
لم أقف عليه. لكن ممن عزاه إليه أيضاً المصنف في كتابه نفائس الأصول 7 / 3088 وفيه " الحصكفي "، والطوفي في شرح مختصر الروضة 3 / 243 وفيه " الحسكفي ".
(6)
انظر: الإحكام للآمدي 3 / 303، الإبهاج 3 / 89.
(7)
في ن: ((المذكورة)) .
(8)
قال الطوفي - عن هذا التعريف -: ((فيه نظر، إذ لا يلزم في تخريج المناط تعداد الأوصاف، بل قد لا يكون في محل الحكم إلا وصف واحد هو العلّة، فتُسْتَخرج بالاجتهاد. فالأولى أن يقال: هو استخراج العلة غير المذكورة بالاجتهاد)) شرح مختصر الروضة 3 / 244.
(9)
ساقط من ق.
(10)
ساقطة من ق، س.
(11)
حديث الأعرابي جاء في صحيح البخاري في مواضع عِدَّة منها (1936) ، وصحيح مسلم (1111) ، وكذلك ورد في السنن، لكن ليس في ألفاظ تلك الروايات ((يضرب صدره، وينتف شعره)) وقد نبه إليها الحافظ ابن حجر في شرحه فتح الباري (4 / 206) ..لكن جاء في مصنف عبد الرزاق عن سعيد بن المسيب مرسلاً ((يضرب صدره، وينتف شعره)) . كما جاء في سنن البيهقي الكبرى (4 / 226) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ((وهو ينتف شعر رأسه ويَدُقُّ صدره)) .
وضرْبُ الصدرِ ونتْفُ الشَّعْر، وهي لا تصلح للتعليل، وكونُه (1) مفسِداً للصوم مناسبٌ للكفارة، فعيَّن علةً من أوصاف مذكورة.
ومثال الثاني: نهيه عليه السلام عن بيع البر بالبر إلا مثلاً بمثل يداً بيدٍ (2) ، ولم يذكر العلة ولا أوصافاً هي مشتملة عليها، فتعْيِيْنُ (3) الطعمِ (4) أو الكيل أو القوت أو الماليَّة للعليَّة (5) إخراجُ علةٍ من أوصاف غير مذكورة، فهذا هو تخريج المناط، لأنا أخرجنا العلة من غيب (6) ، والأول تنقيحٌ؛ لأنه تصفية وإزالة لما لا يصلح عما (7) يصلح، وتنقيح الشيء إصلاحه (8) ، فهذا اصطلاح مناسب، فيحْصُل لنا في تنقيح المناط مذهبان (9) ، وفي تخريج المناط قولان (10) .
وأما تحقيق المناط: فهو تحقيق العلة المُتَّفق عليها في الفرع، مثاله: أن يُتَّفق (11) على أن العلة في الربا هي (12) القوت الغالب (13) ، ويُخْتَلف (14) في الربا في التِّيْن بناء على
(1) أي: كون الجماع والوقاع.
(2)
سلف تخريجه انظر هامش (1) ص (302) .
(3)
في س: ((فيتعين)) وهي غير مستقيمة مع السياق.
(4)
هنا زيادة ((للعلَّة)) في س، وفي ن ((القلة)) وهي محرَّفة.
(5)
ساقطة من س، ن.
(6)
في ن: ((عيب)) وهو تصحيف.
(7)
في س: ((عملاً بما)) وهو متجهٌ أيضاً.
(8)
التنقيح: مصدر " نقَّح "، يقال: نقحت الشيء بمعنى خلصته وشذبته وهذبته. انظر: مادة ((نقح)) في القاموس المحيط، المصباح المنير.
(9)
الأول: أن تنقيح المناط هو إلغاء الفارق وهو للغزالي، والثاني: هو تعيين علةٍ من أوصافٍ مذكورة وهو ما ذكره الحصكفي. وانظر: نفائس الأصول 7 / 3087.
(10)
الأول: هو ما ذكره المصنف في المتن وهو: استخراج الجامع من الأصل. والثاني: هو ما ذكره في الشرح نقلاً عن الحصكفي وهو: استخراج العلة من أوصاف غير مذكورة. والقولان بمعنى واحد.
(11)
في ن: ((تتفق)) ، وفي س:((نتفق)) .
(12)
ساقطة من س.
(13)
في س: ((المخالف)) وهو تحريف.
(14)
في س، ن:((تختلف)) .
أنه يقتات غالباً في الأندلس أو لا، نظراً إلى الحجاز وغيرها، فهذا تحقيق المناط (1) ، يُنْظر (2) هل هو محقَّق أم لا بعد الاتفاق عليه؟. فقد ظهر الفرق بين تخريج المناط وتنقيح المناط، وتحقيق المناط، وهي اصطلاحات لفظية.
(1) وهناك نوع آخر من تحقيق المناط، وهو: أن يَثْبُت الحكمُ بمدركه الشرعي ولكن يبقى النظر في تعيين محلِّه، مثل: استقبال القبلة واجب ثابت بالنص والإجماع، أما تعيين جهتها فيحتاج إلى اجتهادٍ من
المكلف. انظر: رسالة في أصول الفقه للعكبري ص 82، المستصفى 2 / 238، شرح مختصر الروضة للطوفي 3 / 233، الموافقات للشاطبي 5 / 12.
(2)
في ق: ((فانظر)) .