الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني
في حكمه
ص: وهو واقع (1) ، وأنكره بعض اليهود عقلاً وبعضهم سَمْعاً (2) ، وبعضُ المسلمين مُؤَوِّلاً لما وقع من ذلك بالتخصيص (3) .
لنا: [ما اتفقتْ عليه الأمم مِنْ](4) أن الله تعالى شرع لآدم تزويج الأخ بأخته غير تَوْأمَتِهِ (5) ، وقد نُسِخ ذلك (6) .
(1) أي حكم النسخ: واقعٌ شرعاً، والوقوع الشرعي دليل الجواز العقلي.
(2)
انقسم اليهود إلى ثلاث فرقٍ: الشَّمْعُونية وقالت: يمتنع عقلاً وسمعاً، العِنَانية وقالت: يمتنع سمعاً لا عقلاً، العيْسَوية وقالت: يجوز عقلاً وسمعاً. انظر: الإحكام للآمدي 3 / 115، نفائس الأصول 6/ 2428، شرح مختصر الروضة للطوفي 2 / 266، التقرير والتحبير 3 / 58، التمهيد في الرد على الملحدة المعطلة والرافضة والخوارج والمعتزلة للباقلاني ص 140، الملل والنحل للشهرستاني 1 / 251، 256 - 257، النسخ في القرآن الكريم د. مصطفى زيد 1 / 27.
لكن حكاية خلاف اليهود في كتب أصول الفقه، مما لا يليق؛ لأن الكلام في أصول الفقه فيما هو مقررَّ في الإسلام، وفي اختلاف الفرق الإسلامية. أما حكاية الكفار فالمناسب لذكرها أصول الدين. وذكر العَطَّار: بأن مخالفة اليهود في ذلك ليتوصلوا إلى إنكار نسخ شريعة محمد صلى الله عليه وسلم وشريعة عيسى عليه السلام لشريعة موسى عليه السلام. انظر: حاشية العطار على شرح المحلي لجمع الجوامع 2 / 119. وانظر: إرشاد الفحول 2 / 75. وذكر الشاطبي: أن أقوال أهل الأهواء غير مُعْتَدٍّ بها في الخلاف المقرَّر في الشرع. وأما نقل العلماء لأقوالهم، وأقوال اليهود والنصارى لا للاعتداد بها قطعاً وإنما ليردُّوها ويبيِّنوا فسادها. انظر: الموافقات 5 / 221.
(3)
لم يشتهر هذا القول عن أحدٍ من المسلمين سوى أبي مُسْلِمٍ الأصفهاني المُعْتزلي (ت 322 هـ) ، وسيردُ تحرير مذهبه في مسألة جواز نسخ القرآن ص 61، انظر: المعتمد 1 / 370، الإحكام للآمدي
3 / 115، منتهى السول والأمل ص 154، أصول الفقه لابن مفلح 3 / 1117.
(4)
ما بين المعقوفين ساقط من ق.
(5)
التَّوْأم: مِنْ أتْأمَتِ المرأةُ؛ إذا وَضَعَتْ اثنين في بَطْنٍ، فهي مُتْئِم. والوَلَدَان: تَوْأمان، ويقال: هذا تَوْأم هذا، فَوْعَل. وهذه توأمة هذه، والجَمْع توائم. مختار الصحاح مادة ((تأم)) .
(6)
هذا دليل أهل الإسلام على جواز النسخ عقلاً وسمعاً، وفي كُتب التاريخ: أن حواء عليها السلام، وَلَدَتْ أربعين بطناً، في كل بطنٍ ذكر وأنثى، فكان آدم عليه السلام يزوج لكلِّ ذكرٍ غير توأمته، ثم حُرِّم ذلك في زمان نوح عليه السلام. انظر: الكامل في التاريخ لابن الأثير 1 / 55، البداية والنهاية لابن كثير 1 / 58، وانظر: رفع النقاب القسم 2 / 380.
وانظر مسألة تزويج آدم للأخ بأخته غير توأمته ثم تحريم ذلك في: الأجوبة الفاخرة عن الأسئلة الفاجرة
ص 90. وانظر تحريم تزويج الأخ بأخته في التوراة في: سفر التثنية، الإصحاح: 27، فقرة: 22.
الشرح
أما وقوع النسخ فلأنَّ الله تعالى أوجب وقوف الواحد مِنَّا للعشرة من الكفار
في الجهاد (1)، ثم نَسَخَهُ بقوله تعالى:{الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا} (2) وصار الحكم أن يقف (3) الواحد منا (4) للاثنين بقوله تعالى: {فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ} (5) .
ونَسَخَ تعالى آياتِ (6) المُوَاْدَعَةِ (7) ،
ويقال:
(1) في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَاّ يَفْقَهُونَ} [الأنفال: 65] .
(2)
الأنفال، من الآية:66.
(3)
في ن: ((يوقف)) والمثبت أنسب.
(4)
ساقطة من ن، ق.
(5)
الأنفال، من الآية:66. وقد اختلف العلماء في وقوع النسخ في آية المصابرة، فالجمهور أنها منسوخة، وقد حكى ابن عطية الإجماع على ذلك. وقال آخرون: لم يقع فيها نسخ بل من باب التخفيف. والصحيح رأي الجمهور؛ لأنه رَفْع حُكْمٍ استقرَّ - وهو وجوب مصابرة الواحدة للعشرة - بحكم وجوب المصابرة للاثنين، وهذا هو النسخ بعينه. انظر أدلة الفريقين ومناقشتها في كتاب: الآيات المنسوخة في القرآن الكريم د. عبد الله الشنقيطي ص 99. وانظر أيضاً: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 2 / 383، 8/ 9، الناسخ والمنسوخ للنحاس 2 / 783، نواسخ القرآن لابن الجوزي ص 349.
(6)
في ن، س:((آية)) . والمثبت هو الصحيح؛ لأنها آيات وليست آية.
(7)
في س، ن:((المواعدة)) وهو تحريف.
* والمُوَادَعةُ والتَّوادُع: شِبْه المُصَالحة والتَّصَالُح، يقال: وادعَ [بني] فلان أي: صَالَحهم وسَالَمهم على ترك الحرب والأذى. وحقيقة الموادعة: المتاركة، أي: يَدَعُ كلُّ واحدٍ منهما ما هو فيه. انظر: لسان العرب مادة " ودع ".
وذكر الرصَّاع: بأن المُهادنة والصُّلْح والاسْتِيْمان والمُعَاهدة ألفاظٌ مترادفة، وعرَّف ابنُ عرفة " المهادنة " بأنها: عقدُ المُسْلم مع الحَرْبيّ على المسالمة مدةً ليس هو فيها تحت حكم الإسلام. انظر: شرح حدود ابن عرفة للرصَّاع 1 / 226. ومن أمثلة آيات الموادعة قوله تعالى: {الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} [البقرة:109] ، وقوله تعالى: {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ ش [النساء: 63] ، وقوله تعالى: {وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} [الأنفال: 61] ، وقوله تعالى: {وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلاً} [المزمل: 10] ، وغيرها. انظر: الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه لمكِّيّ بن أبي طالب القَيْسِي ص 103.
إنها نَيِّفٌ (1) وعشرون (2) آيةً (3) بآية السَّيْف (4)
وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} (5) وبغيرها من الآيات (6) الدالة على
(1) النيِّف: بالتشديد والتخفيف كمَيِّت ومَيْت والتشديد أفصح. وهو الزيادة، مِنْ: ناف، يقال: نَيِّفَ فلانٌ على الستين إذا زاد عليها. وكل ما زاد على العِقْد حتى يبلغ العِقْد الثاني فهو نَيِّفٌ. وقيل: النيِّف من واحد إلى ثلاث. والبِضْع من أربع إلى تسْع. ولا يقال نيّف إلا بعد عِقْد، نحو: عشرة ونيفٌ، عشرون ونيفٌ، مائة ونيفٌ. انظر: لسان العرب، والمصباح المنير كلاهما مادة " نيف ".
وبهذا يُعلم أن قول المصنف هنا: نَيِّفٌ وعشرون ليس جارياً وفق الصحيح من اللغة العربية.
(2)
في س: ((عشرين)) وهو خطأ نحوي؛ لأن المعطوف على المرفوع مرفوع.
(3)
قال ابن العربي: ((قوله تعالى: {فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] ناسِخٌ لمائةٍ وأربَع عَشْرَة آية)) . أحكام القرآن 1 / 102، وكذا قال ابن جُزَيّ الغِرْناطي في مقدمة تفسيره " التسهيل في علوم التنزيل " في الباب السابع: الناسخ والمنسوخ 1 / 10 - 11.
(4)
أصح الأقوال في آية السيف أنها قوله تعالى: {فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ..} [التوبة: 5] . وقيل: إنها قوله تعالى: {وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً..} [التوبة: 36] . وقيل: هما معاً. والمصنف رحمه الله جعلها قوله تعالى:
{
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ
…
} [التوبة: 73] . والخَطْب في هذا يسير. انظر روح المعاني للألوسي 5 / 246، النسخ في القرآن الكريم د. مصطفى زيد 2 / 503.
(5)
التوبة، من الآية: 73، والتحريم، من الآية:9.
(6)
منها قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ
…
} [البقرة: 216]، وقوله تعالى: {قَاتِلُواْ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الآخِرِ
…
} [التوبة: 29] . انظر: الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه لمكي القيسي ص 103.