الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشرح
حجة الحنفية: أن اعتبارَ الفرعِ، فرعُ اعتبار الأصل، والأصل أنكر أن يكون الفرع روى عنه فلا يقبل الفرع، كما لو قال الأصل في الشهادة: لم أعلم هذه الشهادة، أو أجْزِمُ بعدم تحمُّلِها، فإن الشهادة لا تقبل.
قال الإمام فخر الدين (1) : إذا لم يجزم بعدمه بل قال: لا أذْكُر أنه رواه عني قُبِلتْ رواية الفرع، لأن عدالته تقتضي (2) صدقه، وعدم علم الأصل لا ينافي صدقه (3) ، فالمُثْبت مقدَّم على النافي، وإن جزم الأصل بعدم الرواية ولم يجزم الفرع بل قال: الظاهر أني رويته، قدم الأصل لجزمه، وإن جزم كل واحد منهما: هذا بالرواية وهذا بعدمها حصل التوقف، إذ ليس أحدهما أولى من الآخر.
ووجه قول أصحابنا: أنه يقبل في شك الأصل أن عدالة الفرع تمنعه الكذب، والشك من الأصل لا يعارض اليقين.
هل يشترط في الراوي الفقه
؟
والمنقول عن مالك رحمه الله أن الراوي إذا لم يكن فقيهاً فإنه كان يَتْرك روايته* (4) ووافقه أبوحنيفة (5) ، وخالفه الإمام فخر الدين وجماعة (6) .
(1) هذا النقل من المحصول (4/421) بمعناه ومفاده، وقد زاد المصنف فيه تعليلات من عند نفسه.
(2)
ساقطة من ق.
(3)
في س: ((ضده)) وهو تحريف.
(4)
نقل عن مالك قوله: ((ما كنا نأخذ الحديث إلا من الفقهاء)) انظر: ترتيب المدارك 1 / 125، إسعاف المبطأ للسيوطي ص 3 وقد فسَّر الولاتي مراد الإمام مالك بالفقه بأنه الفهم لمعنى الخبر الذي يرويه لأمن الغلط فيها. انظر: نيل السول شرح مرتقى الوصول ص 260. وقال حلولو "وعندي أن هذا المروي عن مالك لا يدلُّ على أنه يقول باشتراط الفقه في الراوي، بل لعلَّه على جهة الاحتياط ليبني عليه مذهبه، لا أنه يقول: لا تقبل الرواية إلا من فقيه" التوضيح شرح التنقيح ص (318) .. وممن نسب اشتراط الفقه في الراوي لمالك الشوشاوي في: رفع النقاب القسم 2/695، الرهوني في: تحفة المسئول القسم 2/603، وابن جزي في: تقريب الوصول ص298، والعلوي الشنقيطي في: نشر البنود 2/41.
(5)
لكن من الأحناف من يقيد "اشتراط الفقه في الراوي" فيما إذا خالفت الرواية القياس، ومنهم من لا يشترط الفقه أصلاً. انظر مذهب الحنفية في: أصول السرخسي 1/338، المغني في أصول الفقه للخبازي ص207، فتح الغفار لابن نجيم 2/80، تيسير التحرير 3/52، فواتح الرحموت 2/185. وممن اشترط الفقه في الرواية ابن حزم في الإحكام 1/133.
(6)
انظر: مذهب الإمام الرازي في المحصول 4/422، وانظر: إحكام الفصول ص366، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2/68، شرح مختصر الروضة 2/157، البحر المحيط للرزكشي 6/213، شرح البدخشي 2/350.
الشرح
حجة مالك: أن غير الفقيه يسوء فهمه فيفهم الحديث على خلاف وضعه، وربما خطر له أن ينقله بالمعنى الذي فهمه مُعْرِضاً عن اللفظ (1) ، فيقع الخلل في مقصود الشارع، فالحزم (2) أن لا يُروى عن غير فقيه، [ولقوله صلى الله عليه وسلم "نضَّر الله امْرءاً سمع مقالتي فأداها كما سمعها، فرُبَّ حاملِ فقهٍ إلى من هو أفقه منه، ورُبَّ حاملِ فقهٍ (إلى من) ليس بفقيه"(3)
فجعل الحامل إما فقيهاً وغيره أفقه منه أو غيره جاهلاً (4) ، ولم يجعل من جملة الأقسام أن الحامل جاهل] (5) .
(1) سيأتي مبحث حكم رواية الحديث بالمعنى في الفصل العاشر.
(2)
في ق، س، ن:((الجزم)) والمثبت من ز، م، ش وهو أنسب.
(3)
الحديث هكذا جاء رسمه في النسخ: ق، ص، و، م، ز، وهو ساقط من النسختين س، ش. بينما جاء في النسخة ن بلفظ:"وربّ حامل فقه ليس بفقيه" بدون الزيادة المثبة فيما بين الحاصرتين (إلى من) . والصواب حذف هذه الزيادة لأنها مخلَّة بمعنى الحديث، ولم أجدها في كلّ ما وقفت عليه من طرق وألفاظ الحديث. لكني لم أشأ حذفها بل أثبتها هنا كما هي؛ لأن المصنف أثبتها هنا وفي الفصل العاشر من هذا الباب، وفرَّع عليها استدلاله على اشتراط الفقه في الراوي بأن الحديث لم يجعل من جملة الأقسام أن الراوي ليس بفقيه. وهذا الاستدلال لم أجده إلا عند المصنف. والذي عليه جماهير العلماء استدلالهم بالحديث على أنه ليس من شرط المخبر أن يكون فقيهاً، لقوله صلى الله عليه وسلم:"ورب حامل فقه ليس بفقيه". انظر: الرسالة للشافعي ص 403، إحكام الفصول 366 المحصول للرازي 4/422، روضة الناظرين 1/394، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2/68. أما تخريج الحديث: فقد رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أربعة وعشرون صحابياً، وقيل ثلاثون. وقد أخرجه جمع غفير من المحدثين في كتبهم، من ذلك أبو داود (3660) ، والترمذي (2656) ، وابن ماجة (230) وغيرهم وصححه ابن حجر في موافقه الخُبْر الخَبَر 1/363 ـ 378، والألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة المجلد الأول رقم الحديث (404) ..ومن العلماء من عدَّ الحديث من قبيل المتواتر. انظر: قطف الأزهار المتناثرة للسيوطي ص28. وقد أفرد هذا الحديث بالتصنيف ـ بجمع طرقه وألفاظه ـ أبو عمرو أحمد المديني ت (333هـ) في كتاب بعنوان: "جزء فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: نضر الله امرءاً سمع مقالتي فأداها" تحقيق بدر البدر. دار ابن حزم ط (1) عام 1415هـ. وكذلك كتاب عظيم القدر للشيخ الدكتور/ عبد المحسن العباد بعنوان "دراسة حديث: نضّر الله امرأ سمع مقالتي.. رواية ودراية" مطابع الرشيد. ط (1) عام 1401هـ.
(4)
في ن: ((جاهل)) وهو متجه على أنه خبر و: ((غيره)) مبتدأه.
(5)
ما بين المعقوفين ساقط من س، ش.