الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكم نسخ الإجماع والنسخ به
ص: والإجماع لا يُنْسخ ولا يُنْسخ به (1) .
الشرح
هذا نقل " المحصول "(2)، وقال " الشيخ سيف الدين " (3) : كون الإجماع يُنْسخ الحكمُ الثابت به (4) نفاه الأكثرون وجوَّزه الأقلُّون (5) ، وكون الإجماع ناسخاً منعه الجمهور (6) .
وجوَّزه بعض المعتزلة وعيسى بن أبَان (7) .
(1) شرح هذه المسألة الذي هنا منقول من نفائس الأصول (6 / 2500 - 2503) بحروفه تقريباً.
(2)
المحصول في علم الأصول للفخر الرازي من أجلِّ كتب الأصول وأفخرها. ذكر الإسنوي أن استمداد المحصول كان من المعتمد لأبي الحسين البصري، والمستصفى للغزالي. وذكر ابن خلدون بأن الإمام الرازي أميل إلى الاستكثار من الأدلة والاحتجاج. له شرحان كبيران: نفائس الأصول للقرافي (ط) ، الكاشف عن المحصول للأصفهاني (ط) ، له مختصرات كثيرة منها الحاصل (ط)، والتحصيل (ط) وغيرهما. انظر: نهاية السول 1 / 4، مقدمة ابن خلدون 3 / 1065.
(3)
انظر كتابه: الإحكام في أصول الأحكام 3 / 160 - 161.
(4)
ساقطة في س.
(5)
لم أقف على تسمية هؤلاء الأقلِّين.
(6)
قال ابن العربي: ((اتفق علماؤنا على أن الإجماع لا يَنْسَخ، لأنه ينعقد بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، وتجديد شرعٍ بعده لا يتصور، وهذا الظاهر على الجملة، بَيْد أن فيه تفصيلاً بديعاً: وذلك أن الإجماع ينعقد على أثرٍ ونَظَرٍ، فإن كان الإجماع على نَظَرٍ لم يَجُزْ أن يَنْسَخ، وإن انعقد على أثرٍ جاز أن يكون ناسخاً، ويكون الناسخ الخبر الذي انبنى عليه الإجماع)) . الناسخ والمنسوخ له 2 / 19.
(7)
انظر تفصيل هذه المسألة والأقوال فيها في: المعتمد 1 / 400، الإحكام لابن حزم 1 / 530، إحكام الفصول ص 428، أصول السرخسي 2 / 66، التمهيد لأبي الخطاب 2 / 388، نهاية الوصول للهندي 6 / 2366، كشف الأسرار للبخاري 3 / 334، تحفة المسؤول للرهوني القسم 2 / 528، التلويح للتفتازاني 2 / 79.
أما عيسى بن أبَان فهو: عيسى بن أبَان بن صدقة، أبو موسى الحنفي، كان من أصحاب الحديث ثم غلب عليه الرأي؛ تفقّه على محمد بن الحسن الشيباني، تولّى قضاء العسكر ثم قضاء البصرة من تآليفه:
" اجتهاد الرأي "، " خبر الواحد "، " إثبات القياس " ت عام 221 هـ. انظر: الفوائد البهية في تراجم الحنفية ص 151، الجواهر المضيّة في تراجم الحنفية 1 / 401. وقد جُمِعتْ أقواله الأصولية في رسالة ماجستير بجامعة أم القرى عام 1415 هـ إعداد الباحث / أحمد باكر الباكري.
وبنى الإمام فخر الدين هذه المسألة على قاعدةٍ (1) وهي: أن الإجماع لا ينعقد في زمانه عليه الصلاة والسلام، لأنه بعض المؤمنين بل سيّدهم، ومتى وُجِد قوله عليه الصلاة والسلام فلا عبرة بقول (2) غيره (3) ، وإذا لم ينعقد إلا بعد وفاته عليه الصلاة والسلام لم يمكن (4) نَسْخُه بالكتاب والسنة لتعذرهما بعد وفاته عليه الصلاة والسلام، ولا بالإجماع لأن هذا الإجماع الثاني إن كان لا عن دليل فهو خطأ، وإن كان عن دليل فقد غفل عنه الإجماع الأول فكان خطأً، والإجماع لايكون خطأً (5) ، فاستحال النسخ بالإجماع (6) . ولا بالقياس لأن من شرطه أن لا يكون على خلاف الإجماع، فيتعذر (7) نسخ الإجماع مطلقاً.
وأما كون الإجماع ناسخاً فقال (8) : لا يمكن أن يَنْسَخ كتاباً ولا سنةً؛ لأنه يكون على خلافهما فيكون خطأً، ولا إجماعاً (9) لأن أحدهما يلزم أن يكون خطأً لمخالفته لدليل الإجماع الآخر، ولا قياساً (10) لأن من شرط القياس عدم الإجماع، فإذا أجمعوا على خلاف حكم القياس زال القياس لعدم شرطه (11) .
(1) انظر: المحصول للرازي 3 / 354.
(2)
ساقطة من س.
(3)
انظر ردّ المصنف على الرازي في قوله: ((فلا عبرة بقول غيره)) في نفائس الأصول 6 / 2501، ثم انظر تعقيب الأصفهاني على هذا الرد في: الكشاف عن المحصول 5 / 302.
(4)
في س: ((يكن)) .
(5)
ساقطة من ن.
(6)
هنا زيادة: ((فيتعذر نسخ الإجماع مطلقاً)) وهي تكرار لا داعي لها.
(7)
في ص: ((فاستحال)) .
(8)
أي الإمام فخر الدين. انظر: المحصول 3 / 357.
(9)
في ن: ((إجماع)) وهو خطأ فيما يبدو لي، لأنها معطوفة على منصوب، والعاطف حرف الواو، و" لا " زائدة لتوكيد النفي. انظر: مغني اللبيب 1 / 468.
(10)
في ن: ((قياس)) انظر الهامش الآنف الذكر.
(11)
أورد المصنف في نفائس الأصول (6 / 2502) إشكالاً على الرازي في كون الإجماع لا يُنسخ به مع أنه يُخصص به، لأن التخصيص لابد له من مستند، فكذا في النسخ، ويكون ذلك المستند هو الناسخ. وقد ردّ هذا الإشكال الأصفهاني في الكاشف عن المحصول 5 / 300.
وهذه الطريقة مشكلة بسبب أنَّ وجود (1) النبي صلى الله عليه وسلم لا يمنع وجود الإجماع، لأنه عليه الصلاة والسلام شهد لأمته بالعصمة فقال:((لا تجتمع أمتي على خطأ)) (2) وصفة المُضَاف غير المضاف إليه، وهو عليه الصلاة والسلام لو شهد لواحدٍ في زمانه عليه الصلاة والسلام بالعصمة لم يتوقف ذلك على أن يكون بعده عليه الصلاة والسلام، فالأمة أولى (3) .
ثم إنه نقض هذه القاعدة بعد ذلك فقال* (4) : يمكن نسخ القياس في زمانه عليه الصلاة والسلام بالإجماع، فصرح بجواز انعقاد الإجماع في زمانه عليه الصلاة والسلام (5) .
(1) ساقطة من س.
(2)
لم أجده بهذا اللفظ فيما اطلعتُ عليه من كتب السنة، بل فيها لفظ " ضلالة " بدلاً من " خطأ "، والحديث رواه الإمام أحمد في مسنده 6 / 396، وأبو داود (4253) ، والترمذي (2167)، وقال عنه: غريب من هذا الوجه، وابن ماجة (3950) وقال البوصيري: إسناده ضعيف. قال ابن حجر في: تلخيص الحبير (3 / 295) : ((حديث مشهور له طرق كثيرة، لا يخلو واحدٌ منها من مقال)) وقال الزركشي: ((واعلم أن طرق هذا الحديث كثيرة ولا يخلو من علّة وإنما أوردتُ منها ذلك ليتقوى بعضها ببعض)) المعتبر في تخريج أحاديث المنهاج والمختصر ص 62. وقال الحاكم - بتصرف - في مستدركه (1 / 116) : ((لابد أن يكون له أصل وله شواهد، لا أدعي صحتها ولا أحكم بتوهينها، بل يلزمني ذكرها لإجماع أهل السنة على هذه القاعدة من قواعد الإسلام)) . وانظر كلاماً للخطيب البغدادي في الحديث في: الفقيه والمتفقه 1 / 424. والحديث حسَّنه الألباني بطرقه في سلسلة الأحاديث الصحيحة، الجزء الثالث (1331) .
(3)
انظر: نفائس الأصول 1 / 2500. والجواب عما أورده مشكلةً أن يقال: إن الإجماع لا ينعقد بمخالفته، ومع موافقته العبرة بسنته، وحينئذٍ يتوجه النسخ إلى مستند الإجماع. انظر: المعتمد 1 / 40، الإحكام لابن حزم 1 / 530، الناسخ والمنسوخ لابن العربي 2 / 19، الكاشف عن المحصول للأصفهاني 5 / 298 - 299.
(4)
أي: الرازي في محصوله 3 / 358.
(5)
قال تاج الدين الأرموي عن هذا التناقض في كتابه: الحاصل من المحصول (2 / 664) : ((وفيه إشكال)) ، وعبّر عنه سراج الدين الأرموي في: التحصيل من المحصول (2 / 28) بأن فيه نظر. وذكر هذا التناقض ابن السبكي في الإبهاج (2 / 254 - 255) دون أن يجيب عنه. وأما الأصفهاني فاعتذر عنه بأنه وقع سهواً من الإمام، انظر: الكاشف عن المحصول (5 / 308) ، وبمثله أجاب الإسنوي في نهاية السول
(2 / 594) . أما العبادي في الآيات البينات (3 / 179) فلم يرتضِ جواب السهو وقال بأن قول الرازي بإمكان نسخ القياس في زمانه صلى الله عليه وسلم بالإجماع، أي: على تقدير انعقاده.
وأما سيف الدين فلم يقل ذلك، بل قال: الإجماع الموجود بعد وفاته عليه الصلاة والسلام لا ينسخ بنص ولا غيره إلى آخر (1) التقسيم (2) .
وقال أبو الحسين البصري في " المعتمد "(3) - الموضوع له في أصول الفقه - كما قاله المصنف، ثم قال: إن قيل: أيجوز (4) أن يُنْسَخ إجماعٌ (5) وقع في زمانه عليه الصلاة والسلام؟ قلنا: يجوز، وإنما منعنا (6) الإجماع بعده أن يُنْسخ، وأما في حياته فالمنسوخ الدليل الذي أجمعوا عليه لا حكمه (7) .
وقال أبو إسحاق: ينعقد الإجماع في زمانه عليه الصلاة والسلام (8) .
(1) في ن: ((أخير)) وهو تحريف.
(2)
انظر: الإحكام للآمدي 3 / 160.
(3)
المعتمد هو أحد الكتب الأربعة التي اعتبرها ابن خلدون في مقدمته (3 / 1065) بأنها أركان هذا العلم، (العمد، المعتمد، البرهان، المستصفى) وهو مصدر أصيل في آراء واستدلالات المعتزلة، وقفتُ على طبعتين له، الأولى: بتهذيب وتحقيق / محمد حميد، وتعاون محمد بكر وحسن حنفي في مجلدين، دمشق: المعهد العلمي الفرنسي للدراسات العربية عام 1384 هـ، والأخرى: تقديم وضبط / الشيخ خليل الميس، دار الكتب العلمية، بيروت. انظر: الفكر الأصولي د. عبد الوهاب أبو سليمان ص 226 وما بعدها.
(4)
في ق، ن:((يجوز)) . والمثبت من س، وهو الموافق لما في المعتمد 1 / 401.
(5)
في ن: ((إجماعاً)) ، فيكون تقدير العبارة: أيجوز أن يَنْسخ الله حكماً أجمعت عليه الأمة؟ انظر: المعتمد
1 / 401.
(6)
في ن: ((معنى)) وهي بلا معنى.
(7)
لعلَّ غرض المصنف من سوق هذا النقل عن أبي الحسين البصري ليُفْهم منه تجويز انعقاد الإجماع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم. ولكن هيهات! لأن أبا الحسين صرَّح قبل هذه النقل عنه بأسطرٍ فقال: ((ومعلوم أن الإجماع إنما انعقد بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم) المعتمد 1 / 401.
فإيراد أبي الحسين هذا إنما هو السؤال هنا على سبيل التقدير والفَرْض والتقسيم العقلي، وهو لا يدلُّ على الوقوع. وانظر: الكاشف على المحصول للأصفهاني 5 / 309.
(8)
هكذا نقل المصنف هنا عن أبي إسحاق الشيرازي، والذي نقله في النفائس (6 / 2503) عنه أنه لا ينعقد في زمانه صلى الله عليه وسلم، والنقل الذي في النفائس هو الصواب كما في شرح اللمع (1 / 490) حيث قال: ((ولا يتصور الإجماع في زمانه
…
)) .