الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عدده، فيتحيَّل ويأتي به، فيقول الآخر: وأنا أفعل ذلك، فلا تنفصل خصومة، بخلاف الترجيح بمزيد العدالة، ليس في قدرة الخصم أن يُصيِّر (1) بيِّنته أعدل من بينة خصمه، وكذلك الأدلة لا تقبل أن يَصِيْر مرجوحها راجحاً ولا قليلها كثيراً، فإن الأدلة قد استقرَّتْ من جهة صاحب الشرع فتتعذَّر (2) الزيادة فيها، فالترجيح بكثرة الأدلة كالترجيح بالعدالة [لا كالترجيح بالعدد](3) ، فظهر الجواب والفرق.
العمل عند تعارض الدليلين
ص: وإذا تعارض دليلان (4) فالعمل بكل واحدٍ منهما من وَجْهٍ أولى من العمل بأحدهما دون الآخر (5) .
وهما (6) إن كانا عامَّيْن معلومين والتاريخ معلوم نَسَخ المتأخرُ المتقدِّمَ، وإن كان مجهولاً سقطا، وإن علمت المقارنة خُيِّر بينهما. وإن كانا مظنونين فإن عُلِم المتأخر نَسَخ المتقدِّمَ وإلا رُجِعَ إلى الترجيح (7) . وإن كان أحدهما معلوماً والآخر مظنوناً
(1) في س: ((تَصِيْر)) وهو متجه
(2)
في ق: ((فيعذر)) ، وفي ن:((تعذر)) وكلاهما تحريف
(3)
ساقط من ن
(4)
هذا التقسيم الذي سيذكره المصنف مستَمدٌّ من المحصول للرازي (5/406، 408) . ويمكن حصر القسمة كما يلي: إذا تعارض الدليلان، فإما أن يُمكن الجمع بينهما أو لا؟ فإن لم يمكن الجمع بينهما ففيه أربعة أقسام، وهي: إما أن يكونا عامَّين، أو خاصَّين، أو أحدهما عامّاً والآخر خاصاً، أو أحدهما عامّاً من وجه خاصاً من وجه والآخر كذلك. فهذه أربعة أقسام، وكل واحدٍ منها إمَّا أن يكونا معلومين، أو مظنونين، أو أحدهما معلوماً والآخر مظنوناً. فثلاثة في أربعةٍ باثني عشر قسماً. وفي كل قسم من هذه الأقسام إما أن يُعلم التاريخ أو يجهل، فهذه أربعة وعشرون قسماً. انظر: رفع النقاب القسم 2/968، وانظر: السِّراج الوهَّاج 2/1035، البحر المحيط للزركشي 8/157.
(5)
هذا ما يسمَّى بمسلك الجمع والتوفيق بين الدليلين المتعارضين، فمهما أمكن العمل بهما تعيّن ذلك؛ لأن الإعمال أولى من الإهمال. وأوجه الجمع كثيرة، منها: الجمع بالتخصيص أو التقييد أو بتغاير الحال أو بالتأويل أو بالتخيير
…
إلخ. انظرها مستوفاة في: منهج التوفيق والترجيح بين مختلف الحديث د/ عبد المجيد محمد السوسوة ص (155-274)، وانظر الشروط المتوخَّاة في الجمع بين الدليلين المتعارضين في: التعارض والترجيح بين الأدلة الشرعية د/ عبد اللطيف البرزنجي ص (218 - 243) .
(6)
ساقطة من ن
(7)
أي: إن لم يُعلم المتأخر منهما رُجع إلى الترجيح، ولا سبيل هنا إلى التساقط، بخلاف المعلومين، لتعذر التفاوت بينهما، كما هو مذهب المصنف.
والمتأخرُ المعلومُ نَسَخ (1) أو المظنونُ لم يَنْسَخْ، وإن جُهِل الحال تعيَّن المعلوم.
وإن كانا خاصَّيْن فحكمهما (2) حُكْمُ العامَّيْن، وإن كان أحدهما عاماً والآخر خاصاً، قُدِّم الخاص على العام؛ لأنه لا يقتضي (3) إلغاء أحدهما بخلاف العكس، وإن كان أحدهما عاماً من وجْهٍ كما في قوله تعالى {وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} (4) مع قوله تعالى {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} (5) وجب الترجيح إن كانا مظنونين (6) .
الشرح
إنما يرجح (7) العمل بأحدهما من وجهٍ؛ لأن كل واحد منهما يجوز إطلاقه بدون إرادة ذلك الوجه الذي تُرِك، ولا يجوز إطلاقه بدون (8) جميع ما دلَّ (9) عليه، فإن ذلك هَدَرٌ بالكلية؛ فكان الأول أولى، كقوله (10) عليه الصلاة والسلام ((لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها لبولٍ أو غائطٍ)) (11) ورَوَى ابن عمر رضي الله عنه أنه (12) رأى رسول الله
(1) هنا زيادة: ((المظنون)) في س، وهي صحيحة، وتركتُ إثباتها محافظةً على نَظْم الكلام.
(2)
في ق: ((حكمهما)) وهو خطأ نحوي، انظر: هامش (7) ص 22.
(3)
هنا زيادة: ((عدم)) في س، وهي خطأ؛ لانقلاب المعنى بها.
(4)
النساء، من الآية: 23
(5)
النساء، من الآية: 3
(6)
في هذا القسم الأخير - عند المصنف - اختلال، نتج عن شدة اختصاره للمحصول (5/410-412) . وحاصله وتحصيله: إنْ كان أحد الدليلين عاماً من وجهٍ وخاصاً من وجهٍ والآخر عكسه، فإن علم المتأخر منهما كان ناسخاً للمتقدم سواء كانا معلومين أو مظنونين. أما إن كان المتقدم مظنوناً والمتأخر معلوماً فقيل بالنسخ، وقيل: بالترجيح، وعكسه: بالترجيح قولاً واحداً. وإن جُهل التاريخ فإن كانا معلومين لم يمكن الترجيح بقوة الإسناد بل بما تضمنه الحكم (وهو مثال المصنف هنا بالجمع بين الأختين المملوكتين في النكاح) ، وإن لم يوجد الترجيح فالتخيير، وإن كانا مظنونين أمكن الترجيح بقوة الإسناد وبما تضمنه الحكم، فإن لم يوجد فالتخيير. انظر: الحاصل من المحصول لتاج الدين الأرموي 2/974، التحصيل من المحصول لسراج الدين الأرموي 2/262.
(7)
في ق: ((ترجح)) .
(8)
ساقطة من ن
(9)
في س: ((دلَّت)) وهو خطأ؛ لأن فاعله مذكَّر.
(10)
في س: ((لقوله)) وهو ليس مناسباً؛ لأن المقصود هو التمثيل.
(11)
أخرجه مسلم (264) من حديث أبي أيوب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ببولٍ ولا غائط، ولكن شرّقوا أو غرِّبوا)) وبلفظِ نحوه عند البخاري (144، 394) .
(12)
هنا زيادة: ((قال)) ولا داعي لها.
صلى الله عليه وسلم فَعَل ذلك في بيته (1) ، الحديثين المشهورين، فَحَمَلْنا الأول على الأَفْضية، والثاني على الأبنية (2) .
وإذا كانا عامَّيْن لا يمكن حملهما على حالين تعيَّن نسخُ المتأخرِ للمتقدم كانا معلومين أو مظنونين (3) ؛ لأنا نشترط في الناسخ أن يكون مساوياً أو أقوى (4) ، ويسقطان مع الجهل لاحتمال النسخ، فكل واحد منهما دائر بين أن يكون ناسخاً حجة أو منسوخاً ليس بحجة، والأصل عدمُ الحكم وبراءة الذمة، فيجب التوقف حتى يتعين موجِب الشَّغْل، وإذا عُلمتْ المقارنة خُيِّر بينهما؛ لأن من (5) شرط النسخ التراخي، والمقارنة ضِدُّه فلا نسخ، فكل واحد منهما حجة قطعاً فتعيَّن التخيير (6) ، وإذا (7) كان المتأخر هو المظنون لم يَنْسَخ المعلومَ، لما تقدَّم: أن القاعدة أنا نشترط في الناسخ أن يكون مساوياً أو أقوى (8) ، والمظنون أضعف من المعلوم، ويتعين (9) المعلوم عند جهل التاريخ لرجحانه بكونه معلوماً، ومهما (10) ظَفِرْنا بجهة ترجيح تعيَّن العملُ بالراجح.
(1) في ن: ((في بيته يفعل ذلك)) .
* والحديث لفظه عند البخاري (145، 148)، ومسلم (266) وخاص (62) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ارتقيت فوق ظهر بيت حفصة لبعض حاجتي، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته مستدبر القبلة مستقبل الشام.
(2)
انظر اختلاف العلماء في مسألة استقبال القبلة واستدبارها ببولٍ أو غائط في: المدونة 1/7، المحلَّى 1/193، بداية المجتهد 2/95، المغني 1/220، المجموع 2/81، شرح فتح القدير 1/432.
(3)
انظر مثاله في: رفع النقاب للشوشاوي القسم 2/972.
(4)
سبق التعليق على هذا الاشتراط.
(5)
ساقطة من ن.
(6)
لئلا يتهافت الخطاب، إذْ فَرْض المسألة العلم باقترانهما معاً، وليعلم بأن تعيُّن التخيير هنا - وفي المظنونين - إنما يتخرَّج على مذهب القائلين به عند تساوي الأمارتين. لكنْ يجري القول الآخر هنا أيضاً، وهو التساقط والتوقف. انظر: نفائس الأصول 8/3691.
(7)
في س: ((وإن)) وهو جائز أيضاً. انظر: هامش (7) ص 16.
(8)
انظر هذه القاعدة والتعليق عليها ص (83) هامش (3) .
(9)
في ق: ((فيتعيّن)) وهو خطأ؛ لأن العطف بالفاء يخلُّ بالمعنى، فلا معنى للترتب والتعقيب، وإنما المراد هنا الاستئناف.
(10)
في ق: ((ومتى)) وهي ظرف زمان شرطية، تصلح أن تثبت هنا أيضاً. وابن مالك يجوِّز ورود " مهما " ظرف زمانٍ أيضاً، لكن ابنه وابن هشام لم يوافقاه على ذلك، بل تحمل على معنى المصدريَّة. انظر: شرح التسهيل 4 / 69، مغني اللبيب 1 / 628، همع الهوامع 2 / 449، 451.
وتقديم (1) الخاص على العام كقوله عليه الصلاة والسلام ((لا تقتلوا الصبيان)) (2) مع قوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} (3) فإن تقديم الحديث لا يقتضي إلغاءه (4) ولا إلغاء الآية، وتقديم عموم الآية يقتضي إلغاء الحديث، ولأن الآية يجوز إطلاقها بدون [إرادة الصبيان](5) ، [ولا يجوز إطلاق الحديث بدون إرادة الصبيان](6) ، لأنهم جميع مدلوله فيبقى هَدَراً، فالأول أولى.
وقوله تعالى: {وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} (7) يتناول المملوكتين والحُرَّتين، وقوله تعالى:{أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} (8) يتناول الأختين والأجنبيتين، وضابطُ الأعمِّ والأخصِّ من وجهٍ: أن يوجد كل واحد منهما مع الآخر وبدونه، وقد وجد الأول في الأختين الحرتين بدون المِلْك، ووجد الثاني في المملوكات الأجنبيات بدون الأُخُوَّة (9) ، واجتمعا معاً في الأختين المملوكتين، [فكلٌّ منهما حينئذ](10) أعم من الآخر من وجهٍ وأخص من وجهٍ، فلا رجحان لأحدهما على الآخر من هذا الوجه
(1) في ق: ((تقدُّم)) .
(2)
لم أجدْه بهذا اللفظ، ولكن بلفظ ((
…
ولا تقتلوا الوِلْدان
…
)) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، أخرجه الإمام أحمد في مسنده (1/300) ، وأبو يعلى في مسنده (4/422) ، والبيهقي في سننه (9/90) ، والطبراني في المعجم الكبير (11/224) وضعَّفه ابن حجر في تلخيص الحبير4 / 103، وكذلك ورد من طريق عبد الله البجلي رضي الله عنه عند أبي يعلى في مسنده (13/494) ، والطبراني في المعجم الكبير (2/313)، قال عنه أبوحاتم:((هذا حديث منكر)) . انظر: علل الحديث لابن أبي حاتم (1 / 320)، لكن ورد في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل النساء والصبيان. انظر: صحيح البخاري (3015) ، صحيح مسلم (1744) وخاص (25) .
(3)
التوبة، من الآية:5. وقد جاءت مثبتةً في جميع النسخ: اقتلوا المشركين. انظر: القسم الدراسي
ص 157.
(4)
ساقطة من ن
(5)
في ق: ((إرادتهم)) .
(6)
ما بين المعقوفين ساقط من ن
(7)
النساء، من الآية: 23
(8)
النساء، من الآية: 3
(9)
في ق: ((الآخر)) وهو تحريف.
(10)
في س، ن:((فهما حينئذٍ كلُّ واحد منهما)) .
بل من خارج، و [قد رُجِّحَ](1) المشهور من المذاهب التحريمُ في الأختين المملوكتين (2) بأنَّ آيتهما لم يدخلها التخصيص بالإجماع، بل قيل: لا تخصيص فيها وهو المشهور، وقيل: يباحان (3)، وقيل: بالتوقف (4) كما قال بعض الصحابة رضوان الله عليهم،
((
أحلَّتْهما آيةٌ وحرَّمَتْهما آية)) (5) . وأما آية المِلْك فمخصوصةٌ إجماعاً بملك اليمين من موطوءات الآباء وغيرهم (6) ، وما لم يُخَصَّص (7) بالإجماع مقدَّم على ما خُصِّص (8) بالإجماع، فتُقدَّم آية الأختين، فيحرم الجمع بينهما.
(1) ساقط من س
(2)
اتفق العلماء على جواز الجمع بين الأختين المملوكتين في الملك دون الوطء، فإن وطيء إحداهما جرى الخلاف في الثانية. وجمهور الفقهاء والأئمة الأربعة على تحريم الجمع بينهما، ورويت الكراهة عن أحمد وبعض الصحابة. انظر: الإجماع لابن المنذر ص 106، الحاوي 9/201، بداية المجتهد 4/279، الاستذكار 16/248، بدائع الصنائع 3/440 المغني 9/538، الذخيرة 4/313، التفسير الكبير للرازي 10/30.
(3)
في ق: ((مباحان)) والقائلون بالإباحة هم أهل الظاهر غير أن ابن حزم مع الجمهور، انظر: المحلَّى
9/522 - 523، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 5/117.
(4)
رُوِي ذلك عن بعض الصحابة، انظر: المحلَّى 9/522، أحكام القرآن للجصاص 2/164.
(5)
روي هذا الأثر عن عثمان وعلي وابن عباس رضي الله عنهم، انظره في: الموطأ 2/538، المصنف
لعبد الرزاق 7/189، 192، المصنف لابن أبي شيبة 4/169، سنن سعيد بن منصور 1/396، 397، سنن البيهقي الكبرى 7/164. قال ابن عبد البر: ((وقول بعض السلف في الجمع بين الأختين بملك اليمين
((أحلتهما آية وحرمتهما آية)) معلوم محفوظ)) الاستذكار 16/252
(6)
ساقطة من ن
(7)
في س: ((تُخصصْ)) .
(8)
في س: ((تخصَّص)) .