الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما القياس الظني فهو حجة في الأمور الدنيوية اتفاقاً (1) كمداواة الأمراض (2) ، والأسفار والمتاجر وغير ذلك، وإنما (3) النزاع في كونه حجةً في الشرعيات ومستندات المجتهدين (4) .
تعارض القياس مع خبر الواحد
ص: وهو مقدَّمٌ على خبر الواحد (5) عند مالك (6)
رحمه الله؛ لأن الخبر إنما ورد (7)
(1) حُكِي الاتفاق في: المحصول 5 / 20، جمع الجوامع بشرح المحلي وحاشية البناني 2 / 42، التوضيح لحلولو ص 332، رفع النقاب القسم 2 / 796، شرح الكوكب المنير 4 / 218.
(2)
انظر مثالاً لطيفاً عليه في: حاشية العطار على شرح المحلي لجمع الجوامع 2 / 241، وانظر تعليقاً نفيساً على هذا المثال في: نبراس العقول للشيخ عيسى منون ص 47.
(3)
في س: ((وأمَّا)) وهو تحريف، لا يستقيم بها المعنى.
(4)
هذا النقل عن الرازي من محصوله (5 / 19 - 20) فيه اختصار وتصرُّف كبير.
(5)
ينبغي تحرير محل النزاع في هذه المسألة، فيقال - كما في المحصول (4 / 431) بتصرف -: خبر الواحد إذا عارضه القياس له أحوال: إمَّا أن يخصِّص الخبرُ القياس، أو عكسه، أو يتنافيا بالكلية. فإن كان الأول جُمِع بينهما بتخصيص الخبر للقياس عند من يُجوِّز تخصيص العلَّة، وإلا أُلْحِق بما إذا تنافيا بالكلية. وإنْ كان الثاني خُصِّص خبر الواحد بالقياس. وإنْ كان الثالث، فإنْ ثبت أصل القياس به ترجَّح عليه بلا خلاف، وإنْ لم يثبت به فإن عُلِم حكم أصل القياس وكونُه معللاً بوصفٍ ووجوده في الفرع قطعاً ترجَّح القياس. وإن ظُنَّ الكلُّ ترجَّح الخبر؛ إذ الظن فيه أقل، وإنْ عُلِم البعض - كما إذا عُلم الحكم وظُنَّ الباقيان - فهو محل النزاع. فمن العلماء مَنْ قدَّم القياس على خبر الواحد، ومنهم من عكس، ومنهم من توقَّف. انظر المسألة بأقوالها وأدلتها في: المعتمد 2 / 162، شرح اللمع للشيرازي 2 / 609، التمهيد لأبي الخطاب 3 / 94، بذل النظر ص 468، الإحكام للآمدي 2 / 118، منتهى السول والأمل ص 86، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 / 73، التوضيح لصدر الشريعة مع التلويح 2 / 10، البحر المحيط للزركشي 6 / 251، شرح الكوكب المنير 2 / 563، تيسير التحرير 3 / 116.
(6)
انظر النسبة إليه في: المقدمة في الأصول لابن القصار ص 110، البيان والتحصيل لابن رشد (الجدّ)
17 / 604، 18 / 482، نفائس الأصول 7 / 2989. لكن ذكر حلولو اختلاف النقل عن الإمام مالك في هذه المسألة، فالمدَنِيُّون يروون عنه تقديم الخبر، والعراقيون يرون مذهبه تقديم القياس. انظر: التوضيح شرح التنقيح ص 333، الضياء اللامع 2 / 165.
وقال السمعاني: ((وقد حُكِي عن مالك أن خبر الواحد إذا خالف القياس لا يُقبل، وهذا القول بإطلاقه سمج مستقبح عظيم، وأنا أجِلُّ منزلة مالك عن مثل هذا القول، وليس يُدْرَى ثبوت هذا منه)) قواطع الأدلة 2 / 366. وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي: ((التحقيق خلاف ما ذهب إليه المؤلف (صاحب مراقي السعود) والقرافي. والرواية الصحيحة عن مالك رواية المدنيين أن خبر الواحد مقدَّم على القياس
- ثم قال - ومسائل مذهبه تدلُّ على ذلك)) . نثر الورود 2 / 443.
(7)
في س، متن هـ:((يرد)) .
لتحصيل الحكم، والقياس متضمِّنٌ للحكمة (1) ، فيُقدَّم على الخبر. وهو حجة في الدنيويات اتفاقاً (2) .
الشرح
حكى القاضي عِيَاض (3) في: " التنبيهات "(4) ،
وابن رشد (5) في: " المقدِّمات "(6)
(1) في ق: ((للحِكَم)) .
(2)
سبق بحث هذه المسألة قريباً.
(3)
هو: أبو الفضل عِيَاض بن موسى بن عِيَاض اليَحْصُبي - نسبة إلى يَحْصُب بتثليث الصاد، قبيلة من حِميْر - السَّبْتي - نسبةً إلى مدينة سَبْتة بالمغرب، المالكي. كان إمام أهل الحديث في وقته، عالماً بالنحو وكلام العرب والتفسير والأصول والفقه. أخذ عن المازري، وابن رشد (الجدّ)، وابن العربي. ولي قضاء سبتة ثم غرناطة. له تصانيف بديعة منها: إكمال المُعْلم بفوائد مسلم (ط) ، الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم (ط)، ترتيب المدارك (ط) وغيرها. توفي عام 544 هـ. انظر: الديباج المذهب ص 270، سير أعلام النبلاء 20/ 212.
(4)
انظره في: الجزء الأول ورقة رقم (5) مصورة ميكروفيلم رقم (2) بجامعة أم القرى عن مخطوطة الخزانة العامة بالرباط برقم 333 ح ل.
وكتاب القاضي عياض اسمه: " التنبيهات المستنبطة على الكتب المدونة والمختلطة "، والمعروف عنه
كما في خزانات المخطوطات أنه في مجلدين كبيرين، جمع فيه غرائب وفوائد من ضبط الألفاظ، وتحرير المسائل
…
إلخ. وقد أشار فؤاد سِزْكين إلى أماكن وجود مخطوطاته في كتابه: تاريخ التراث العربي، مجلد 1 / جزء 3 / 151. انظر: بحث بعنوان: اصطلاح المذهب عند المالكية (دور التطور) د/ محمد إبراهيم أحمد علي، بمجلة البحوث الفقهية المعاصرة، العدد (22) - 1415 هـ، ص 128.
(5)
هو: أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي المالكي، يعرف بابن رشد الجَدّ تمييزاً له عن ابن رشد الحفيد (الفيلسوف المتوفى 595 هـ) كان إمام فقهاء وقته بأقطار الأندلس والمغرب، إليه المفزع في المشكلات، من تلاميذه: القاضي عياض وغيره، له تصانيف جيدة دقيقة، منها: البيان والتحصيل
…
(ط) ، فتاوى ابن رشد (ط) ، المقدمات الممهدات
…
(ط) وغيرها. ت 520 هـ. انظر: الصلة لابن بشكوال 2 / 546، الديباج المذهب ص 373، سير أعلام النبلاء 19 / 501.
(6)
انظره في: 3 / 483، وانظر: البيان والتحصيل له أيضاً 18 / 482، 17 / 604.
وكتاب " المقدِّمات " اسمه: المُقدِّمات المُمَهِّدات لبيان ما اقتضته رسوم المدوَّنة من الأحكام الشرعيات والتحصيلات المُحْكمات لأمهات مسائلها المشكلات. وهو بِدْع من التأليف، يحتوي على دراسات وتأملات فقيهٍ مالكي ضليع بلغ رتبة الاجتهاد، وهو عبارة عن مقدمات كان يوردها المصنف عند استفتاح كتب المدونة، وتكون مدخلاً إليها. والكتاب مطبوع في ثلاثة مجلدات بتحقيق سعيد أحمد أعراب بدار الغرب الإسلامي - بيروت.
في مذهب مالك في تقديم القياس على خبر الواحد قولين (1) ،
وعند الحنفية
قولان (2) أيضاً (3) .
حجة تقديم القياس: أنه موافق للقواعد من جهة تضمُّنه تحصيل (4) المصالح أو دَرْء المفاسد، والخبر المخالف له يمنع من ذلك فيُقدَّم الموافِق للقواعد على المخالِف لها (5) .
حجة المنع: أن القياس فرع النصوص والفرع لا يُقدَّم على أصله.
(1) نصَّ الباجي في إحكام الفصول ص (666) على أن تقديم القياس هو قول أكثر المالكية، لكنّه قال في
ص (667) : ((والذي عندي أن الخبر مُقدَّم على القياس)) .
ونقل حلولو عن القاضي عبد الوهاب في " الملخص " أن تقديم الخبر هو قول المتقدمين من المالكية، كما
نقل عن القاضي عياض أن تقديم الخبر هو مشهور مذهب مالك. انظر: التوضيح شرح التنقيح
ص 333. ولعل مرد الخلاف في تحرير مذهب مالك في المسألة أن القياس يأتي بمعناه المعهود، كما يأتي بمعنى القاعدة من قواعد الشرع، ولهذا قال ابن العربي: ((وهذا ينبني على مسألة من أصول الفقه، اختلف قوله - أي الإمام مالك - وهي إذا جاء خبر الواحد معارضاً لقاعدة من قواعد الشرع، هل يجوز العمل به أم لا؟
…
وتردد مالك في المسألة، ومشهور قوله والذي عليه المعول أن الحديث إنْ عضدته قاعدة أخرى قال به، وإن كان وحده تركه)) القبس في شرح موطأ مالك بن أنس 2 / 812.
(2)
في س: ((قولين)) وهو متَّجه باعتبار الواو عاطفة في قوله: ((وعند الحنفية
…
)) . لكن الصحيح أنها استئنافية ابتدائية، فالصحيح اختيار لفظة ((قولان)) لأن الكتابين السالفين الذكر لم يحكيا مذهب الحنفية.
(3)
الأحناف لهم تفصيل في المسألة على النحو التالي، منهم من قال: إن خالف القياسُ الخبرَ قُدِّمَ القياس عليه. ومنهم من قال: إن كان الراوي للخبر معروفاً بالفقه قُبِل خبره سواء وافق القياس أو خالفه، وإن عُرِف بالرواية فقط - كأبي هريرة وأنسٍ رضي الله عنهما فإن وافق القياسَ قُبِل، وكذا إن وافق قياساً وخالف آخر، لكن إن خالف جميع الأقيسة لم يُقبل
…
إلى آخر التفصيلات. لكن قال الكاكي: ((واعلم أن اشتراط فقه الراوي لتقديم الخبر على القياس مذهبُ عيسى بن أبان، واختاره أبو زيد، وخرَّج عليه حديث المُصرَّاة، وتابعه أكثر المتأخرين. فأمَّا الكرخي ومن تابعه من أصحابنا فليس فقه الراوي بشرط التقديم، بل يُقبل خَبَر كلِّ عَدْل ضابطٍ إذا لم يكن مخالفاً للكتاب والسنة المشهورة، ويُقدَّم على القياس، قال أبو اليسر: ((وإليه مال أكثر العلماء)) جامع الأسرار 3 / 673، وكذا: فتح الغفار 2 / 82،
وانظر: أصول السرخسي 1 / 338، الغنية في الأصول للسجستاني ص 119، المغني في أصول الفقه للخبازي ص 207، كشف الأسرار للنسفي 2 / 21، كشف الأسرار للبخاري 2 / 698، التقرير والتحبير 2 / 398، فواتح الرحموت 2 / 227.
(4)
في س، ق:((لتحصيل)) .
(5)
انظر: نفائس الأصول 7 / 2989.