الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حجية الإجماع السكوتي
ص: وإذا حكم بعض الأمة وسكت الباقون (1)
فعند الشافعي والإمام ليس بحجة ولا إجماع (2) . وعند الجُبَّائي (3) إجماع وحجة بعد انقراض العصر (4) .
(1) هذه مسألة: " الإجماع السكوتي " وهو: أن يقول بعض المجتهدين في مسألة قولاً أو يفعل فعلاً ويسكت الباقون بعد إطلاعهم عليه دون إنكار. ويسمى الإجماع السكوتي عند الحنفية " بالرخصة " لأنه جُعِل إجماعاً ضرورةً للاحتراز عن نسبة الساكتين إلى الفسق والتقصير، ويسمى الإجماع القولي عندهم " عزيمة ". انظر: أصول السرخسي 1/303، كشف الأسرار للبخاري 3 / 326.
وقبل عرض مذاهب العلماء في حجيته، لابد من معرفة الشروط المعتبرة فيه، وهي:
1 -
ألَاّ تظهر من الساكتين أمارةٌ دالةٌ على الرضا أو السخط. 2 - ظهور الحكم وانتشاره واشتهاره بين العلماء. 3 - أن تمضي مدة كافية للتأمل والنظر في حكم الحادثة. 4 - أن تنتفي دواعي السكوت من خوف أو اعتماده أن غيره كفاه مئونة الرد أو نحو ذلك. 5 - أن يكون السكوت قبل استقرار المذاهب في المسألة. 6 - أن تكون المسألة تكليفية. 7 - ألَاّ تتكرر المسألة مراراً مع طول الزمان.
انظر: رفع الحاجب لابن السبكي 2 / 203، البحر المحيط للزركشي 6/470، التوضيح لحلولو ص283، شرح الكوكب المنير 2/253، تيسير التحرير 3/246.
أما المذاهب فيها؛ فقد ذكر المصنف فيها أربعة مذاهب وهي أبرزها. وقد ذكر الزركشي فيها اثني عشر قولاً وكذا الشوكاني. انظر: البحر المحيط 6/456، إرشاد الفحول 1/326.
(2)
هذا المذهب الأول، وهو للشافعي في الجديد، وداود الظاهري، وعيسى بن أبان، والباقلاني، وأبو عبد الله البصري من المعتزلة. انظر: شرح العمد 1/248، الإحكام لابن حزم 1/615 إحكام الفصول ص474، المنخول ص318، المحصول للرازي 4/153، كشف الأسرار للبخاري 3/427. وفصّل الزركشي في اختلاف نسبة هذا القول للشافعي. انظر: البحر المحيط 6/456ـ462.
(3)
المراد به الأب: أبوعلي الجبائي. انظر مذهبه في شرح العمد 1/248، المعتمد 2/66.
(4)
من العلماء من ذكر بأنه إجماع وحجة دون شرط الانقراض. ومنهم من قال: بأنه إجماعي قطعي، وآخرون بأنه ظني. وممن ذهب إلى أنه إجماع وحجة ـ على خلافٍ في التفصيل ـ أكثر الحنفية والمالكية، وبعض الشافعية وهو قول الإمام أحمد وأكثر أصحابه. انظر: إحكام الفصول ص473، شرح اللمع للشيرازي 2/691، أصول السرخسي 1/303، المسودة ص 335، جامع الأسرار للكاكي 3/930، مفتاح الوصول ص 745، الضياء اللامع لحلولو 2 / 246، المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص77، غاية الوصول للأنصاري ص108، نشر البنود 2/94.
لم يذكر المصنف مذهب المالكية في هذه المسألة، وفي نفائس الأصول (6/2691) نقل عن القاضي
عبد الوهاب بأن مذهب المالكية أنه إجماع وحجة.
وعند أبي هاشم (1) ليس بإجماع، وهو حجة (2) . وعند أبي علي بن أبي هريرة (3) إن كان القائل حاكماً لم يكن إجماعاً ولا حجة، وإن كان غيره فهو إجماع وحجة (4) .
الشرح
حجة الأول: أن السكوت قد يكون لأنه في مهلة النظر، أو يعتقد أن (5) قول خصمه مما يمكن أن يذهب إليه ذاهب، أو يعتقد أن كل مجتهد مصيب، أو هو عنده (6) منكر ولكن يَعْتقد أن غيره قام بالإنكار عنه، أو يعتقد أن إنكاره لا يفيد، ومع هذه الاحتمالات (7)
لا يقال للساكت موافق للقائل، وهو معنى قول الشافعي رضي الله عنه:((لا يُنْسب إلى ساكتٍ قولٌ)) (8) وإذا لم يكن إجماعاً لا يكون حجة، لأن قول بعض الأمة ليس بحجة.
(1) المراد به أبو هاشم بن أبي علي الجبائي. انظر مذهبه في: شرح العمد 1/249، المعتمد 2 / 66.
(2)
وهو مذهب بعض الشافعية كالصيرفي وغيره، وهو اختيار ابن الحاجب. انظر: التبصرة ص392، منتهى السول والأمل ص58، البحر المحيط للزركشي 6/461.
(3)
في ن: ((هبيرة)) وهو تحريف. وابن أبي هريرة هو: القاضي أبو علي الحسن بن الحسين البغدادي. انتهت إليه إمامة الشافعية بالعراق، تفقه على ابن سريج، وله بعض المصنفات منها: شرح مختصر المزني ت 345 هـ. انظر: طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي 3 / 256، وفيات الأعيان 2 / 75.
(4)
وذهب أبو إسحاق المروزي إلى عكس هذا المذهب. انظر المذهبين في: البحر المحيط للزركشي 6/463، 465، الإبهاج للسبكي وابنه 2/380.
(5)
ساقطة من ن.
(6)
ساقطة من ق.
(7)
هذه الاحتمالات ذكرها الرازي في المحصول (4/153) وأوصلها إلى ثمانية. والمصنف عدَّ منها خمسة.
وانظر: المستصفى 1/359، روضة الناظر 2/493، الإبهاج للسبكي وابنه 2/381.
ولقد فنَّد هذه الاحتمالات جميعها الآمدي في الإحكام (1 / 253) ، وصفي الدين الهندي في نهاية الوصول (6/2570) . وقال المصنف في نفائس الأصول (6/2691)((والأصل عدم هذه الاحتمالات، وندرة بعضها يسقطه عن الاعتبار)) .
(8)
هذه من العبارات الرشيقة للشافعي رحمه الله كما قال الجويني في البرهان (1/448) فقرة (646) . ونص عبارة الشافعي ((لا يُنْسب إلى ساكتٍ قولُ قائلٍ ولا عملُ عاملٍ، وإنما يُنْسب إلى كلٍّ قولُه وعملُه))
الأم 1/152.
لكن هذا القول ـ الذي صار قاعدة ـ ليس على إطلاقه، لهذا وضع العلماء قيداً فقالوا: لا ينسب إلى ساكتٍ قولٌ، لكنَّ السكوتَ في مَعْرض الحاجة بيانٌ. انظر فروع القاعدة واستثناءاتها في: الأشباه والنظائر للسيوطي ص266، شرح القواعد الفقهية للشيخ أحمد بن الشيخ محمد الزرقا ص337.
حجة الجُبَّائي (1) : أن السكوت ظاهر في الرضا ولاسيما (2)
مع طول المدة، ولذلك (3) قال عليه الصلاة والسلام في البِكْر:((وإذْنُها صُمَاتُها)) (4) وإذا كان الساكت موافقاً كان إجماعاً وحجة، عملاً بالأدلة الدالة (5) على كون الإجماع حجة (6) .
حجة (7)[أبي هاشم](8) : أنه ليس إجماعاً لاحتمال السكوت ما
تقدم (9) من غير الموافقة، وأما أنه حجة فإنه يفيد الظن والظن، حجة لقوله عليه الصلاة والسلام:((أمِرْتُ أن أقضي بالظاهر والله يتولَّى السرائر)) (10) . وقياساً على
(1) المراد به الأب أبو علي.
(2)
في ق، س:((لا سيما)) بدون الواو قال الأشموني: ((وتشديد يائها، ودخول " لا " عليها، ودخول الواو على " لا " واجب، قال ثعْلب: من استعمله على خلاف ما جاء في قوله ((ولا سيما يوم)) فهو
مخطيء. وذكر غيره أنها قد تخفف وقد تحذف الواو
…
)) شرح الأشموني على ألفية ابن مالك بحاشية الصبان 2/249.
(3)
في ن: ((وكذلك)) ، والمثبت أليق بالسياق.
(4)
رواه البخاري (6971) من حديث عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((البكر تستأذن)) قالت: إن البكر تستحيي قال: ((إذْنُها صُمَاتُها)) ورواه مسلم (1421) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. والصُّمَات والصُّموُت هو السُّكات والسكوت وزناً ومعنىً. انظر: لسان العرب مادة " صمت ".
(5)
ساقطة من ن.
(6)
ليس سياق حجة الجبائي هكذا، بل هذه الحجة صالحة للقائلين بأن الإجماع السكوتي حجة وإجماعٌ مطلقاً من غير اشتراط انقراض العصر، كما قررها الشوشاوي في رفع النقاب (2/504) أما حجة الجبائي باختصار فهي: أن الساكتين إذا سمعوا الحكم وطال بهم زمان التفكير فإن اعتقدوا خلاف ما انتشر من القول فيها أظهروه إذا لم تكن تقية، فإن كانت ذكروا سببها، وإن ماتوا قبل من يَتَّقُونه صارت المسألة إجماعاً، وإن مات من يَتَّقُونه وجب أن يظهروا قولهم، فبان أنه لا يجوز انقراض العصر من غير ظهور خلافٍ لما انتشر، لهذا اشترط انقراض العصر. انظر: المغني المجلد (17) قسم " الشرعيات " للقاضي عبد الجبار ص236، المعتمد 1/67.
(7)
ساقطة من س.
(8)
ساقطة من س، ن.
(9)
تقدَّم.
(10)
هذا الحديث لا أصل له. قال ابن كثير: ((هذا الحديث كثيراً ما يلهج به أهل الأصول، ولم أقف له على سند، وسألت عنه الحافظ أبا الحجَّاج المِزِّي فلم يعرفه)) تحفة الطالب ص (145) وقال الزركشي: ((هذا الحديث اشتهر في كتب الفقه وأصوله، وقد استنكره جماعة من الحفاظ منهم المزي والذهبي، وقالوا: لا أصل له)) المعتبر في تخريج أحاديث المنهاج والمختصر ص (99) . وقد نبّه الحافظ بن حجر أنه من كلام الشافعي فظنَّه بعض من رأى كلامه أنه حديثٌ للنبي صلى الله عليه وسلم. انظر: موافقه الخُبْر الخَبَر (1/181) .
المدارك الظنية (1) .
حجة أبي علي (2) : أن الحاكم يُتْبِعُ أحكامَه ما يَطَّلع عليه من أمور رعيته (3) ، فربَّما علم في حقهم ما يقتضي عدم سماع دعواه (4) لأمر باطن يعلمه، وظاهر الحال يقتضي (5) أنه (6) مخالفٌ للإجماع، وكذلك في تحليفه وإقراره، وغير ذلك مما انعقد الإجماع على قبوله (7) ، وأما المفتي فإنما يفتي بناءً على المدارك الشرعية، وهي معلومة عند غيره، فإذا رآه خالفها نبَّهه، وأما أمور الرعية (8) وخواص أحوالهم فلا يَطّلع عليها إلا من ولي عليهم، فتلجئه الضرورة للكشف عنهم، فلا يشاركه غيره في ذلك، فلا يحسن الإنكار عليه، ثم إنه قد يرى المذهب المرجوح في حق غير هذا الخصم هو
(1) وقال السخاوي: ((اشتهر بين الأصوليين والفقهاء
…
ولا وجود له في كتب الحديث المشهورة، ولا الأجزاء المنثورة)) المقاصد الحسنة ص (117) .
ولكن هذا القول صحيح المعنى يشهد له حديث أم سلمة رضي الله عنها ترفعه ((إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إليّ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعضٍ، فأقضي له بنحو ما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئاً فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار)) رواه البخاري (6967) ومسلم (1713) وترجم له النسائي (5416) باب الحكم بالظاهر. كما يشهد له حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه موقوفاً عليه ((أن ناساً كانوا يُؤْخذون بالوحي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الوحي قد انقطع، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم فمن أظهر خيراً أَمِنَّاه وقرَّبناه وليس إلينا من سريرته شيء، الله يحاسب سريرته، ومن أظهر لنا سوءاً لم نَأْمَنه ولم نصدّقه وإن قال: إنَّ سريرته حسنة)) رواه البخاري (2641) .
(
) ليس سياق حجة أبي هاشم هكذا كما وردت في كتب المعتزلة، بل حجته هي: أن الإجماع إنما ثبت من طريق القول أو الفعل أو الرضا به والاعتقاد له، فإذا ظهر من بعض الصحابة في الحادثة قول مخصوص، وظهر من الباقين السكوت عنه، لم يحصل فيه إجماع لا من طريق القول ولا الفعل ولا الرضا، لأن السكوت لا يعلم بمجرده الرضا. وأما أنه حجة لأن التابعين ومن بعدهم أجمعوا على الاحتجاج به، والمنع من مخالفته كالمنع من إحداث قول ثالث إذا اختلفوا على قولين. انظر: المغني المجلد (17) قسم " الشرعيات " للقاضي عبد الجبار ص237، شرح العمد 1/251، المعتمد 2/67
(2)
أي: ابن أبي هريرة.
(3)
في ن: ((عايبته)) ، ولست أعلم لها وجهاً.
(4)
دعواه: أي دعوى الخصم.
(5)
ساقطة من س.
(6)
أي: أن حكم الحاكم.
(7)
أي: قبول حكم الحاكم، لأن حكمه يرفع الخلاف والنزاع.
(8)
في ن: ((الدعية)) وهو تحريف.