الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شرح اللفظ وبيان مسماه دون تخليص (1) الحقائق بعضها من بعض، [وبَسَطْتُهُ هنالك فَلْيُطالعْ ثَمَّة](2) .
هل توجد واسطة بين الصدق والكذب في الخبر
؟
وقال الجاحظ (3) : يجوز عُرُوُّة عن [الصدق والكذب] ، (4)(5)
والخلاف لفظي (6) .
الشرح
قال أهل السنة: لا واسطة بين الصدق والكذب، لأنه لا واسطة بين المطابقة وعدمها.
(1) في ن: ((تخصيص)) .
(2)
ما بين المعقوفين مثبت من م، ز. وفي ن، س:((وبَسْطُها هنالك فيطالع منه)) ، وفي ق:((فيطالع هنالك)) . قد بسط المصنف هذه المسألة في كتابه البديع " الفروق "(1/18) فليُطالعْ ثمّة.
(3)
هو عمرو بن بَحرْ بن محجوب، أبوعثمان الجاحِظ، من أهل البصرة، ومن شيوخ المعتزلة، وإليه تنسب فرقة "الجاحِظية". تتلمذ على النظَّام، وكان ذكياً سريع الخاطر والحفظ، قيل له "الجاحظ" لجحوظ عينيه أو نتوئهما، وهو مكثر من التآليف، منها: الحيوان (ط)، البيان والتبيين (ط) وغيرهما. توفي عام 255هـ. انظر: طبقات المعتزلة للقاضي عبد الجبار ص275، معجم الأدباء 16/74، وفيات الأعيان 3/470
(4)
في ق: ((التصديق والتكذيب)) .
(5)
انظر مذهب الجاحظ في المعتمد 2/75، بديع النظام لابن الساعاتي 2 / 321، أصول الفقه لابن مفلح 2 / 66، تحفة المسئول للرهوني القسم 2 / 543، تشنيف المسامع 2 / 932، وانظر رأي الراغب الأصفهاني في كتابه "مفردات القرآن" مادة "صدق" فإنه مِثْل رأي الجاحظ.
(6)
هذه مسألة: هل الخبر ينقسم إلى صدق وكذب فقط أم توجد واسطة بينهما؟ فيها مذهبان؛ الأول: الخبر ينقسم إلى صدق وكذب ولا واسطة بينهما. وهو للجمهور وعبر المصنف عنهم في شرحه بـ"أهل السنة". الثاني: للجاحظ؛ وهو توجد واسطة بينهما، كأنْ يكون الخبر مطابقاً للواقع مع عدم الاعتقاد أو عكسه مثلاً. فهذه الصورة عريّة عن الصدق والكذب. ثم وقع اختلاف بين العلماء في نوع هذا الخلاف، فقيل: لفظي - وهو ما اختاره المصنف وأكثر الأصوليين. بمعنى أن الخلاف راجع إلى تفسير الصدق والكذب، فمن فسّر الصدق: بمطابقة الواقع ـ سواء اعتقد أم لم يعتقد ـ لم يقلْ بالواسطة، ومن فسَّره بالمطابقة مع الاعتقاد جعل الواسطة. وقيل: الخلاف معنوي وله أثر في الفروع الفقهية، وذكر له مثالاً الإسنويُّ في التمهيد ص (445)، والزركشيُّ في البحر المحيط (6/84) . انظر: المعتمد 2/75، إحكام الفصول ص318، التمهيد لأبي الخطاب 3/11، المحصول للرازي 4/224، الإحكام للآمدي 2/10، منتهى السول والأمل ص66، رفع الحاجب لابن السبكي 2 / 294، تيسير التحرير 3/28، كتاب: الخلاف اللفظي عند الأصوليين د. عبد الكريم النملة 2/31.
وقالت المعتزلة: لفظ الكذب ليس موضوعاً لعدم المطابقة كيف كانت (1) ، بل لعدم المطابقة مع القصد لذلك (2) ، وبهذه الطريقة تثبت الواسطة، فإنه قد لا يكون مطابقاً ولا يقصد ذلك (3) ولا يعلم؛ فلا يكون صدقاً لعدم المطابقة ولا كذباً لعدم القصد [لعدم المطابقة](4) .
حجتنا (5) : قوله عليه السلام: "مَنْ كَذَب عليّ متعمِّداً فَلْيتَبَوأْ مَقْعَدَه من النَّار"(6) . فلما قيدَّه بالعَمْد دل (7) على تصوره بدون العمد، كما قال تعالى {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكم مُتَعَمِّداً} . (8)
وقال عليه السلام: "كفى بالرجل كذباً أنْ يُحدِّث بكلِّ ما سمع"(9) ، فجعله كاذباً إذا حدَّث بما سمع، وإن كان لا يعلم عدم مطابقته، فدل على أن القصد لعدم المطابقة ليس (10) شرطاً في تحقق (11) مسمَّى
الكذب.
حجة المعتزلة: قوله تعالى حكاية عن الكفار "أَفْتَرَى على اللهِ كذباً أمْ به
(1) في ق: ((كان)) .
(2)
في نسبة هذا القول للمعتزلة تجوُّزٌ، إذ المنقول في كتب الأصول أنه مذهب الجاحظ، وبعضها تذكر شيخه النظَّام. أما باقي المعتزلة، فقال أبوالحسين في المعتمد (2/76) : "وعند جماعة شيوخنا أن الخبر إما أن يكون صدقاً أو كذباً ـ ثم قال ـ ولقد أفسد قاضي القضاة قول أبي عثمان
…
". أي الجاحظ.
(3)
في ن: ((لذلك)) .
(4)
ما بين المعقوفين ساقط من ن.
(5)
في ن: ((حجتها)) ربما كان وجهه عود الضمير إلى طائفة أهل السنة.
(6)
رواه البخاري (110) ومسلم (3004) . بل هو متواتر. انظر: قطف الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة للسيوطي ص23، نظم المتناثر من الحديث المتواتر للكتَّاني ص35. ورد في بعض النسخ مثل نسخة ن، س، و "من كذب علي عامداً متعمداً
…
" وهي إحدى روايات الحديث، أخرجها أبونعيم الأصفهاني في حلية الأولياء 8/52.
(7)
هنا زيادة: ((ذلك)) في س.
(8)
المائدة، من الآية: 95
(9)
رواه مسلم (5) بلفظ ((كفى بالمرء
…
)) بدلاً من ((الرجل)) .
(10)
في ن، س ((ليست)) .
(11)
في ق، س ((تحقيق)) .
جِنَّةٌ " (1) فجعلوا (2) الجنون قَسِيْم (3) الكذب لعدم القصد فيه، مع أن خبره على التقديرين غير مطابق (4) فدل على اشتراط* القصد في حقيقة الكذب (5) .
وجوابهم: أنهم لم يقولوا كذب، بل افترى، والافتراء هو (6) ابتداء (7) الكذب واختراعه (8) ، فَهُمْ نوَّعوا (9) الكذب إلى اختراعٍ وجنونٍ، لا أنهم قسموا كلامه إلى كذبٍ وغيره، فيرجع الخلاف في ذلك إلى أن العرب هل وضعت لفظ (10) الكذب لغير المطابق كيف كان، [أو لعدم المطابقة مع القصد لذلك] (11) ؟ وهو معنى قولي:"والخلاف لفظي (12) ".
(1) سبأ، من الآية:8.
(2)
في ق ((فجعل)) . والضمير في ((جعلوا)) عائد إلى الكفار.
(3)
قَسِيْم الشيء: ما يكون مقابلاً للشيء ومندرجاً معه تحت شيء آخر، كالاسم قسيم للفعل، وكلاهما مندرجان (قِسْمان) تحت "الكلمة" التي هي أعم منهما. وقِسْم الشيء: ما يكون مندرجاً تحته وأخص منه، كالاسم أخص من الكلمة. انظر: التعريفات ص224.
(4)
انفردت النسخة ص بزيادة "عندهم" هنا، وهي زيادة لطيفة إذْ من شأنها أن تخصّ التكذيب بالرسالة بالكفار.
(5)
وجه الدلالة من طريق آخر: أن الكفار جعلوا إخباره صلى الله عليه وسلم عن نبوته إما كذباً وإما جنوناً. وإخباره عن نبوته حالة الجنون ليس كذباً، لأنه جُعل قسيماً للكذب، وقسيم الكذب لا يكون كذباً، وليس هو صدقاً أيضاً لأنهم لم يعتقدوا مطابقته على كلا التقديرين، فإخباره عن نبوته صلى الله عليه وسلم حالة الجنون ليس كذباً ولا صدقاً، وهو الواسطة. انظر: نهاية الوصول للهندي (7/2708) .
(6)
ساقطة من ق
(7)
شذَّت نسخة ز بلفظة "أشد" بدلاً من "ابتداء"، وهو شذوذ له وجه من اللغة كما ستراه في التعليق التالي.
(8)
افْتَرى: اختلق، كما قال تعالى: {أمْ يقولون افْتَراهُ
…
} [هود: 13] أي: اختلقه. وقال قوم مريم فيها كما حكى الله تعالى {لقد جئتِ شيئاً فرياً} [مريم: 27] أي: مصنوعاً مختلقاً. والفِرْية: الكِذْبة. انظر: لسان العرب مادة "فرا". لكن في كتاب "الفروق" لأبي هلال العسكري ص (51) فرَّق بين "اختلق" و"افترى" بأن "افترى": قَطَع على الكذب وأخبر به، و"اختلق": قدَّر كذباً وأخبر به. وقال السمين الحلبي في "عمدة الحفاط" مادة "فري"(3/225) : "الافتراء: أقبح الكذب، أو الكذب مع التعمد عند من يرى أن الكذب مخالفة ما في الواقع مطلقاً. وهناك توجيهات ومعانٍ أخرى للآية، منها؛ أن معنى الآية: افترى أم لم يَفْتَرِ فيكون مجنوناً، لأن الجنون لا افتراء له لعدم قصده. انظر: الكاشف عن المحصول للأصفهاني 5 / 582، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2/50، روح المعاني للألوسي 11/284 وفيه أجوبة حسنة.
(9)
في ق: ((قسموا)) .
(10)
ساقطة من ق
(11)
ما بين المعقوفين كُتب في ق هكذا ((أو لذلك مع عدم القصد له)) .
(12)
ساقطة من ن.