الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تخصيص في الخبر وهو مجمع عليه، إنما النزاع في النسخ وأين أحدهما من الآخر؟ وقد تقدَّمت الفروق بينهما (1) .
وأما قولهم: يوهم الخُلْف، فذلك (2) مدفوع بالبراهين الدالة على استحالة الخُلْف على الله تعالى والبَدَاء عليه، والبداء هو أحد الطرق التي استدلت به اليهود على استحالة النسخ (3)، ومعناه: أمر بشيءٍ ثم بدا له أن المصلحة في خلافه، وذلك إنما يتأتى في حق من تخفى عليه الخفيات، والله تعالى منزَّهٌ عن ذلك (4) .
وجوابهم: أن الله تعالى عالم بأن الفعل الفلاني مصلحةٌ في وقتِ كذا مفسدةٌ في وقت كذا، وأنه ينسخه إذا وصل إلى وقت المفسدة، فالكل معلوم في الأزَل (5) ، وما تَجَدَّدَ العلمُ بشيءٍ، [فما لزم من النسخ البداء، فيجوز](6) .
حكم نسخ الحكم المقيّد بالتأبيد
ص: ويجوز [نسخ ما](7) قال فيه: افعلوه (8) أبداً (9) خلافاً
(1) انظرها شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 230، وانظر: قواطع الأدلة 3 / 182، الإحكام للآمدي 3 / 113، مناهل العرفان للزرقاني 2 / 145.
(2)
في س: ((ذلك)) والصواب المثبت كما في: ن، ق؛ لوجوب اقتران جواب " أمَّا " الشرطية بالفاء.
انظر: مغني اللبيب لابن هشام 1 / 120، وانظر: القسم الدراسي ص 173.
(3)
مع أنَّه قد ورد في التوراة المحرَّفة نصوص تتضمن نسبة البداء إلى الله، تعالى عما يقولون. جاء في سفر التكوين، الإصحاح: 6 الفقرات: 5 - 7 ((ورأى الربُّ أن شر الإنسان قد كثر في الأرض، وأن كلَّ تصوِّر فكرِ قلبِهِ يتَّسم بالإثم، فملأ قلبَه الأسفُ والحزن لأنه خلق الإنسان. وقال الرب: أمحو الإنسان الذي خلقته عن وجه الأرض مع سائر الناس والحيوانات والزواحف وطيور السماء، لأني حزِنْتُ أني خلقته)) .
(4)
انظر: البحر المحيط للزركشي 5 / 206، ففيه شرح موسّع للبداء.
(5)
الأزَل: القِدم، ومنه قولهم: هذا شيء أزَليٌّ، أي قديم، وأصل الكلمة قولهم للقديم: لم يَزَلْ، ثم نسِب إلى هذا، فلم يستقمْ إلا بالاختصار، فقالوا: يَزَلِيٌّ، ثم أبدلت الياء ألفاً، لأنها أخف، فقالوا: أزَلِيٌّ، كما قالوا في الرُّمْح المنسوب إلى ذِيْ يَزَن: أزَنِيٌّ. انظر: لسان العرب مادة " أزل ".
(6)
ما بين المعقوفين في ق هكذا: ((فلم يلزم البداء من النسخ فجاز)) .
(7)
في ق: ((النسخ فيما)) .
(8)
في متن هـ، ق:((افعلوا)) .
(9)
الجواز هو مذهب الجمهور وبعض الحنفية. انظر: المعتمد 1 / 382، قواطع الأدلة 3 / 83، التمهيد لأبي الخطاب 2 / 348، نهاية الوصول للهندي 6 / 2304، كشف الأسرار للبخاري 3 / 316، التوضيح شرح التنقيح لحلولو ص 263، وقد حكى الآمدي في الإحكام (3 / 134) اتفاق الجمهور على ذلك.
لقومٍ (1) ؛
لأن صيغة " أبداً " بمنزلة العموم في الأزمان (2) ، والعموم قابل للتخصيص والنسخ (3) .
الشرح
احتجوا بأن (4) صيغة " أبداً " لو جاز أن لا يراد بها الدوام لم يبق لنا طريق إلى
(1) وفرّق ابن الحاجب بين قيد التأبيد في الفعل نحو: صوموا أبداً، وقيد التأبيد في الحكم (الخبر) نحو: الصوم واجب عليكم أبداً أو واجب مستمر، فأجاز النسخ في الأول، ومنعه في الثاني. انظر: منتهى السول والأمل ص 157، نشر البنود 1 / 290. وتبع الإسنويُّ وابنُ الهمام ابنَ الحاجب في التفريق. انظر: زوائد الأصول للإسنوي ص 309، التقرير والتحبير 3 / 71، وصرّح ابن السبكي والفتوحي بأن لا فرق بين العبارتين. انظر: جمع الجوامع بشرح المحلِّي وحاشية البناني 2 / 86، شرح الكوكب المنير 3 / 540.
(
) وهم بعض المتكلمين وعامة الحنفية منهم: الماتريدي، الجصاص، الدبوسي، البزدوي، السرخسي، ووجه عند الشافعية. انظر: التبصرة للشيرازي ص 255، أصول السرخسي 2 / 60، كشف الأسرار للبخاري 3 / 316، البحر المحيط للزركشي 5 / 217، فتح الغفار بشرح المنار لابن نجيم 2 / 131.
* هل للخلاف ثمرة؟ قيل: إن هذا الخلاف لا طائل تحته، لأنه لم يرد في الشرع نسخ عبادة مقيدة
بالتأبيد، وقال بعضهم: ثمرته تظهر في قلع شبهات اليهود لعنهم الله في ادعائهم تأبيد أحكامهم التوراتية. انظر: فواتح الرحموت 2 / 184.
(2)
الأبد: الدهر والدائم، والتأبيد: التخليد. انظر: لسان العرب مادة " أبد ".
والأصل في " الأبد " التعميم في الأزمان، ولكن يمكن إطلاق " الأبد " على فترة محدودة وتريد بها غير التعميم في جميع الأبد، ويكون هذا من باب المبالغة مجازاً. انظر: شرح التسهيل لابن مالك 2 / 205، همع الهوامع للسيوطي 2 / 109.
قال الكفوي: ((أبداً (منكراً) يكون للتأكيد في الزمان الآتي نفياً وإثباتاً، لا لدوامه واستمراره، يقال: لا أفعله أبداً)) . الكليات له ص (32) . وذكر ابن العربي: أن لفظة " الأبد " تحتمل لحظة واحدة، وتحتمل جميع الأبد، وفرّع عليه: أن الرجل لو قال لامرأته: ((أنت طالق أبداً)) ، وقال: نويت يوماً أو شهراً كانت له عليها الرجعة. انظر: أحكام القرآن له 3 / 116.
(3)
معنى هذا الدليل: أن لفظ التأبيد في تناوله لجميع الأزمان كلفظ العموم في تناوله لجميع الأعيان الداخلة تحته، ومعلوم أنه يجوز تخصيص العام فيُقْتصر على بعض أفراده بدليلٍ هو المخصِّص له، فيجوز كذلك قصر المؤبَّد على بعض الأزمان بدليلٍ هو الناسخ له. فلفظ " الأبد " ظاهرٌ في عموم الأزمنة لا نصٌّ فيها، وإرادة غير الظاهر بدليلٍ يدلُّ عليه أمرٌ لا غبار عليه. انظر بقية الأدلة في: المعتمد 1 / 371 وما بعدها، شرح اللمع للشيرازي 1 / 491، المحصول للرازي 3 / 328، الإحكام للآمدي 3 / 134، النسخ في دراسات الأصوليين د. نادية العمري ص 217 - 240.
(4)
هنا زيادة: ((من)) في س وهي مقحمةٌ خطأً.
الجزم بخلود أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار؛ [لأن ذلك كُلَّه](1) مستفادٌ من قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} (2) .
والجواب: [أن الجزم إنما حصل في الخلود ليس بمجرد لفظ " أبداً " بل
بتكرُّره] (3) تَكَرُّراً (4) أفاد القطع بسياقاته (5) وقرائنه (6) على ذلك (7) ، أما مجرد لفظة واحدة من " أبداً "(8)
فلا (9) توجب الجزم، والكلام في هذه المسألة إنما هو في مثل هذا (10) .
(1) في ق: ((لأنه)) .
(2)
هذه جزء من آيتين وردتا في خلود أهل الجنة وخلود أهل النار. أما خلود أهل الجنة - نسأل الله من
فضله - فقوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً} [النساء: 122] . وأما خلود أهل النار - نسأل الله السلامة - فقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً (168) إِلَاّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} [النساء: 168 - 169] .
(3)
في ن: ((بسياقته)) وهو تحريف.
(4)
في ق، ن:((تكراراً)) .
(5)
ما بين المعقوفين جاء في ق هكذا: ((أن الخلود إنما حصل بتكرر لفظ الأبد)) .
(6)
ساقطة في س، وفي ن:((وقرائنة دالةٍ)) .
(7)
تكرر لفظ ((أبداً)) في خلود أهل الجنة وأهل النار ما يربو على عشر مرات. انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم لمحمد فؤاد عبد الباقي لفظة " أبداً ".
(8)
في س: ((أبد)) .
ساقطة في س.
(9)
في س، ن:((لا)) بدون الفاء، والمثبت من ق هو الصواب لوجوب اقتران " أما " الشرطية بالفاء. انظر: مغني اللبيب لابن هشام 1 / 120.
(10)
انظر: رفع النقاب القسم 2 / 412.