الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حسناً استحال النهي عنه، أو قبيحاً استحال الإذن فيه، فالنسخ محال على التقديرين (1) .
وجوابهم: أنَّا نمنع قاعدة الحسن والقبح، أو نسلمها ونقول لِمَ لا يجوز أن يكون الفعل مفسدة في وقت مصلحة في وقت؟. وذلك معلوم بالعوائد، بل اليوم الواحد يكون الفعل فيه حسناً في أوله قبيحاً في آخره، كما نقول في الأكل والشرب ولبس* الفَرَاء (2) وشرب الماء البارد وغيره، يَحْسُن جميع ذلك ويَقْبُح باعتبار وقتين من الشتاء والصيف، والحَرِّ والبرد، والصوم والفطر، والشِّبَع والجوع، والصِّحَّة والسَّقَم (3) .
حجة منكري النسخ سمعاً
احتج منكروه سمعاً بوجهين:
أحدهما: أنَّ الله تعالى لما شرع لموسى عليه السلام شَرْعَه، فاللفظ الدالُّ عليه إما أن يدل على الدوام أو لا، فإن دلَّ (4) على الدوام، فإمَّا أن يَضُمَّ إليه ما يقتضي أنه سينسخه أو لا، فإن كان الأول (5) فهو باطل من وجهين:
الأول: أنه يكون متناقضاً، وهو عَبَثٌ ممنوع (6) .
الثاني: أن هذا اللفظ الدال على النسخ وَجَب أن يُنْقَل (7) متواتراً، إذ لو جوَّزْنا
(1) انظر: المحصول للرازي 3 / 298، كشف الأسرار للبخاري 3 / 304، نهاية السول للإسنوي 2 / 560، رفع النقاب القسم 2 / 388.
(2)
الفَرَاء: جمع فَرْو وفَرْوَةٍ. وهي جلود بعض الحيوان، كالدِّبَبَة والثعالب، تُدبغ ويُتَّخَذ منها ملابس للدِّفْء وللزينة. المعجم الوسيط مادة " فرا ".
(3)
انظر: بذل النظر للأسمندي ص 313، المحصول للرازي 3 / 302، الإحكام للآمدي 3 / 116، رفع النقاب القسم 2 / 388.
(4)
هنا زيادة ((يكون)) في ن، ولا معنى لها.
(5)
وهو: أن يضم إلى اللفظ الدال على دوام شرع موسى عليه السلام لفظاً يقتضي أنه سينسخه.
(6)
وجه التناقض: أن الدوام يقتضي بقاء الحكم، والنسخ يقتضي زواله، فيكون الحكم باقياً زائلاً.
(7)
في ن: ((ينتقل)) .
نَقْلَ الشرع غيرَ متواتر أو نَقْلَ صفته غير متواترة لم يحصل لنا علم بأن شرع الإسلام
غيرُ منسوخ، ولأن ذلك من الوقائع العظيمة التي يجب اشتهارها، فلا يكون نص
على النسخ وحينئذٍ لا يكون منسوخاً؛ لأن ذكر اللفظ الدال على الدوام [مع عدم الدوام](1) تلبيسٌ، ولأنه يؤدي إلى عدم الوثوق بدوام الشرع (2) ، وأما إن لم ينص على الدوام فهذا مطلق يكفي في العمل به مرة واحدة، وينقضي بذاته، فلا يحتاج للنسخ ويتعذَّر النسخ فيه (3) .
الوجه الثاني (4) : أنه ثبت بالتوراة قول موسى عليه السلام: تَمَسَّكُوا بالسبت أبداً، ما دامت السموات والأرض (5) ، وهو متواتر، والتواتر حُجَّة.
والجواب عن الأول: أن نقول: اتفق المسلمون على أن الله تعالى شَرَع لموسىعليه السلام شَرْعه بلفظ الدوام، واختلفوا هل ذكر معه ما يدلُّ على أنه سيصير منسوخاً؟
فقال أبو الحُسَين (6) : يجب ذلك في الجملة وإلا كان تلبيساً (7) .
وقال جماهير أصحابنا وجماهير المعتزلة: لا يجب ذلك (8) ، وقد تقدَّم البحث في ذلك في تأخير البيان عن وقت الخطاب (9) .
(1) ساقط من س، ن.
(2)
في ن، س:((الشرائع)) والمثبت أقرب؛ لأن الدوام لم يكتب لغير شرع الإسلام.
(3)
انظر: المحصول للرازي 3 / 298، نهاية الوصول للهندي 6 / 2264.
(4)
من احتجاج منكري النسخ سمعاً.
(5)
انظر: العهد القديم (التوراة) ، سفر الخروج، الإصحاح: 31 الفقرتان: 16 - 17.
(6)
في س: ((أبو الحسن)) وهو خطأ؛ لأن المراد به أبو الحسين البصري وهو: محمد بن علي بن الطيب البصري، أحد أئمة المعتزلة، كان مليح العبارة، قوي الحجة والعارضة، والدفاع عن آراء المعتزلة. من شيوخه: القاضي عبد الجبار، من تآليفه: المعتمد (ط)، تصفح الأدلة وغيرهما. ت 436 هـ. انظر: شرح العيون للحاكم الجشيمي ص 382، وفيات الأعيان 4 / 271.
(7)
انظر: المعتمد 1 / 371 - 372، وذكر الشيرازي هذا المذهب عن بعض الناس دون تسميتهم، انظر: التبصرة ص 257.
(8)
وهو مذهب أكثر الأصوليين، ومن المعتزلة: أبو علي الجبائي وابنه أبو هاشم والقاضي عبد الجبار.
انظر في ذلك: المعتمد 1 / 315، إحكام الفصول ص 303، المحصول للرازي 3 / 302، المسودة ص 178، كشف الأسرار للبخاري 3 / 218.
(9)
ذكر المصنف مسألة: تأخير البيان عن وقت الخطاب إلى وقت الحاجة في الفصل الخامس من الباب الثاني عشر ص (282) من المطبوع. وذكر فيها ثلاثة مذاهب: الجواز للجمهور، المنع لجمهور المعتزلة، التفصيل لأبي الحسين البصري. وانظر: نفائس الأصول 6 / 2436.