الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذه المسألة لا تظهر (1) لها ثمرة في الأصول ولا في الفروع ألبتَّة، بل تجري مجرى التواريخ المنقولة، ولا يترتَّب (2) عليها حكم في الشريعة ألبتة (3) ، وكذلك قاله (4) التَّبْريْزي (5)(6) .
مسألة تعبُّد النبي صلى الله عليه وسلم بشرع من قبله بعد نبوته
ص: وأما بعد نبوته صلى الله عليه وسلم: فمذهب مالكٍ رحمه الله وجمهور (7) أصحابه وأصحاب الشافعي وأصحاب (8) أبي حنيفة رحمة الله عليهم أجمعين أنه متعبَّد بشرع من قبله، وكذلك أمته، إلا ما خَصَّه (9) الدليل (10) .
ومنع [من ذلك](11) القاضي أبو بكر
(1) في ق، س:((يظهر)) . وهو جائزٌ أيضاً. انظر: هامش (12) ص (27) .
(2)
في ق: ((ولا يُبْنى)) .
(3)
ساقطة في س.
(4)
في ق: ((قال)) .
(5)
انظر كتابه: تنقيح محصول ابن الخطيب في أصول الفقه ص (320) تحقيق د. حمزة زهير حافظ (رسالة دكتوراة بجامعة أم القرى) .
ـ والتَّبْريْزي هو: المُظَفَّر بن أبي محمد بن إسماعيل الرَّارَاني - نسبة إلى رَارَان: قرية بأصبهان ـ التَّبْريْزي ـ نسبة إلى تَبْريْز: بلد في أذربيجان - فقيه شافعي، أصولي نظار زاهد، استوطن مصر مدة طويلة يفتي ويدرس فيها. من مؤلفاته: تنقيح محصول ابن الخطيب وهو اختصار محصول الرازي. حققه د. حمزة زهير حافظ. توفي عام 621هـ. انظر: طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 8/373، طبقات الشافعية للإسنوي 2 / 314.
(6)
المقصود من هذه الفائدة الدلالة على أن أفعاله صلى الله عليه وسلم قبل البعثة ليست موضعاً لاستنباط الأحكام الشرعية.
ولكن مما يستفاد منه مما كان قبل نبوته؛ عاداته الحسنة وأخلاقه الكريمة مما يظهر حسنه ولا يخالف شرعاً. انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام 18/10، الشرائع السابقة ومدى حجيتها في الشريعة الإسلامية
د. عبد الرحمن الدرويش ص251.
(7)
في ن: ((جميع)) وهو خطأ؛ لأن من المالكية من خالف جمهورهم كما سيأتي عن الباقلاني.
(8)
ساقطة من س، ن، متن هـ. ولكنها مثبتة في جميع نسخ الشرح ومعظم نسخ المتن.
(9)
في س: ((خصَّصه)) .
(10)
هذا القول الأول في المسألة وهو أيضاً إحدى الروايتين عن الإمام أحمد، انظر: العدة لأبي يعلى 3/753، وقال في المسودة ص (193) بأنها أصحّ الروايتين. وقال الجويني ((للشافعي ميل إلى هذا
…
وتابعه معظم أصحابه)) . البرهان (1 / 503) . وانظر: قواطع الأدلة 2 / 209. وقال مُلَاّ جِيُون الميهوي:
((
وهذا أصل كبير لأبي حنيفة رحمه الله، يتفرع عليه أكثر الأحكام الفقهية)) شرح نور الأنوار على المنار بحاشية كشف الأسرار للنسفي 2/170، وانظر: أصول السرخسي 2 / 99، تيسير التحرير 2/121. وقال ابن العربي:((ليس في مذهب مالك خلاف في أن شرع من قبلنا شرع لنا، وأول من يتفطن لهذا من فقهاء الأمصار مالك، وعليه عوَّل في كل مسألة)) القبس في شرح موطأ مالك بن أنس (2 / 788) ويلاحظ هنا أن قوله: وأول من يتفطن لهذا.. إلخ فيه مبالغة وهو غير دقيق. وانظر: المقدمة في الأصول لابن القصار ص149، إحكام الفصول 394، الضياء اللامع 3 / 141.
(11)
في س، متن هـ:((منه)) .
وغيره [من أصحابنا](1) . لنا قوله تعالى*: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} (2) ، وهو (3) عام لأنه اسم جنس (4) أضيف.
الشرح
شرائع من قبلنا ثلاثة أقسام (5) :
منها ما لا (6) يُعْلم إلا بقولهم، كما في لفظ ما بأيديهم (7) من التوراة أن الله تعالى حَرَّم لحم الجَدْي (8) بلبن أمه (9) يشيرون إلى
(1) ما بين المعقوفين ساقط من ق، س. وهذا القول الثاني في المسألة، وهو الرواية الأخرى عن الإمام أحمد، ومذهب طائفة من الحنفية والمالكية والشافعية، عليه أكثر المتكلمين وجمهور المعتزلة، وهو مذهب ابن حزم. انظر: المعتمد 2/337، الإحكام لابن حزم 2/153، إحكام الفصول ص394، التمهيد لأبي الخطاب 2/416، المحصول للرازي 3/265، كشف الأسرار للبخاري 3/398، الإبهاج 2/276.
أما القول الثالث في المسألة، فهو: التوقف. انظر: التلخيص للجويني 2/265، البحر المحيط للزركشي 8/45.
(2)
الأنعام، من الآية:90.
(3)
في ق: ((وهذا)) . والضمير في قوله ((وهو)) يرجع إلى لفظ: ((هُدَى)) في قوله تعالى: {فَبِهُدَاهُمُ} فهو يعمُّ جميع أنواع الهدى: الأصول والفروع. انظر: نفائس الأصول6/2377.
(4)
اسم الجنس: هو ما كان دالاً على حقيقةٍ موجودةٍ وذواتٍ كثيرة. شرح المُفَصَّل لابن يعيش 1/26. وهو نوعان، اسم جنس إفرادي: وهو ما دلَّ على الماهِيَّة لا بقَيْد قِلَّة ولا كثرة كماءٍ وترابٍ، واسم جنس جَمْعي: وهو ما دلّ على أكثر من اثنين. وفُرِق بينه وبين واحِدِهِ بالتاء غالباً، كتمر وكَلِم وبَقَر. انظر: حاشية الصبَّان على شرح الأشْمُوني على ألفية ابن مالك 1 / 38.
والمصنف ذكر في مبحث أدوات العموم أن اسم الجنس إذا أضيف فإنه يعمّ، لكن ليس على إطلاقه، بل فيه تفصيل. انظر: شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص181.
(5)
ساقطة من ن.
(6)
في ن: ((لم)) .
(7)
في س: ((في أيديهم)) .
(8)
الجَديْ: هو الذكَر من أولاد المعز، والأنثى: عَنَاق، وقيدَّه بعضهم بكونه في السنة الأولى. انظر: المصباح المنير مادة " جدي ".
(9)
جاء في العهد القديم (التوراة) . من سفر الخروج، الإصحاح (23) فقرة: 19، والإصحاح (34) فقرة: 26 ما نصُّه: ((ولا تَطْبُخْ جَدْياً بلبن أمِّه)) . وانظر: سفر التثنية الإصحاح (14) فقرة: 21.
المَضِيْرة (1)(2) .
ومنها (3) : ما علم بشرعنا وأمِرْنا نحن أيضاً به (4) وشُرع لنا، فهذا أيضاً لا خلاف في (5) أنه شرع لنا كقوله تعالى:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ش (6) مع قوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} (7) الآية (8) .
وثالثها: أن يدلّ شرعنا على أنَّ فِعْلاً كان مشروعاً لهم ولم يقل لنا شرع لكم أنتم أيضاً، فهذا هو محل الخلاف لا غير (9) .
(1) المَضِيرة: مُرَيْقة تُطبخ بلَبَنٍ وأشياء، وقيل: هي طبيخ يُتَّخذ من اللبن الماضر (الحامض) ، وهي عند العرب أنْ تطبخ اللحم باللبن البَحْت الصريح الذي قد حَذَى (قرَص) اللسان حتى يَنْضَج اللحمُ وتَخْثُر المَضِيْرة. لسان العرب مادة " مضر ".
(2)
حُكم هذا القسم: أنه ليس شرعاً لنا بلا خلاف. انظر: الإحكام لابن حزم 2 / 154.
والأخبار التي يحكيها أهل الكتاب ولم تَثْبت بطريق شرعي معتبر تُسمَّى: إسرائيليات. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((وهذا كالإسرائيليات يجوز أن يُروى منها ـ ما لم يُعلم أنه كذب ـ للترغيب والترهيب، فيما عُلِم أن الله تعالى أمر به في شرعنا ونهي عنه في شرعنا، فأما أن يَثْبُت شرعاً لنا بمجرد الإسرائيليات التي لم تثبت فهذا لا يقوله عالم
…
)) مجموع الفتاوى 1 / 251.
(3)
في س، ق:((ومنه)) . والمثبت أظهر؛ لعود الضمير على ((الأقسام)) .
(4)
ساقطة من س.
(5)
ساقطة من س، ق.
(6)
البقرة، من الآية:178.
(7)
المائدة، من الآية:45.
(8)
القَدْر الذي أمِرْنا به في شرعنا وثبت أنه كان شرعاً لهم هو القِصاص في النفس، أما القِصاص فيما دون النفس والسّن والجروح فهو مما ثبت أنه شرع لهم ولم يرد في شرعنا أنه شَرْعٌ لنا، فيُلحق حينئذٍ بمحلِّ النزاع، ولهذا قال المصنف نفسه في كتابه نفائس الأصول (6/2374) :((وآية السِّن استدلالٌ بشرع من قبلنا وهو مختلف فيه)) . إلا أن يقال بأن القصاص فيما دون النفس جاء في آيات أخرى كقوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُم} [البقرة: 194] . وقوله تعالى: {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا
…
} [الشورى:40] ، فيكون من القسم الذي لا نزاع فيه، لأنه عُلم من شرعنا أنه شرع لهم وأمرنا به في شرعنا. ومن الأمثلة الظاهرة على هذا القسم قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183] .
(9)
قال المصنف: ((فلموطن الخلاف شرطان: ثبوته في شرعنا، وعدم ورود شرعنا باقتضائه منّا. فمتى انخرم أحد الشرطين انتفى الخلاف إجماعاً، على النفي أو على الثبوت)) . نفائس الأصول 6 / 2372. وانظر: اقتضاء الصراط المستقيم لشيخ الإسلام ابن تيمية 1 / 464.
كقوله تعالى حكايةً عن المنادي (1) الذي بعثه يوسف عليه السلام: {وَلِمَن جَاء بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ} (2) فيستدل به على جواز الضمان (3) ،
وكذلك قوله تعالى حكايةً عن شُعَيْب (4) وموسى عليهما السلام: {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ} (5) الآية يستدل بها على جواز الإجارة (6) ، بناءً على أن شرع من قبلنا شرع لنا أم لا؟.
أما ما لا يثبت إلا بأقوالهم فلا يكون حجة لعدم صحة السند وانقطاعه. ورواية الكفار لو وقعتْ (7) لم تقبل، فكيف وليس في (8) أهل الكتاب مَنْ يروي التوراة فضْلاً عن غيرها؟!. وما لا رواية فيه كيف يخطر بالبال أنه حجة؟!
(1) لم تذكر كتب التفسير ولا كتب مبهمات القرآن ـ فيما اطلعت عليه ـ اسم المنادى، وهو المؤذِّن في قوله تعالى: {
…
ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} [يوسف: 70] . لكنَّه فتى من فتيان الملكِ عزيز مصر. انظر: فتح القدير للشوكاني 3/44.
(2)
يوسف، من الآية:72. والزعيم: الكفيل. انظر: مفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهاني مادة " زعم ".
(3)
الضمان لغة: الالتزام. المصباح المنير، مادة " ضمن ". اصطلاحاً: عرّفه ابن عرفة بأنه ((التزام دَيْنٍ لا يُسْقِطُه أو طَلَبِ مَنْ هو عليه لمن هو له)) حدود ابن عرفة بشرحه للرصَّاع 2 / 427. وقد أشار المصنف إلى الاستدلال بالآية على مشروعية الضمان في كتابه: الذخيرة 9 / 189.
وهذه الآية {وَلِمَن جَاء بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] يستدلُّ بها أيضاً على مشروعية الجعالة. ذكر ذلك القرافي في الذخيرة (6/5) ويستدل بها أيضاً على صحة ضمان المجهول. انظر: أحكام القرآن لابن العربي 3/64، المغني لابن قدامة 7 / 73.
(4)
ذكر ابن كثير أن المفسرين اختلفوا في رَجُل مَدْين على أقوال منها: أنه شعيب النبي عليه السلام وهو القول المشهور عند كثيرين، ومنها: أنه ابن أخي شعيب عليه السلام، وقيل: رجل مؤمن من قوم شعيب عليه السلام، ثم رَدَّ القول بأنه شعيب عليه السلام، وكذلك رَدَّ هذا القول الشيخ عبد الرحمن السعدي بحجج وبراهين قوية. قال ابن جرير الطبري: ((وهذا مما لا يُدرك علمه إلا بخبرٍ، ولا خبر بذلك تجب حجته، فلا قول في ذلك أولى بالصواب مما قاله الله جلَّ ثناؤه
…
)) جامع البيان مجلد 11 / جزء 20/77. وانظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير 6/238، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنَّان للسعدي 4 / 16.
(5)
القصص، من الآية:27.
(6)
الإجارة لغة: الكِراء على العمل. معجم المقاييس في اللغة لابن فارس مادة " أجر ". واصطلاحاً: عَقْد مُعاوَضَة على تمليك منفعة بعِوَضٍ بما يدلُّ على تمليك المنفعة من لفظٍ أو غيره. الشرح الصغير على أقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك للدردير 4 / 6.
واستدلَّ المصنف بآية [القصص: 27] على أصل مشروعية الإجارة. انظر: الذخيرة 5/371. واستخرج ابن العربي ثلاثين مسألة من هذه الأية، واستنبط منها أحكاماً كثيرة. راجع: أحكام القرآن 3 / 494.
(7)
هنا زيادة ((رواية)) في س، وفي ن زيادة ((الرواية)) . كلتاهما لا حاجة لهما.
(8)
في ق: ((من)) .
وبهذا يظهر لك بطلان قول (1) من استدل في هذه المسألة بقضية (2) رجم اليهوديَيْن (3) ، وأن (4) رسول الله اعتمد على أخبار ابن صُوْريا (5) أن فيها الرجم، ووجد فيها كما قال (6) ،
فان من أسلم من اليهود لم يكن له رواية في التوراة، وإنما كانوا يُعْمِلون فيها ما رأوه (7) ، أما أنَّ (8) لهم سنداً متصلاً (9) بموسى عليه السلام كما فعله (10) المسلمون في كتب الحديث فلا، وهذا معلوم بالضرورة لمن اطَّلع على أحوال القوم
(1) ساقطة من جميع النسخ، والمثبت من نسخة ش. وهو الأنسب لتوجّه البطلان إلى القول.
(2)
في ق: ((بقصة)) .
(3)
ورد من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: إن اليهود جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكروا له أن رجلاً منهم وامرأة زنيا. فقال لهم رسول الله:» ما تجدون في التوراة في شأن الرَّجم؟ «فقالوا: نفضحهم ويُجْلدون. قال عبد الله بن سَلام: ارفع يديك، فرفع يده، فإذا فيها آية الرجم، قالوا: صدق يا محمد فيها آية الرجم، فأمر بهما رسول الله فرُجِمَا. رواه البخاري (6841) ، مسلم (1699) .
(4)
في س: ((أن)) بدون الواو.
(5)
هو عبد الله بن صُوْريَا، ويقال: ابن صُوْر الإسرائيلي. وكان من أحْبار اليهود، يقال: إنه أسلم، كما قيل في قوله تعالى:{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِه} [البقرة: 121]، أنها نزلت فيه وفي عبد الله ابن سَلام وغيرهما. وقيل: إنه ارتَدَّ ونزل فيه قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْر} [المائدة: 41] فالله أعلم. انظر الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر 4/115.
(6)
يدلُّ على ذلك حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: مَرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بيهوديٍّ مُحَمَّمَاً (مسوّد الوجه من الحُممة) مجلوداً فدعاهم صلى الله عليه وسلم فقال:» هكذا تجدون حَدَّ الزاني في كتابكم؟ «قالوا: نعم. فدعا رجلاً من علمائهم (وهو عبد الله بن صوريا) فقال: ((أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى، أهكذا تجدون حدَّ الزاني في كتابكم؟)) قال: لا، ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك، نجده الرجم
…
الحديث. رواه مسلم (1700) ..قال النووي رحمه الله: ((قال العلماء: هذا السؤال ليس لتقليدهم، ولا لمعرفة الحكم منها، وإنما هو لإلزامهم بما يعتقدونه في كتابهم. ولعلّه صلى الله عليه وسلم قد أوحي إليه أن الرجم في التوراة الموجودة في أيديهم لم يغيروه كما غيّروا أشياء، أو أنه أخبره بذلك من أسلم منهم، ولهذا لم يَخْفَ ذلك عليه حين كتموه..)) شرح صحيح مسلم 11 / 174. وانظر: فتح الباري لابن حجر 12 / 205.
(7)
في ن: ((رواه)) وهو تصحيف.
(8)
هنا زيادة ((يكون)) في ن، وهي مُقْحمة، بدليل بقاء ما بعدها " سنداً متصلاً " في حالة الانتصاب.
(9)
المتصل لغة: اسم فاعل من اتَّصَل، ضِدّ انقطع. انظر مادة " وصل " في: القاموس المحيط. واصطلاحاً: ما اتصل إسناده مرفوعاً كان أو موقوفاً على من كان. ويسمَّى أيضاً: الموصول. انظر: تدريب الراوي للسيوطي 1/201، تيسير مصطلح الحديث د. محمود الطحان ص136.
(10)
في ق: ((فعل)) .
وكاشفهم وعرف ما هم عليه، بل رسول الله يجب أنْ يُعْتقد أنه إنما اعتمد في رجم اليهوديين على وَحْي جاءه (1) من قبل الله تعالى، أما غير ذلك فلا يجوز (2) ، ولا يُقْدِم رسول الله صلى الله عليه وسلم على دماء الخلق بغير مستندٍ صحيحٍ، فالاستدلال في هذه المسألة بهذه القضية (3) لا يصحُّ (4) ، بل لا يندرج في هذه المسألة إلا ما عُلِم أنه من شرعهم بكتابنا ومن قِبَل نبينا فقط.
حجة المثبتين من (5) وجوه:
أحدها: ما تقدّم من الآية (6) .
وثانيها: قوله تعالى: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} (7)[و" ما " عامة في جملة ما وصى به نوحاً ووصى به إبراهيم وموسى* وعيسى](8) .
وثالثها: قوله تعالى: {مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} (9) . تقديره: اتبعوا ملة أبيكم (10) إبراهيم (11)(12) .
(1) في ن: ((جاء)) .
(2)
انظر كلاماً قوياً في المسألة لابن حزم في: الإحكام 2 / 172، 154.
(3)
في ق: ((القصة)) .
(4)
ومع هذا فقد وُجد في كتب الأصول من يستدّل بحديث رجم النبي صلى الله عليه وسلم لليهوديين على أن شرع من قبلنا شرع لنا، فعلى سبيل المثال انظر: كتاب في أصول الفقه للَاّمشي الحنفي ص158، روضة الناظر لابن قدامة 2/522
(5)
ساقطة من ن.
(6)
راجع ص 32 وهي قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 90] .
(7)
الشورى، من الآية:13.
(8)
ما بين المعقوفين ساقط من ق.
(9)
سورة الحج، من الآية: 87 {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا} .
(10)
ساقطة من ن.
(11)
ساقطة من ق.
(12)
هذا أحد الأوجه الإعرابية الخمسة؛ وهو إعراب " ملة " مفعولاً به لفعلٍ مقدَّر، وهو أقواها، ويشهد له قوله تعالى:{فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [آل عمران: 95] . انظر بقية الأوجه في: الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين للدقائق الخفية للجَمَل 5 / 222.
ويَردُ على الكل أن المقصود قواعد العقائد لا جزئيات الفروع؛ لأنها هي التي وقع الاشتراك فيها بين الأنبياء كلهم، وكذلك* القواعد الكلية من الفروع (1) . أما جزئيات المسائل فلا اشتراك فيها (2) ، بل هي مختلفة في الشرائع (3) .
حجة النافين (4) من وجوه:
أحدها: أنه (5) لو كان صلى الله عليه وسلم متعبَّداً بشرع من قبله لوجب عليه مراجعة تلك الكتب، ولا يتوقف إلى نزول الوحي، لكنه لم (6) يفعل ذلك لوجهين، أحدهما: أنه لو فعله لاشْتَهر. والثاني: أن عمر رضي الله عنه طالع ورقة من التوراة فغضب (7)، وقال:((لو كان موسى حيّاً ما وسعه إلا اتباعي)) (8) .
وثانيها: أنه صلى الله عليه وسلم لو كان متعبَّداً [بشرع من قبله](9) لوجب على علماء الأمصار والأعصار أن يفعلوا ذلك ويراجعوا شرع من قبلهم، ليعلموا ما فيه، وليس كذلك.
(1) مثل: وجوب الصلاة والزكاة والصوم، وتحريم الفواحش والقتل والسرقة.. ونحو ذلك.
(2)
هنا زيادة ((بين الأنبياء كلهم)) في ن، وهي تكرار يمكن الاستغناء عنها.
(3)
لمزيد معرفة أدلة المثبتين ومناقشتها: انظر: المعتمد 2/337، إحكام الفصول ص394، التلخيص للجويني 2/266، أصول السرخسي 2/99، التمهيد لأبي الخطاب 2/417، بذل النظر ص 682، الإحكام للآمدي 4/140، شرح مختصر الروضة للطوفي 3/170، موقع شرع من قبلنا من الأدلة د. عبد الله بن عمر الشنقيطي.
(4)
في س: ((الباقين)) وهو تصحيف.
(5)
ساقطة من ن.
(6)
ساقطة من ن.
(7)
أي رسول الله صلى الله عليه وسلم
(8)
رواه الإمام أحمد في مسنده 3/338، 278 من حديث عبد الله بن جابر رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب فقرأه النبي صلى الله عليه وسلم فغضب، فقال:» أمتهوّكون فيها يا ابن الخطاب؟! والذي نفسي بيده؛ لقد جئتكم بها نقيةً، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذِّبوا به، أو بباطل فتصدِّقوا به، والذي نفسي بيده، لو أن موسى عليه السلام حيّاً ما وسعه إلا أن يتَّبعني «متهوّكون: متحيِّرون وَزْناً ومعنى. الفتح الرباني لأحمد بن عبد الرحمن البنا 1/174. والحديث رواه الدارمي في سننه
(1/126) ، والبغوي في شرح السنة (1/270) وحسَّنه شعيب الأرناؤوط. وحسَّنه الألباني وذكر له شواهد عِدَّة، راجع: إرواء الغليل 6/34 الحديث رقم (1589) .
(9)
ساقط من س، ن، ق. وهي مثبتة في ص، هـ، و.
وثالثها: أنه صلى الله عليه وسلم صَوَّب مُعاذاً في حكمه باجتهاد نفسه إذا عَدِم الحُكْمَ في الكتاب والسنة (1) ،
وذلك يقتضي أنه لا يلزمه (2) اتباع الشرائع المتقدمة.
والجواب عن الأول: أنه قد تَقَدَّم (3) أن شرع من قبلنا إنما يلزمنا إذا علمناه (4)
(1) حديث معاذ رضي الله عنه: أن رسول الله لما أراد أن يبعثه إلى اليمن قال:» كيف تقضي إذا عرض لك
قضاء؟ «قال: أقضي بكتاب الله. قال:» فإن لم تجد في كتاب الله؟ «قال: فبسنَّة رسول الله. قال:» فإن لم تجد في سنة رسول الله ولا في كتاب الله؟ «قال: أجتهد رأيي ولا آلو. فضرب رسول الله صدره فقال:» الحمد لله الذي وفق رسولَ رسولِ الله لما يرضي رسولَ الله «.
رواه الإمام أحمد 5/230، 236، 242، وأبوداود (3592، 3593) ، والترمذي (1327) ، والدارمي 1/72 وغيرهم. واختلف العلماء في تصحيحه وتضعيفه، وطال الكلام فيه.
?
…
فممن ضَعَّفه: البخاري في التاريخ الكبير (2/277) ، والترمذي في سننه (1327) ، وابن الجوزي في العلل المتناهية (2/758)، والجوزقاني في: الأباطيل والمناكير (1/106) وقال: ((هذا حديث باطل
…
، واعلم أنني تصفَّحتُ عن هذا الحديث في المسانيد الكبار والصغار، وسألتُ من لقيته من أهل العلم بالنقل عنه، فلم أجد له طريقاً غير هذا،
…
. وبمثل هذا الإسناد لا يعتمد عليه في أصلٍ من أصول الشريعة، فإن قيل لك: إن الفقهاء قاطبةً أوردوه في كتبهم واعتمدوا عليه؟ فقل: هذا طريقه، والخَلَف قلّد فيه السلف، فإن أظهروا غير هذا مما ثبت عند أهل النقل رجعنا إلى قولهم، وهذا مما لا يمكنهم ألبتة)) . وممن ضعفَّه ابن حزم في الإحكام (2/428، 211)، وابن الملقّن في خلاصة البدر المنير (2/424) وممن ضعفه أيضاً: العُقيلي، والدارقطني، وابن طاهر، وعبد الحق الإشبيلي، والسبكي، انظر: سلسلة الأحاديث الضعيفة (2/286) رقم الحديث (881) للألباني، وصحح الألباني معنى الحديث فيما يتعلق بالاجتهاد عند فقدان النص، لكنه أنكر صحة المعنى في التفريق بين الكتاب والسنة، فالواجب ـ عنده ـ النظر في السنة وإن وُجد الحكم في الكتاب لأنها مبّينة له.
?
…
وممن صَحَّح الحديث: الذين ذكرهم ابن حجر في قوله: ((وقد أطلق صِحَّته جماعة من الفقهاء كالباقلاني، وأبي الطيب الطبري، وإمام الحرمين، لشهرته وتلقي العلماء له بالقبول. وله شاهدٌ صحيح الإسناد، لكنه موقوف)) موافقة الخُبْر الخَبَرَ في تخريج أحاديث المختصر (1/119) . وصححه العظيم أبادي في عون المعبود (9/369)، وشيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (11/364) وقال:((وهذا الحديث في المسانيد والسنن بإسناد جيد)) ، وكذا قال ابن كثير في مقدمة تفسيره (1/13)، وحسَّنه الذهبي في تلخيص العلل المتناهية ص (269) وقال:((وهذا حديث حسن الإسناد، ومعناه صحيح)) وقال في سير أعلام النبلاء (18/472)((فإسناده صالح)) وقال الشوكاني: ((وهو حديث مشهور، له طرق متعددة، ينتهض مجموعها للحُجِّية، كما أوضحنا ذلك في مجموعٍ مستقلٍّ)) إرشاد الفحول (2/322) فالحديث صالحٌ للاحتجاج به وإن كان في إسناده ضَعْفٌ وجهالةٌ؛ لكنه يعتضد بقبول العلماء له، والآثار الصحيحة الموقوفة على الصحابة رضي الله عنهم. والله أعلم.
(2)
في ق: ((يلزم)) .
(3)
انظر: ص 33 - 34.
(4)
في ن: ((علمنا)) .