المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مسألة تعبد النبي صلى الله عليه وسلم بشرع من قبله قبل نبوته - جزء من شرح تنقيح الفصول في علم الأصول - رسالة ماجستير - جـ ٢

[القرافي]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الثالث عشرفي فِعْله صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل الأولفي دلالة فعله صلى الله عليه وسلم

- ‌أدلة القائلين بوجوب اتباعه صلى الله عليه وسلم إن لم يكن فعله بياناً وفيه قُرْبة

- ‌دليل القائلين باستحباب اتباعه صلى الله عليه وسلم، إن لم يكن فعله بياناً وفيه قُرْبة

- ‌حجة القائلين بأن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم التي لا قُرْبة فيها أنها على الإباحة

- ‌حجة القائلين بأن أفعاله صلى الله عليه وسلم فيما لا قُرْبة فيها على الندب

- ‌إقرار النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل الثانيفي اتباعِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌طرق معرفة صفات أفعاله صلى الله عليه وسلم

- ‌حجة ابن خلَاّد

- ‌سؤال:

- ‌تعارض فعله صلى الله عليه وسلم مع قوله، وتعارض الفعلين

- ‌مسألة تقدُّم القول وتأخُّر الفعل

- ‌مسألة تقدُّم الفعل وتأخُّر القول

- ‌مسألة تعقُّب الفعلِ القولَ

- ‌مسألة تعارض الفعلين

- ‌فائدة:

- ‌سؤال:

- ‌فائدة:

- ‌فائدة:

- ‌فائدة:

- ‌الفصل الثالثفي تأسِّيه صلى الله عليه وسلم

- ‌مسألة تعبُّد النبي صلى الله عليه وسلم بشرع من قبله قبل نبوته

- ‌حجة النّافين لتعبُّده صلى الله عليه وسلم بشرع مَنْ قبله قبل نبوته

- ‌حجة المثبتين لتعبده صلى الله عليه وسلم بشرع من قبله قبل نبوته

- ‌فائدة:

- ‌فائدة:

- ‌مسألة تعبُّد النبي صلى الله عليه وسلم بشرع من قبله بعد نبوته

- ‌فائدة

- ‌الباب الرابع عشرفي النسخ

- ‌الفصل الأولفي حقيقته

- ‌الفصل الثانيفي حكمه

- ‌الحجة العقلية للشمعونية من اليهود المنكرين للنسخ عقلاً وسمعاً

- ‌حجة منكري النسخ سمعاً

- ‌أمثلة من التوراة على أن لفظ " الأبد " لا يراد به الدوام

- ‌وقوع النسخ في القرآن

- ‌حكم نسخ الشيء قبل وقوعه

- ‌حكم النسخ لا إلى بدل

- ‌حكم النسخ بالأثقل

- ‌أنواع النسخ في القرآن وأحكامها

- ‌حكم النسخ في الأخبار

- ‌حكم نسخ الحكم المقيّد بالتأبيد

- ‌الفصل الثالثفي الناسخ والمنسوخ

- ‌حكم نسخ الكتاب بالآحاد

- ‌حكم نسخ السنة بالكتاب

- ‌حكم نسخ الكتاب بالسنة المتواترة

- ‌حكم نسخ الإجماع والنسخ به

- ‌حكم نسخ الفحوى والنسخ به

- ‌حكم نسخ القياس والنسخ به

- ‌حكم النسخ بالعقل

- ‌حكم الزيادة على النص

- ‌حكم الزيادة غير المستقلة على النص

- ‌حكم النقص من النص

- ‌الفصل الخامسفيما يُعْرف به النسخ

- ‌الباب الخامس عشرفي الإجماع

- ‌الفصل الأولفي حقيقته

- ‌حكم إجماع الأمم السالفة

- ‌فائدة:

- ‌الفصل الثانيفي حكمه

- ‌حكم إحداث قولٍ ثالثٍ إذا أجمعت الأمة على قولين

- ‌حكم الفَصْل فيما أجمعوا على الجَمْع فيه

- ‌حكم الإجماع على أحد القولين بعد الاتفاق على القول بهما

- ‌مسألة: اشتراط انقراض عصر المجمعين

- ‌حجية الإجماع السكوتي

- ‌إذا قال بعض المجتهدين قولاً ولم ينتشر ولم يعلم له مخالف، هل يكون إجماعاً سكوتياً

- ‌حكم الاستدلال بدليل أو تأويل لم يتعرض أهل العصر الأول لهما في إجماعهم

- ‌حكم إجماع أهل المدينة

- ‌حكم إجماع أهل الكوفة

- ‌حكم إجماع العِتْرة

- ‌حكم إجماع الخلفاء الراشدين

- ‌حكم إجماع الصحابة مع مخالفة التابعي

- ‌هل يعتبر أهل البدع من أهل الإجماع

- ‌هل ينعقد الإجماع بالأكثر مع مخالفة الأقل

- ‌تقدُّم الإجماع على الكتاب والسنة والقياس

- ‌حكم المخالف أو المنكر للإجماع القطعي

- ‌سؤال:

- ‌الدلالة على قطعية الإجماع

- ‌الفصل الثالثفي مُسْتَنَدِه

- ‌حجة الجواز بالأمارة:

- ‌الفصل الرابعفي المجمعين

- ‌هل يعتبر العوام من أهل الإجماع

- ‌المعتبر في الإجماع بحسب المجتهدين في كل فنٍ

- ‌حكم اشتراط التواتر في المجمعين

- ‌حكم إجماع غير الصحابة

- ‌الكلام في اشتراط التواتر في المجمعين

- ‌العبرة في الإجماع بأهل كلِّ فنٍّ

- ‌الفصل الخامسفي المُجْمَع عليه

- ‌الإجماع في العقليات

- ‌الإجماع في الدنيويات

- ‌حكم اشتراك الأمة في الجهل بشيءٍ ما

- ‌الكلام على الإجماع في العقليات

- ‌الإجماع في الحروب والآراء

- ‌الكلام في اشتراك الأمة في الجهل بشيءٍ ما

- ‌تنبيه

- ‌الباب السادس عشرفي الخبر

- ‌الفصل الأولفي حقيقته

- ‌شروع في شرح القيد " لذاته " المذكور في تعريف الخبر

- ‌سؤال:

- ‌هل توجد واسطة بين الصدق والكذب في الخبر

- ‌هل يشترط في الخبر إرادة الإخبار

- ‌الفصل الثانيفي التواتر

- ‌إفادة المتواترِ العلمَ والقَطعَ

- ‌إفادة المتواتر العلم الضروري

- ‌{اشتراط العدد في التواتر}

- ‌انقسام التواتر إلى: لفظيّ ومعنويّ

- ‌شرط المتواتر

- ‌الفصل الثالثفي الطرق المُحصِّلة للعلم غير التواتر

- ‌الفصل الرابعفي الدالِّ على كذب الخبر

- ‌الفصل الخامسفي خبر الواحد

- ‌شروط قبول خبر الآحاد المتعلِّقة بالراوي

- ‌حكم رواية الصبي

- ‌حكم رواية الكافر

- ‌حكم رواية المبتدع

- ‌اشتراط العدالة في الراوي

- ‌تعريف الصحابي وعدالته

- ‌تعريف العدالة

- ‌فائدة

- ‌حكم رواية الفاسق

- ‌حكم رواية المجهول:

- ‌طرق معرفة العدالة

- ‌إبداء أسباب الجرح والتعديل:

- ‌حجة اشتراط العدد في الجميع:

- ‌تعارض الجرح والتعديل

- ‌الفصل السادسفي مستند الراوي

- ‌الفصل السابعفي عدده

- ‌هل يشترط في الراوي الفقه

- ‌أمور لا تقدح في الراوي:

- ‌هل العبرة في الراوي بما رأى أم بما روى

- ‌حكم قبول الخبر في مسائل الاعتقاد

- ‌حكم الخبر فيما تعمُّ به البلوى

- ‌الفصل التاسعفي كيفية الرواية

- ‌مراتب رواية الصحابي

- ‌مراتب رواية غير الصحابي

- ‌الفصل العاشرفي مسائل شتى

- ‌حجية الحديث المرسل

- ‌المراسيل التي يقبلها الشافعي

- ‌سؤال:

- ‌حكم رواية الحديث بالمعنى

- ‌حكم زيادة الثقة

- ‌الباب السابع عشرفي القياس

- ‌الفصل الأولفي حقيقته

- ‌حقيقة القياس اللغوية

- ‌الفصل الثانيفى حكمه

- ‌أدلة المثبتين لحجية القياس

- ‌أدلة النافين لحجية القياس

- ‌القياس القطعي والظني والقياس في الدنيويات

- ‌تعارض القياس مع خبر الواحد

- ‌تنقيح المناط وتخريجه وتحقيقه

- ‌الفصل الثالثفي الدال على العلة

- ‌المسلك الأول: النص

- ‌المسلك الثاني: الإيماء

- ‌المسلك الثالث: المناسب

- ‌الكليات الخمس:

- ‌تقسيم المناسب

- ‌المسلك الرابع: الشبه

- ‌مثال الشبه عند القاضي:

- ‌المسلك الخامس: الدوران

- ‌حجة المنع:

- ‌المسلك السادس: السَّبْر والتقسيم

- ‌السبر معناه في اللغة:

- ‌المسلك السابع: الطرد

- ‌المسلك الثامن: تنقيح المناط

- ‌الفصل الرابعفي الدال على عدم اعتبار العلة

- ‌القادح الأول: النّقض

- ‌القادح الثاني: عدم التأثير

- ‌القادح الثالث: القَلْب

- ‌القادح الرابع: القول بالمُوجب

- ‌القادح الخامس: الفرق

- ‌الفصل الخامسفي تعدد العلل

- ‌الفصل السادسفي أنواعها

- ‌حكم التعليل بالمحل

- ‌حكم التعليل بالحكمة

- ‌حكم التعليل بالعدم

- ‌حكم التعليل بالإضافات

- ‌حكم التعليل بالحكم الشرعي

- ‌حكم التعليل بالأوصاف العُرْفيَّة

- ‌حكم التعليل بالعلة المركبة

- ‌حكم التعليل بالعلَّة القاصرة

- ‌حكم التعليل بالاسم وبالأوصاف المقدَّرة

- ‌حكم التعليل بالمانع

- ‌الفصل السابعفيما يدخله القياس

- ‌القياس في العقليات

- ‌القياس في اللغات

- ‌القياس في الأسباب

- ‌حكم القياس في العدم الأصلي

- ‌حكم إثبات أصول العبادات بالقياس

- ‌القياس في المقدرات والحدود والكفارات

- ‌القياس في الرخص

- ‌القياس في العاديات ونحوها

- ‌الفصل الأولهل يجوز تساوي الأمارتين

- ‌تعدد أقوال المجتهد في المسألة الواحدة

- ‌الفصل الثانيفي الترجيح

- ‌الترجيح في العقليات

- ‌الترجيح بكثرة الأدلة:

- ‌العمل عند تعارض الدليلين

- ‌الفصل الثالثفي ترجيحات الأخبار

- ‌ترجيح الأخبار في الإسناد

- ‌ترجيح الأخبار في المتن

- ‌الفصل الرابعفي ترجيح الأقيسة

- ‌الفصل الخامسفي ترجيح طرق العلة

- ‌الباب التاسع عشرفي الاجتهاد

- ‌تعريف الاجتهاد

- ‌الفصل الأولفي النظر

- ‌الفصل الثانيفي حكمه

- ‌الصور المستثناة من تحريم التقليد:

- ‌التقليد في أصول الدين:

- ‌التقليد في الفروع

- ‌فروع ثلاثة:

- ‌الفرع الأول:

- ‌الفرع الثاني:

- ‌الفرع الثالث:

- ‌الفصل الرابعفي زمانه

- ‌الفصل الخامسفي شرائطه

- ‌تجزُّؤ الاجتهاد:

- ‌الفصل السادسفي التصويب

- ‌الفصل السابعفي نقض الاجتهاد

- ‌الفصل الثامنفي الاستفتاء

- ‌التقليد في أصول الدين:

- ‌الباب العشرونفي جميع أدلة المجتهدين وتصرفات المكلفين

- ‌الفصل الأولفي الأدلة

- ‌قول الصحابي

- ‌المصلحة المرسلة

- ‌الاستصحاب

- ‌البراءة الأصلية

- ‌العُرْف والعادة

- ‌الاستقراء

- ‌سد الذرائع

- ‌علاقة الوسائل بالمقاصد

- ‌قاعدة

- ‌تنبيه:

- ‌عذر العالم في مخالفة الدليل

- ‌القاعدة الأولى: في الملازمات

- ‌الاستحسان

- ‌الأخذ بأقل ما قيل

- ‌تفويض الحكم إلى المجتهد

- ‌إجماع أهل الكوفة

- ‌قاعدة في التعارض

- ‌تعارض الدليلين

- ‌تعارض البينتين

- ‌تعارض الأصلين

- ‌تعارض الظاهرين

- ‌تعارض الأصل والظاهر

- ‌فائدة

- ‌أدلة وقوع الأحكام

- ‌الفصل الثانيفي تصرفات المكلفين في الأعيان

- ‌النقل

- ‌الإسقاط

- ‌القبض

- ‌الإقباض

- ‌الالتزام

- ‌الخلط

- ‌إنشاء المِلْك

- ‌الاختصاص

- ‌الإذن

- ‌الإتلاف

- ‌فائدة:

- ‌ مسألة

- ‌التأديب والزجر

- ‌خاتمة متن الكتاب

- ‌خاتمة شرح الكتاب

الفصل: ‌مسألة تعبد النبي صلى الله عليه وسلم بشرع من قبله قبل نبوته

‌الفصل الثالث

في تأسِّيه صلى الله عليه وسلم

(1)

‌مسألة تعبُّد النبي صلى الله عليه وسلم بشرع من قبله قبل نبوته

ص: مذهب مالكٍ وأصحابِه أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن متعبِّداً بشرع مَنْ قَبْله قبل نُبُوَّته (2)، وقيل: كان متعبِّداً (3) ،

لنا أنه لو كان كذلك لافتخرتْ به أهل (4) تلك الملة وليس فليس.

(1) مناسبة هذا الفصل لموضوع باب دلالة فعله صلى الله عليه وسلم هي: أن أفعاله صلى الله عليه وسلم قبل النبوَّة وبعدها، هل تكون موضعاً للتأسي به فيها فيما كان يفعله بمقتضى شرائع من قبله أم لا؟

اعتبر السرخسي وعبد العزيز البخاري البحث في مسألة: تعبد النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة بشرع من قبله من

" أصول التوحيد " وليس من " أصول الفقه ". انظر: أصول السرخسي 1 / 100، كشف الأسرار للبخاري 3 / 398. وذكر أبو الحسن علي الأبْيَاري بأن هذه المسألة غير محتاج إليها في أصول الفقه. انظر: التحقيق والبيان في شرح البرهان ص 688 (رسالة دكتوراه بجامعة أم القرى بمكة تحقيق / علي بن عبد الرحمن بسَّام) .

(2)

انظر مذهب مالك وأصحابه في: تحفة المسؤول في شرح مختصر منتهى السُّول للرهوني (رسالة دكتوراه بجامعة أم القرى بمكة تحقيق / يوسف الأخضر القيم) القسم الثاني ص 797، التوضيح لحلولو

ص 251، رفع النقاب القسم 2 / 350، مراقي السعود إلى مراقي السعود لمحمد الأمين الجكني المعروف بالمرابط ص 264.

والقول بمنع التعبد قبل البعثة مذهب جمهور المتكلمين، وغيرهم. انظر: المعتمد 2 / 336، قواطع الأدلة 2 / 224، المنخول للغزالي ص 231، كشف الأسرار للبخاري 3 / 398، الضياء اللامع 2 / 141.

(3)

وهو المختار عند الحنفية، وابن الحاجب من المالكية، والبيضاوي من الشافعية، والصحيح من مذهب الحنابلة. انظر: العدة لأبي يعلى 3 / 765، منتهى السول والأمل ص205، كشف الأسرار للنسفي 2 / 171، جامع الأسرار للكاكي 3 / 906، الإبهاج 2/275، التقرير والتحبير 2 / 410، شرح الكوكب المنير 4/409.

ثم اختلف هؤلاء: على أيِّ شريعةٍ كان يتعبّد الله بها؟ فقيل: على شريعة آدم عليه السلام، وقيل: نوح، وقيل: إبراهيم، وقيل: موسى، وقيل: عيسى عليهم جميعاً السلام. وقيل: على ما ثبت أنه شرعٌ من غير تعيين نبيّ. انظر هذه الأقوال وأدلتها في: البحر المحيط للزركشي 8 / 39.

والمذهب الثالث في المسألة هو: التوقف، وهو المختار عند أكثر الشافعية، منهم: الجويني والغزالي وابن بَرْهان والآمدي والسبكي وغيرهم، وهو محكيٌّ عن أبي هاشم الجبائي والقاضي عبد الجبار، وقوَّاه أبو الخطاب في التمهيد 2/413.

وهذا المذهب هو الأجدر بالقبول إذا لا دليل على القطع بواقع النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة: انظر: المعتمد 2/ 337، البرهان للجويني 1/ 334، المستصفي 1/391، الوصول لابن بَرْهان 1/389، الإحكام للآمدي 4/137، جمع الجوامع (بحاشية البناني) 2 / 353.

ولمعرفة سبب اختلافهم انظر: تقرير الشربيني على شرح المحلي لجمع الجوامع (بحاشية البناني) 2/ 352.

(4)

ساقطة من س.

ص: 24

الشرح

هذه المسألة المختار* فيها أن نقول ((متعبِّداً)) بكسر الباء (1) على أنه اسم

فاعل (2)، ومعناه: أنه صلى الله عليه وسلم كان -[كما قيل](3) في سيرته - ينظر إلى ما عليه الناس فيجدهم على طريقةٍ لا تليق بصانع العالم، فكان يخرج إلى غار حراء (4) يَتَحَنَّث (5) - أي: يَتَعَبَّد - ويقترح أشياء لقُرْبها من المناسب في اعتقاده. ويخشى أن لا

تكون مناسبة لصانع العالم، فكان من ذلك في ألَمٍ عظيمٍ، حتى بعثه الله تعالى وعلَّمه جميع طرق الهداية وأوضح له جميع مسالك الضلالة، زال عنه ذلك الثِّقَل الذي كان يجده، وهو المراد بقوله تعالى:{وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَك} (6) على أحد التأويلات، أي الثِّقَل الذي كُنْتَ تجده من أمر العبادة والتقرُّب (7) ،

فهذا

(1) انظر: نفائس الأصول (6/2360) . علماً بأن الإسنوي ضبط الفعل: " تُعُبِّد " بضمتين أي: كُلِّف فهو متعبَّد. انظر: نهاية السول (3/46) ، وكذلك السبكي ضبط كلمة " متعبَّد " بالفتح كما وضحه الزركشي في تشنيف السامع (3 / 432) وجلال الدين المَحلِّي في شرح جمع الجوامع (بحاشية البناني)(2/353) ، وكذلك أشار ابن أمير الحاج إلى الفتح كما في التقرير والحبير (2 / 412) . ولعل الأوجه في الاختيار هو ما اختاره القرافي بالكسر لما ذكره من الحجج بعد ذلك.

(2)

اسم الفاعل: هو ما اشْتُقَّ من مصدر فِعْلٍ لمن قام به على معنى الحدوث، كضَارب، ومُكْرِم، وصيغته من الثلاثي علي زنة فاعل: كضَارب، ومن غير الثلاثي بلفظ المضارع بشرط تبديل حرف المضارعة بميم مضمومة وكَسْر ما قبل آخره: كمُكْرِم. شرح شذور الذَّهَب لابن هشام ص 385.

(3)

ساقط من س.

(4)

ساقطة من ن.

(5)

حَنِث: الحاء والنون والثاء أصل واحد، وهو: الإثم والحرج، وفلان يَتَحَنَّث من كذا: يتأثم، والتأثم هو التنحيِّ عن الإثم، ومن ذلك التحنُّث: وهو التعبد. معجم المقاييس في اللغة لابن فارس، مادة " حنث ".

وحديث تحنُّثِهِ الليالي ذوات العدد في غار حراء أخرجه البخاري (3) ومسلم (160) من حديث عائشة رضي الله عنها.

(6)

الشرح، الآيتان:3.

(7)

انظر هذا التأويل في: الكشاف للزمخشري 4/759، التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) للفخر الرازي 32/6. قال الطبري "وحططنا عنك ثقل أيام الجاهلية التي كنت فيها" جامع البيان 15/295

- ومن التأويلات: أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له ذنوب في الجاهلية قبل النبوة فغفرها تعالى له، وقيل: ما كان يلحقه من الأذى والشتم حتى كاد ينقضي ظهره ثم قواه الله تعالى. وقيل: تخفيف أعباء النبوة التي تثقل الظهر

إلى آخر هذه التأويلات. انظر: التفسير الكبير للرازي 32 / 5، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي

20 / 6، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني للألوسي 15 / 389.

ص: 25

يتَّجه، أما بفتحها (1) فيقتضي أن يكون الله تعالى تعبَّده بشريعة سابقة، وذلك يأباه ما يحكونه من الخلاف هل كان متعبِّداً (2) بشريعة موسى أو عيسى فإن شرائع بني إسرائيل لم تَتَعَدَّهم (3) إلى بني إسماعيل (4) ، بل كل نبي من موسى وعيسى وغيرهما إنما كان يُبْعث إلى قومه فلا تتعدى رسالته قومه، حتى نقل المفسرون أن موسى عليه السلام لم يُبْعث إلى أهل مصر بل لبني إسرائيل، ليأخذهم من القِبْط (5) من يد فرعون (6) . ولذلك لما عَدَى البحر لم يرجع إلى مصر ليقيم فيها شريعته (7)

بل أعرض عنهم إعراضاً كُلّياً لما أخذ بني إسرائيل، وحينئذٍ لا يكون الله تعالى تعبَّد (8) نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم بشرعهما (9) ألبتَّة، فبطل (10) قولنا: إنه كان متعبَّداً بفتح الباء بل بكسرها كما تقدَّم (11) ، وهذا بخلافه (12) بعد (13) نبوته صلى الله عليه وسلم، فإنه تعبده الله تعالى بشرع من قبله على - الخلاف في ذلك - بنصوص وردت عليه في الكتاب العزيز فيستقيم الفتح فيما بعد النبوة دون ما قبلها (14) .

(1) أي فتح باء ((مُتَعبَّد)) على أنها اسم مفعول من غير الثلاثي: ((تعبَّد)) . انظر: شرح شذور الذهب لابن هشام ص 396.

(2)

في ن: ((متعبّد)) وهو خطأ نحوي؛ لعدم انتصابه على أنه خبر كان.

(3)

في جميع النسخ ((تتعداهم)) إلا النسختين م، ز ففيهما ((يتعداها)) . وكلها خطأ نحوي؛ لعدم حذف حرف العلة من الفعل المجزوم. ثم وجدْتُ على طرر النسخة " م " قوله:((وفي نسخة: لم تتعدهم)) وهي الصواب. ومع ذلك توجد لغةٌ تجزم المعتلّ بحذف الحركة المقدرة على حرف العلة مع إبقائه. وجاءت قرآءةٌ لعكرمة في قوله تعالى: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] قرأها ((يراه)) بالألف في الآيتين، حكاه الأخفش. انظر: شرح التصريح على التوضيح لخالد الأزهري 1 / 87، تفسير البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 8 / 498.

(4)

في س: ((بني اسرائيل)) وهو خطأ وسَبْقُ قَلَمٍ من الناسخ.

(5)

القِبْط: هم نصارى مصر، والواحد، قِبْطي. المصباح المنير مادة " قبط ". ولمعرفة أصولهم، انظر: الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة إصدار الندوة العالمية للشباب الإسلامي 2 / 1123، المنجد في الأعلام ص 433.

(6)

انظر: تفسير البحر المحيط لأبي حيان 7/10، وتفسير أبي السعود 6/19.

(7)

ساقطة من س..

(8)

في ق: ((بعث)) وهي غير مرادة هنا.

(9)

في ن: ((بشريعتهما)) .

(10)

في ق: ((فيبطل)) .

(11)

في بداية هذا الشرح، الصفحة السابقة.

(12)

في س: ((الخلاف)) ، وفي ن:((بخلاف)) . وكلاهما غير متَّسق مع السياق.

(13)

ساقطة من ن.

(14)

سترد هذه المسألة بعد قليل في ص 31.

ص: 26