الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكم نسخ الكتاب بالسنة المتواترة
ص: ويجوز نسخ الكتاب بالسنة المتواترة لمساواتها له في الطريق العلمي عند أكثر أصحابنا (1)، وواقع كنسخ الوصية للوارث (2) بقوله عليه الصلاة والسلام:((لا وصية لوارث)) (3)(4) .
ونسخ آية (5) الحبس (6) في البيوت
(1) في المسألة ثلاثة أقوال، الأول: الجواز عقلاً والوقوع سمعاً، وهو مذهب أكثر الفقهاء والمتكلمين والحنفية والمالكية وبعض الشافعية ورواية عن أحمد وبعض الحنابلة. الثاني: عدم الجواز سمعاً، وهو قول الشافعي وأكثر أصحابه ورواية عن الإمام أحمد، وقول ابن بكير من المالكية. الثالث: يجوز سمعاً لكنه لم يقع، وهو قول ابن سُرَيج من الشافعية، وقواه أبو الخطاب من الحنابلة. انظر: الرسالة للشافعي ص 106، المقدمة في الأصول لابن القصار ص 141، المعتمد 1 / 392، الإحكام لابن حزم 1 / 518، إحكام الفصول ص 417، التبصرة ص 264، التمهيد لأبي الخطاب 2 / 379، المسودة ص 202، كشف الأسرار للبخاري 3 / 335.
(2)
آية الوصية المنسوخة هي قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 180] .
(3)
الحديث روي عن جماعة كثيرة من الصحابة رضي الله عنهم بألفاظ متقاربة، وأوردها كلها الشيخ الألباني مع تخريجاتها، ثم قال:((وخلاصة القول: أن الحديث صحيح لاشك فيه بل هو متواتر..)) إرواء الغليل 6 / 87 - 96، وانظر: نظم المتناثر من الحديث المتواتر للكتاني ص (179) . والحديث أخرجه أبو داود (2870، 3465) ، والترمذي (2121) ، وابن ماجة (2713) وغيرهم. وانظر تحفة الطالب لابن كثير ص 3342، نصب الراية للزيلعي 4 / 403.
(4)
اختلف العلماء القائلون بنسخ آية الوصية - في تعيين الناسخ لها على أقوال منها:
أ - أنها منسوخة بآية المواريث: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ..}
[النساء: 11] ، وبه قال ابن عمر وعكرمة ومجاهد وغيرهم، وهو رواية عن مالك.
ب - أنها منسوخة بحديث: ((لا وصية لوارث)) وهو الرواية الأخرى عن مالك، وبه قال القرطبي.
جـ - أنها منسوخة بالحديث مع ضميمة الآية وبه قال الشافعي وابن جزي من المالكية. انظر: الرسالة للشافعي 137 - 139، الإحكام لابن حزم 1 / 524، الناسخ والمنسوخ للنحاس 1 / 480، الناسخ والمنسوخ لابن العربي 2 / 18، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 2 / 263، التسهيل في علوم التنزيل
4 / 105، التوضيح لحلولو ص 267.
(5)
ساقطة من متن هـ.
(6)
وهي قوله تعالى: {وَاللَاّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً} [النساء: 15] .
بالرجم (1) . وقال الشافعي رضي الله عنه: لم يقع، لأن آية الحبس في البيوت نُسِختْ بالجلد (2) .
الشرح
واحتجوا أيضاً [على الوقوع](3) بقوله عليه الصلاة والسلام: ((لا وصية
لوارث)) (4) . نَسَخت الوصيةَ للأقربين الذين في الكتاب، وبقوله عليه الصلاة والسلام:
((
لا تُنْكَح المرأة على عَمَّتِها)) (5) الحديث ناسخ لقوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ} (6) .
وأما قول الشافعي رضي الله عنه إن آية الحبس نُسختْ بالجلد، فذلك يتوقف على تاريخٍ لم يتحقَّقْ، ومن أين لنا أن آية الجلد نزلت بعد آية الحبس؟! بل ظاهر السنة يقتضي خلاف ما قاله، لأنه عليه الصلاة والسلام قال: ((خذوا عني قد جعل الله لهنَّ سبيلاً:
(1) سبق تقرير الخلاف في القول بالنسخ في آية الحبس. واختلف القائلون بالنسخ في الناسخ لها على أقوال منها:
أ - أنها منسوخة بآية الجلد في قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ
…
} .
[النور: 2] وقد حكى ابن عطية الإجماع على ذلك.
ب - أنها منسوخة بآية الجلد وبحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه: ((خذوا عني قد جعل الله لهن
سبيلاً، الثيب بالثيب جلد مائة والرجم
…
)) الحديث رواه مسلم (1690) .
جـ - أنها منسوخة بحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه السابق، وحديث رجمه صلى الله عليه وسلم لماعزٍ رواه البخاري (6824) وغيره. انظر: الرسالة للشافعي 128 - 132، 248، أحكام القرآن للجصاص 2 / 135، نواسخ القرآن لابن الجوزي ص 262، المحرر الوجيز لابن عطية 4 / 48.
(2)
انظر: الرسالة للشافعي ص 129، وانظر: المحصول للرازي 3 / 349.
(3)
في س: ((بالوقوع)) .
(4)
تقدَّم تخريجه.
(5)
سبق تخريجه. ومن الغريب أن المصنف أورد هذه الحجة في مسألة نسخ الكتاب بخبر الآحاد، ثم يوردها هنا على مسألة نسخ الكتاب بالخبر المتواتر، فلعلّ هذا عائد إلى اختلاف كل قوم في طريق ثبوته. قال الفخر الرازي:((وهذا خبر مشهور مستفيض، وربما قيل: إنه بلغ مبلغ التواتر)) التفسير الكبير 10 / 35.
(6)
النساء، من الآية: 24، وهي آية المحرمات من النكاح.
الثيِّب بالثيِّب رَجْمٌ بالحجارة والبكْر بالبكْر جَلْدُ مائة جلدة وتَغْريبُ عام)) (1)
فظاهره يقتضي أنه (2) الآن نُسِخ ذلك الحكم (3) .
ويرد على الأول: أن الوصية (4) جائزة لغير الوارث إذا كان قريباً فدخله (5) التخصيص، والمُدَّعَى النسخ (6) .
وعلى الثاني (7) : أنه أيضاً تخصيص دخل في الكتاب لا نسخ؛ لأن بعض ما أحِلَّ حرم ولا تنازع فيه.
(1) الحديث من رواية عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: ((خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهنَّ سبيلاً، البكْر بالبكْر جَلْد مائةٍ ونفي سنة، والثيّب بالثيّب، جلدة مائة جلدة والرجم)) رواه مسلم
(1690)
وغيره.
لم أطلع في روايات حديث عبادة أن الثيب عليه الرجم فقط، كما ذكر ذلك المصنف، بل جميع ما اطلعتُ عليه أن الثيب عليه جلد مائة جلدة والرجم.
وقد ذكر الحازمي في كتابه " الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار " ص (473) اختلاف العلماء في حديث عبادة أهو مُحْكم أم منسوخ في حق الزاني المحصن؟ والأكثرون على الثاني، وتمسكوا بأحاديث تدلُّ على النسخ، منها حديث رجمه صلى الله عليه وسلم ماعزاً دون الجلد. البخاري (6824) ، والله أعلم.
(2)
في س: ((أن)) ، وهي غير مفيدة للمعنى.
(3)
انظر: نفائس الأصول للمصنف 6 / 2494. وقال أبو بكر الجصاص: ((وأن آية الجلد التي في سورة النور لم تكن نزلت حينئذٍ، لأنها لو كانت نزلت كان السبيل متقدماً لقوله: ((خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً..)) ولما صحَّ أن يقول ذلك، فثبت بذلك أن الموجب لنسخ الحبس والأذى قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبادة بن الصامت وأن آية الجلد نزلت بعده)) أحكام القرآن له 2 / 135.
(4)
الوصية في اللغة: من أوصى الرجل ووصَّاه: عهد إليه وسُميت وصيّةً لاتصالها بالميت. انظر: لسان العرب مادة: وصي، واصطلاحاً: عَقْدٌ يُوجب حقاً في ثلُث عاقده، يلزم بموته أو نيابةً عنه بعده. حدود ابن عرفة مع شرحه للرصَّاع 2 / 681.. وفي مواهب الجليل للخطاب (8 / 513) هي: تمليكٌ مضافٌ لما بعد الموت بطريق التبرع. وحكمها: الوجوب عند بعض العلماء، والجمهور على الندب. انظر: الذخيرة للقرافي 7 / 6.
(5)
في س: ((فيدخله)) .
(6)
من العلماء من رجَّح أن آية الوصية محكمة غير منسوخة، بل هي عامة دخلها التخصيص في الوالدين من غير رقٍّ أو اختلاف دِيْن وفي الأقربين الوارثين. أما ما عدا ذلك فلهم الوصية، وهو رأي الطبري في تفسيره 2 / 158، والنحاس في الناسخ والمنسوخ 1 / 486، والسعدي في تيسير الكريم الرحمن
1 / 218.
(7)
وهو ادِّعاء أن حديث ((لا تُنْكح المرأة على عمتها)) نسخ قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ} وقد مرَّ جوابٌ للمصنف نحواً من هذا في ص (86) ، وانظر هامش (8) ص (85) .