الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكم رواية المجهول:
وقال أبوحنيفة (1) : يُقْبل قولُ المجهول (2) .
الشرح
خالفه الجمهور في ذلك لقوله عليه السلام "يَحْمِل هذا العلمَ من كلِّ خَلَفٍ عُدُوْلُه"(3) .
(1) في متن هـ: ((الحنفية)) .
(2)
والمجهول: هو كل من لم تُعرف عينه أوصفته. فعلى هذا جهالة الراوي على ضَربين. الضرَّبْ الأول: مجهول العين: وهو كل من لم يَرْوِ عنه إلا راوٍ واحدٌ ولم تُعلم حاله. أي لم يُوثَّق. والضرب الثاني: مجهول الحال ويّسمى بالمستور: وهو من روى عنه اثنان فأكثر لكن لم يوثَّق ولم تعلم عدالته ولا فسقه. وقيل بغير هذين التقسيمين. انظر: جمع الجوامع بشرح المحلي وحاشية البناني 2/151، شرح الكوكب المنير 2/410، إرشاد طلاب الحقائق للنووي ص112، توضيح الأفكار للصنعاني 2/113.
وأما حكم روايته فالجمهور على عدم قبول روايته إلا إذا ارتفعت جهالته. ورأي أبي حنيفة ورواية عن الإمام أحمد في مقابل المشهور قبول رواية المجهول، لكن ليس أيَّ مجهول كان. وقال السرخسي في أصوله (1/352)"المجهول من القرون الثلاثة عَدْل بتعديل صاحب الشرع إياه ما لم يتبين منه ما يزيل عدالته، فيكون خبره حجة على الوجه الذي قررنا". قال علاء الدين النجاري في كشف الأسرار (2 / 719)((فأما في زماننا فخبر مثل هذا المجهول لا يقبل، ولا يصح العمل به ما لم يتأيّد بقول العدول، ولهذا لم يجوّز أبو يوسف ومحمد رحمهما الله القضاء بشهادة المستور لأنهما كانا في زمن فشو الكذب)) .
وبهذا التحقيق والتحرير عُلم أن أبا حنيفة وأتباعه لا يقبلون رواية المجهول مطلقاً ما لم يكن من أهل القرون المفضلة الثلاثة الأولى. انظر المسألة في: الفصول في الأصول للجصاص 3 / 134، إحكام الفصول ص367، شرح اللمع للشيرازي 2/639، التمهيد لأبي الخطاب 3/121، المحصول للرازي 4/402، المغني في أصول الفقه للخبازي ص202، البحر المحيط للزركشي 6/159، التلويح للتفتازاني 2/10، 13، تيسير التحرير 3/48، فتح المغيث للسخاوي 2/52، شرح شرح النخبة للقاري ص514.
(3)
تمام الحديث "ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين" رواه البزار كما في: كشف الأستار للهيثمي (1/86) ، والطبراني في مسند الشاميين (1/344) ، والعقيلي في الضعفاء (1/9) ، وابن عدي في الكامل (1/152، 153) ، وغيرهم.
* وحشد الخطيب البغدادي طرقاً عديدة للحديث في كتابه: "شرف أصحاب الحديث" ص (63 - 68) ، كما عقد ابن القيم فصلاً خاصاً في بيانه طرقه في كتابه "مفتاح دار السعادة"(1/497) بتحقيق علي بن حسن الحلبي.
?
…
أما درجة الحديث: فمن العلماء من ضعفه، ومنهم من حسّنه. فمن ضعفه: زين الدين العراقي في "التقييد والإيضاح" ص138، والبُلقيني في "محاسن الاصطلاح" ص219. والسخاوي في "فتح المغيث" 2/14. وضعَّفه الشيخ فهد الدوسري في كتابه: الروض البسام في تخريج أحاديث فوائد تمام (1/142 ـ 146) .
?
…
وممن صححه: العلائي في "بغية الملتمس في سباعيات مالك بن أنس" بتحقيق حمدي السلفي ص34 ـ 35 وقال عنه "هذا حديث غريب صحيح". والقسطلاني في "إرشاد الساري"(1/4) . وقال الشيخ علي بن حسن الحلبي "وخلاصة القول في هذا الحديث ـ إن شاء الله ـ أنه حسن لغيره، لأن عدداً من طرقه خالٍ من الضعف الشديد، فمثلها بالتعدد تَجْبرُ الضعف" هامش (3) على مفتاح دار السعادة لابن القيم بتحقيقه (1/500) . وقال ابن الوزير اليماني في "العواصم والقواصم"(1/312)"وقد رويت له شواهد كثيرة.. وضعفها لا يضرُّ، لأن القصد التقّوي بها، لا الاعتماد عليها مع أن الضعف يعتبر إذا لم يكن ضعفاً بمرَّة أو باطلاً أو مردوداً أو نحو ذلك. فهذه الوجوه مع تصحيح أحمد وابن عبد البر وترجيح العقيلي لإسناده مع أمانتهم واطلاعهم يقتضي بصحته أو حسنه إن شاء الله تعالى".
وهو (1) صيغته (2) صيغةُ الخبر ومعناه الأمر، تقديره (3) : لِيَحْملْ هذا العلم [من كل خَلَفٍ عُدولُه](4) . فلولا أن العدالة شرط (5) لبطلتْ (6) حكمة (7) هذا الأمر فإن العدل وغيره سواء حينئذٍ.
احتج أبوحنيفة: بقوله تعالى (8) : {إن جاءكم فاسق بنبأ فتثبتوا} (9) . أوجب الله تعالى التثبت عند وجود الفسق، فعند عدم* الفسق وجب أن لا يجب التثبت، فيجوز العمل وهو المطلوب.
ولقوله (10) تعالى: {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون} (11) .
(1) ساقطة من ق.
(2)
ساقطة من ن.
(3)
في ق: ((أي)) .
(4)
ما بين المعقوفين ساقط من ق. قد جاء في بعض طرق الحديث رواية بلفظ "لِيَحْمِلْ هذا العلم
…
" بلام الأمر، انظرها في كتاب: الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 2/17.
(5)
هنا زيادة: ((وإلا)) في ن، والسياق مستقيم بدونها.
(6)
في س: ((لبطل)) ، وفي ن:((أُبطلتْ)) .
(7)
ساقطة من س.
(8)
هذا الدليل الأول لأبي حنيفة.
(9)
الجحرات، الآية:6.
(10)
في ق: ((وبقوله)) خلافاً لجميع النسخ، وهو صحيح، تقديره: واحتج أبو حنيفة بقوله تعالى.. وهذا هو الدليل الثاني.
(11)
التوبة، الآية:122.
أوجب الحذر عند قولهم ولم يشترط العدالة، فوجب جواز (1) قبول (2) قول (3) المجهول.
ولأن (4) أعرابياً جاء يشهد (5) عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهلال فقبل شهادته وأمر الناس بالصوم (6) . وإذا جاز ذلك في الشهادة جاز في الرواية بطريق الأولى؛ لأن الشهادة يشترط فيها ما لا يشترط في الرواية من الذكورية (7) والحرية والعدد وغير ذلك (8) .
والجواب عن الأول: أنا إذا علمنا زوال الفسق ثبتت (9) العدالة؛ لأنهما ضدَّان لا ثالث لهما، متى عُلم نفي (10) أحدهما ثبت الآخر. وعن الثاني: أن الطائفة مطلقةٌ في الآية فتُحمل على ما تقدَّم من تقييد السنة بقوله عليه السلام ". يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله". وعن الثالث: أن القصة محتملة من حيث اللفظ، وليس في الحديث أنه كان مجهولاً ولا معلوماً (11) ، غير أن قضايا الأعيان تتنزل (12) على القواعد،
(1) ساقطة من ق.
(2)
ساقطة من ق، ن.
(3)
ساقطة من س.
(4)
في س: ((أو لأن)) وهو تحريف. وهذا هو الدليل الثالث لأبي حنيفة.
(5)
في ق: ((فشهد)) .
(6)
لفظ الحديث، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم أعرابي فقال: إني رأيت الهلال ـ يعني رمضان ـ فقال: ((أتشهد أن لا إله إلا الله؟)) . قال: نعم. قال: ((أتشهد أن محمداً رسول الله؟)) قال: نعم. قال: ((يا بلال، أذَّنْ في الناس فليصوموا غداً)) . هذا لفظ أبي داود في سننه (2340) وأخرجه الترمذي (691) ، والنسائي (2111) ، وابن ماجة (1652) وغيرهم. والحديث ضعفه الألباني في إرواء الغليل (4/15) ، وحسين سليم أسد في تحقيقه لمسند أبي يعلى (4/407) ، وصححه الحاكم في مستدركه (1/424) ووافقه الذهبي، وصححه الأعظمي في تحقيقه لصحيح ابن خزيمة (3/208) .
(7)
جاءت هذه العبارة في ن هكذا "ما لا يشترط في الرواية المذكورة من الحرية
…
"، والمثبت أنسب.
(8)
انظر الفروقات بين الشهادة والرواية في: الرسالة للشافعي ص 372، أصول السرخسي 1/353، الفروق للقرافي 1/4، نفائس الأصول 7/2969، جمع الجوامع شرح المحلي بحاشية البناني 2/161، شرح الكوكب المنير 2/378، الكفاية في علم الرواية ص94، تدريب الراوي للسيوطي 1/392.
(9)
في ق: ((تثبت)) .
(10)
ساقطة من ق، وهو سقطُ مُخِلّ.
(11)
يمكن أن يقال بأن هذا الأعرابي صحابيٌ ـ على حدّ من عرَّفه بكل من لقي النبي صلى الله عليه وسلم وآمن به ـ وإذا كان صحابياً فالصحابة عدول.
(12)
في س: ((تمزل)) وهي تحرَّفه.