الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حجة القاضي في أن الشَّبَه ليس بحجة: أن الدليل ينفي العمل بالظن مطلقاً، لقوله تعالى:{وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} (1) خالفناه في قياس المناسبة، فبقينا في قياس الشبه على موجب الدليل، ولأن الصحابة إنما أجمعت (2) على المناسبة (3) ، أما الشبه فلا نُوجب (4) أن (5) يكون حجة.
جوابه: أنه مُعارَضٌ بقوله تعالى {فَاعْتَبِرُوا} (6) ، وبقوله عليه الصلاة والسلام ((نحن نحكم بالظاهر والله يتولى السرائر)) (7) وهو يفيد الظن فوجب أن يندرج في عموم النص، ولأنه (8) مندرج في عموم قول معاذ بن جبل اجتهد رأيي (9) ، وهذا (10) نوع من الاجتهاد.
المسلك الخامس: الدوران
ص: الخامس: الدَّوَرَان (11) ، وهو عبارة عن اقتران ثبوت الحكم مع ثبوت الوصف وعدمه مع عدمه. وفيه خلافٌ، والأكثرون من أصحابنا وغيرهم
(1) سورة يونس، من الآية: 36، سورة النجم، من الآية:28.
(2)
في س: ((اجتمعت)) .
(3)
في ن: ((المناسب)) .
(4)
في س، ن:((يُوجب)) .
(5)
هكذا في س، م، ز، وهو الصحيح. بينما في س، ق:((ألَاّ)) ، وفي ن:((إلَاّ أن)) وكلاهما خطأ ظاهر؛ لأن المعنى ينقلب بهما. وجاءت في شرح مختصر الروضة للطوفي (3 / 433) عبارة متقنة قريبة من هذه وهي: ((ولأن الصحابة رضي الله عنهم إنما اجتمعت على المناسبة لا على الشبه، فوجب ألَاّ يكون حجة))
(6)
سورة الحشر، من الآية:2.
(7)
سبق تخريجه.
(8)
في ن: ((ولا)) وهو نقص.
(9)
سبق تخريجه.
(10)
في ن: ((وهو)) .
(11)
الدوران لغة: مصدر دار، ودار حول البيت: طاف به، ومنهم قولهم: دارت المسألة أي كلما تعلقت بمحل توقف ثبوت الحكم على غيره، فيُنقل إليه ثم يتوقف على الأول وهكذا. انظر: المصباح المنير مادة
((دور)) .
يقولون (1) بكونه حجة (2) .
الشرح
مثاله (3) : العنب حين كونه عصيراً ليس بمسكر ولا حرام، فقد اقترن العدم بالعدم، وإذا صار مسكراً صار حراماً، فقد اقترن الثبوت بالثبوت، فإذا تخلَّل لم يبْقَ مسكراً ولا حراماً، فقد اقترن العدم بالعدم، فهذا هو الدوران في صورة واحدة وهي الخمر.
وقد يقع في صورتين وهو دون الأول، مثاله: أن (4) ندَّعي (5) وجوب الزكاة في الحُلِيّ المُتَّخَذ (6) لاستعمالٍ مباحٍ، فنقول الموجِب لوجوب الزكاة في النقدين كونهما أحد الحَجَرين (7) ؛ لأن وجوب الزكاة دار مع* [كونه أحد الحجرين](8) وجوداً وعدماً، أما وجوداً ففي المَسْكُوك (9) هو (10) أحد الحجرين والزكاة واجبة فيه، وأما عدماً فالعقار (11) ليس أحد الحجرين ولا تجب الزكاة فيه، وإنما رَجَحَتْ (12) الصورة
(1) لضرورة مطابقة الخبر لمبتدأه في الجمع.
(2)
اختلف الأصوليون في إفادة الدوران بمجرده العِلِّية على أربعة أقوال، الأول: أنه يفيد العلية قطعاً، وهو لبعض المعتزلة وبعض الشافعية. والثاني: يفيدها ظناً، وهو للجمهور. والثالث: إن تكرر كثيراً أفادها قطعاً وإلا أفادها ظناً. والرابع: لا يفيدها مطلقاً، وهو اختيار السمعاني والغزالي والآمدي وابن
الحاجب. انظر: المغني لعبد الجبار 17 / 333، المعتمد 2 / 449، أصول السرخسي 2 / 176، قواطع الأدلة 4 / 230، المستصفى 2 / 315، شفاء الغليل ص 266، التمهيد لأبي الخطاب 4 / 24، المحصول لابن العربي ص 533، الإحكام للآمدي 3 / 299، منتهى السول والأمل ص 185، مفتاح الوصول ص 705، البحر المحيط للزركشي 7 / 309، رفع النقاب القسم 2 / 868، فواتح الرحموت 2 / 364.
(3)
في ن: ((مثال ذلك)) .
(4)
ساقطة من ن، ق.
(5)
في ق: ((يدعى)) .
(6)
في ق: ((المُعدِّ)) .
(7)
الحجران هما: الذهب والفضة. انظر: مختار الصحاح مادة ((حجر)) .
(8)
ما بين المعقوفين في ق: ((ذلك)) .
(9)
في س: ((المشكوك)) وهو تصحيف. والمَسْكُوك: اسم مفعول من سك، والسِّكَّة: حديدة منقوشة تطبع بها الدنانير والدراهم، والجمع سِكَك. انظر: المصباح المنير مادة ((سكك)) .
(10)
في ق: ((وهو)) والواو هنا مخلَّة بالمعنى.
(11)
العقار: هو المنزل والأرض والضِّياع، مأخوذ من عُقْر بضم العين وفتحها، وهو: أصلها. انظر: تحرير ألفاظ التنبيه للنووي ص 197، الدر النقي لابن المبرد ص 534.
(12)
في ن: ((وجبت)) وهو متجهٌ أيضاً.
الأولى على هذه؛ لأن انتفاء الحكم بعد ثبوته في الصورة المعينة يقتضي أنه لم يبق (1) معه ما يتقضيه في تلك الصورة وإلا لثبت (2) فيها. أما إذا انتفى من (3) صورة أخرى غير صورة الثبوت أمكن أن يقال: إن موجِبَ الحكم غيرُ الوصف المدَّعَى علةً، وأن ما ذكرتموه من الوصف لو فرض انتفاؤه لثبت الحكم بذلك الوصف الآخر، فما تعين عدم اعتبار غيره بخلاف الصورة الواحدة.
[حجة أن الدوران](4) دليل العِلِّية (5) : أن اقتران الوجود بالوجود والعدمِ بالعدم يغلب على الظن أن المَدَار (6) علة الدَائِر (7) ، بل قد يحصل القطع بذلك، لأن من ناديناه باسم فغضب ثم سَكَتْنا عنه فزال غضبه ثم ناديناه به فغضب (8) كذلك مراراً كثيرة، حصل (9) لنا (10) الظن الغالب بأن علة غضبه إنما هو ذلك الاسم الذي ناديناه به. ولذلك جزم الأطباء بالأدوية المُسْهِلة والقابضة وجميع ما يعطونه (11) من المبرِّدات وغيرها بسبب وجود تلك الآثار (12) عند وجود تلك العقاقير وعدمها عند عدمها.
فالدوران أصل كبير في أمور الدنيا والآخرة، فإذا وُجِد بين الوصف والحكم جَزَمْنا بعليَّة الوصف للحكم، أو نقول: بعض الدوران حجة قطعاً، كدوران قطع الرأس مع الموت في مجرى العادة، فوجب أن تكون (13) جميع الدَّوَرَانات حجةً لقوله تعالى
(1) في س: ((يمكن)) .
(2)
في ن: ((لثبتت)) وهو خطأ؛ لأن الضمير يعود على ((الحكم)) وهو مذكر. انظر: هامش (7)
ص 112.
(3)
في ق: ((في)) وهو سائغ أيضاً.
(4)
في ن: ((حجته أن)) .
(5)
في س: ((العلة)) .
(6)
المدار: هو الوصف. قال الزركشي: ((هو المُدَّعى عِلِّيتَّه)) البحر المحيط 7 / 313.
(7)
الدائر: هو الحكم. قال الزركشي: ((هو المُدَّعى معلوليته)) البحر المحيط 7 / 313.
(8)
هنا زيادة: ((ثم)) في ق، وهي من انفراداتها.
(9)
في ق: ((يحصل)) .
(10)
ساقطة من ق.
(11)
في ق: ((يصفونه)) .
(12)
في ن: ((الأثر)) وهو غير مُستقيم بما قبله.
(13)
في س: ((يكون)) وهو جائز أيضاً. انظر: هامش (9) ص (216) .