الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع
في زمانه
ص: واتفقوا على جواز الاجتهاد بعد وفاته عليه الصلاة والسلام (1) ، وأما في زمانه [فوقوعه منه عليه الصلاة والسلام قال به](2) الشافعي (3) وأبو يوسف (4)، وقال أبو علي وأبو هاشم (5) : لم يكن متعبَّداً به؛ لقوله تعالى {إِنْ هُوَ إِلَاّ وَحْيٌ يُوحَى} (6)، وقال بعضهم: كان له عليه الصلاة والسلام أن يجتهد في الحروب والآراء (7) دون الأحكام (8) ،
قال الإمام: وتوقف أكثر المحققين في الكل (9) .
(1) انظر حكاية الاتفاق في: المحصول للرازي 6/18، الإحكام للآمدي 4/175، نهاية الوصول للهندي 8/3816، تقريب الوصول ص 422، الإبهاج 3/252.
(2)
ما بين المعقوفين في ق: ((فقال بوقوعه)) .
(3)
انظر النسبة إليه في: المحصول للرازي 6/7، السراج الوهاج للجاربردي 2/1068، تشنيف المسامع 4/578 وهذا رأي جماهير الأصوليين، انظر: شرح اللمع للشيرازي 2/1091، التلخيص 3/399، المنخول ص 468، التمهيد لأبي الخطاب 3/412، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2/91. وقد حرَّر المصنف في كتابه: نفائس الأصول (9/3806) محل الخلاف، فحصره في الفتاوى، أما اجتهاده صلى الله عليه وسلم في الأقضية وفصل الخصومات فيجوز بلا نزاع. وانظر أيضاً: التوضيح لحلولو ص 389، الآيات البينات للعبادي 4/344، سلم الوصول للمطيعي بحاشية نهاية السول للإسنوي 4/533. لكن الزركشي في البحر المحيط (8/51) نازع في هذه الدعوى. وانظر: التقرير والتحبير 3/401.
(4)
انظر النسبة إليه في: ميزان الأصول للسمرقندي 2/678، كشف الأسرار للبخاري 3/246، تيسير التحرير 4/185. ومذهب أكثر الحنفية جواز اجتهاده إن انقطع طمعه في الوحي وخاف فوات الوقت. انظر: أصول السرخسي 2/91، المغني للخبازي ص264، التقرير والتحبير 3/394.
(5)
انظر النسبة إليهما في: شرح العمد 2/348، المعتمد 2/210، 240. وهو مذهب أكثر المعتزلة. ومن المانعين أيضاً ابن حزم في: الإحكام 2/125.
(6)
النجم، الآية:4.
(7)
ساقطة من متن هـ.
(8)
ومنهم من حكي الإجماع على ذلك..انظر: البحر المحيط للزركشي 8/247، التوضيح لحلولو ص389، شرح الكوكب المنير 4/474
(9)
انظر: المحصول 6/7، وانظر: نهاية السول للإسنوي 4/531. وهناك كتاب مستقل في هذه المسألة، عنوانه: اجتهاد الرسول صلى الله عليه وسلم للدكتورة نادية العمري
وأما وقوع الاجتهاد في زمانه عليه الصلاة والسلام من غيره فقيل (1) : هو (2) جائز عقلاً في الحاضر عنده عليه الصلاة والسلام والغائب عنه (3)، فقد قال له* معاذ ابن جبل: أجْتَهدُ رأيي (4) .
الشرح
حجة كونه عليه الصلاة والسلام كان يجتهد: ما رُوِي أنه عليه الصلاة والسلام لما قال في تحريم مكة: ((لا يُعْضَد شجرُها ولا يُخْتَلى خَلَاها)) : فقال له العباس: إلا الإِذخِر يا رسول الله، فإنَّا نحتاجه لدوابِّنا، فقال:((إلا الإِذْخِر)) (5) وهذا يدل على أنه لما بيّن له الحاجة إليه أباحه بالاجتهاد للمصلحة.
(1) ساقطة من ق، وفي متن هـ:((فعليلٌ)) وهو محتمل إذا كان المراد أن الخوض في هذه المسألة لا ثمرة له، كما سيظهر في هامش (3) من هذه الصفحة.
(2)
في متن هـ: ((وهو)) وهي مستقيمة بما جاءت في سياقه، وفي ق:((فهو)) .
(3)
اقتصر المصنف في مسألة حكم اجتهاد غير النبي صلى الله عليه وسلم في حياته على قولٍ واحد، وهو الجواز مطلقاً في حضرته وغيبته، بإذنه وبدونه. أما القول الثاني فهو: المنع مطلقاً. والثالث: الجواز للغائب من الولاة والقضاة، والرابع: الجواز للغائب مطلقاً. والخامس: الجواز للغائب مطلقاً، وللحاضر بإذنه. والسادس: الوقف. انظر: المستصفى 2/390، الوصول لابن برهان 2/376، الإحكام للآمدي 4/175، شرح مختصر الروضة 3/589، تشنيف المسامع 4/580، التوضيح لحلولو ص390، تيسير التحرير 4/191، نشر البنود 2/320 قال الرازي في المحصول 6/18:((الخوض فيه قليل الفائدة؛ لأنه لا ثمرة له في الفقه)) .
(4)
سلف تخريجه في هامش (1) ص (38) .
(5)
أخرجه البخاري في صحيحه (1349، 1833) ، ومسلم (1353، 1355) وغيرهما من حديث أبي هريرة وابن عباس رضي الله عنهم. لكن لم أجدْ في جميع ما وقفت عليه من الروايات لفظ ((لدوابِّنا)) ، بل الموجود فيها:((لقبورنا وبيوتنا)) البخاري (2434) ، أو ((لِقَيْنهم وبيوتهم)) البخاري (1834)، أو ((لصاغتنا وقبورنا)) البخاري (1833) . والإِذخر: نَبْتٌ معروف عند أهل مكة، له أصل مُنْدفن وقُضْبان رِقَاقٌ، ينبت في السَّهْل والحزْن، تُسْقَف به البيوت بين الخشب، ويسدُّون به الخلل بين اللَّبنات في القبور، ويحتاج إليه القَيْن (الحدَّاد) والصائغ في وقود النار. انظر: شرح صحيح مسلم للنووي 9/108، فتح الباري لابن حجر 4/60. والخَلَا: هو الرَّطْب من النبات، أي: العُشب، واخْتِلاؤه: قَطْعه واحتشاؤه. انظر: فتح الباري لابن حجر 4/60. يُعْضَد: يُقْطَع. انظر: مختار الصحاح مادة "عضد"
وكذلك ما أنشدَتْه المرأة لمَّا قَتَل أخاها (1) :
أَمحمَّدٌ والنَّجْلُ نَجْلُ كريمةٍ (2) في قومها والفَحْلُ فَحْلٌ مُعْرِقُ (3)
ما كان ضرَّك لو مَنَنْتَ (4) ورُبَّما مَنَّ الفتى وهو المَغِيْظُ المُحْنَقُ (5)
فقال عليه الصلاة والسلام ((لو سمعتُ شِعْرها قبْل قَتْلِه ما قَتَلْتُه)) (6) ، وهذا يدل على الاجتهاد.
(1) المرأة هي: قُتَيلْةَ بنت النَّضْر بن الحارث القرشية العبدرية. وقيل: قُتيلة بنت الحارث، والنَّضر هو أخوها، والصواب الأول، وأنها ترثي أباها لما قُتِل في أعقات غزوة بدر، فقد كان شديد الإيذاء للرسول صلى الله عليه وسلم قيل: إنها أسلمت وصارت صحابية. انظر: سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد للصالحي الشامي 4/63، الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر 4/457، الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر8/285.
(2)
هكذا جاء المصراع الأول من البيت في جميع النسخ ما عدا النسختين م، ز ففيهما: أمحمدٌ يا خير بَطْنِ كريمةٍ. ولم أجده فيما وقفتُ عليه بهذه الألفاظ. وإنما الذي وجدته: أمحمدٌ يا خير ضَنْءِ كريمةٍ. انظر: السيرة النبوية لابن هشام (3/63)، والضَّنْءِ: بالفتح والكسر، الولد. انظر: لسان العرب مادة "ضنأ". وكذلك: أمحمدٌ ولأنْتَ نجلُ نجيبةٍ. انظر: شرح ديوان الحماسة لأبي علي المرزوقي 2/966. والنَّجْل: النَّسل. مختار الصحاح مادة "نجل "، ونجيبة: كريمة. مختار الصحاح مادة "نجب "، وكذلك: أمحمدٌ ولأنْتَ نَسْلُ نجيبةٍ. انظر: الأغاني للأصفهاني 1/30، وكذلك: أمحمدٌ ولأنْتَ صِنْوُ نجيبةٍ. انظر: تهذيب الأسماء واللغات للنووي 2/427، والمراد بالصِّنْو هنا: الابن، انظر: لسان العرب مادة "صنا". وكذلك: أمحمدٌ وَلَدَتْك خيرُ نجيبةٍ. انظر: الاستيعاب لابن عبد البر 4/458، وكذلك: أمحمدٌ ولأنْتَ ضِنْءُ نجيبةٍ. انظر: معجم البلدان 1/94، شرح ديوان الحماسة للتبريزي 3/15وكذلك: أمحمدٌ ها أنت ضِنْءُ نجيبةٍ. انظر: البيان والتبيين للجاحظ 4/44 وكذلك: أمحمدٌ أَوَ لَسْتَ ضنء نجيبة. انظر: السيرة الحلبية 2/186
(3)
البيت من البحر الكامل. والفَحْل: الذَّكَر من كل حيوان. لسان العرب مادة "فحل "، مُعْرِق: أي عريق النَّسَب أصيل. النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير مادة "عرق ".
(4)
في ق: ((عفوت)) .
(5)
المَغِيْظ: اسم مفعول من غاظ، والغَيْظ: فوق الغضب. المُحْنَق: اسم مفعول من أحنق، والحَنَق: شدة الاغتياظ. انظر: لسان العرب مادة "حنق ". ومعنى البيتين: يا محمدُ أنت كريم الطرفين والنسب من جهة العمومة والخؤولة، فأيُّ شيء يضرك لو عفوت، فإن الفتى وإن كان مُغْضَباً منطوياً على حَنَقٍ وعداوة قد يَمُنُّ ويصفح. انظر: شرح ديوان الحماسة للمرزوقي 2/967
(6)
جاء في الاستيعاب لابن عبد البر 4/458 في رواية عبد الله بن إدريس: فلما بلغ رسول الله ذلك بكى حتى اخضلَّت لحيته، وقال ((لو بلغني شِعْرها قبل أن أقتله لعفوت عنه)) . ورواية الزبير بن بَكَّار: فَرَقَّ صلى الله عليه وسلم حتى دَمعت عيناه، وقال لأبي بكر:((يا أبا بكر، لو كنتُ سمعتُ شعرها ما قتلت أباها)) . قال الزبير: سمعت بعض أهل العلم يغمز أبياتها هذه، ويذكر: أنها مصنوعة)) وقال ابن الملقِّن في: غاية مأمول الراغب في معرفة أحاديث ابن الحاجب (ورقة 38 أ)((لم يثبت لنا بإسنادٍ صحيحٍ)) .
وحُكْم سَعْدٍ في بني قُرَيْظة (1) ،
فحَكَم بأن تُقْتَل مقاتِلتُهم وتُسْبَى ذَرَارِيْهم (2) ، وما جُعِل لغيره أن يفعله فله هو (3) عليه الصلاة والسلام أن يفعله؛ لأن* الأصل مساواة أمته له في الأحكام إلا ما دل الدليل على تخصيصه من ذلك.
ويرد على الكلِّ أن هذه الصور (4) يجوز أن [تقارنها نصوص](5) نَزَلتْ فيها، أو تقدَّمتْها نصوص بأن يُوحى إليه (6) : إذا كان كذا فافعلْ كذا، وحينئذٍ هي بالوحي
لا بالاجتهاد.
حجة القول بالفرق بين الحروب فيجوز: أنَّ الحروب أمرُها على الفَوْر؛ لعظم المفسدة في التأخير من جهة استيلاء (7) العدوِّ، فيُفَوَّض إليه، وقضية (8)[سعد بن](9) معاذ تدل عليه، والأحكام يجوز التراخي فيها، فلا يُجْتَهد فيها.
(1) ومن العلماء من وجَّه هذا القول بأن كلامه صلى الله عليه وسلم هذا ليس معناه الندم، لأنه لا يقول ولا يفعل إلا حقاً، والحق لا يُنْدم على فعله، ولكن معناه: لو شَفَعت هذه المرأة عندي بهذا القول لقبلتُ شفاعتها ولا سيما الاستعطاف بالشعر، فإن مكارم الأخلاق تقتضي إجازةَ الشاعر وتبليغَه قصده. انظر: سبل الهدى والرشاد للصالحي الشامي 4/63، 87، شرح الزرقاني على المواهب اللدنية للقسطلاني 1/450
(
) بنو قريظة: حيٌّ من اليهود، وهم والنضير قبيلتان من يهود خيبر، وقد دخلوا في العرب على نسبهم إلى هارون عليه السلام، وكانوا يسكنون في ضواحي المدينة. انظر: التاريخ لليعقوبي 2/52، لسان العرب مادة " قرظ ".
(2)
حكْم سعد بن معاذ رضي الله عنه في بني قريظة أخرجه البخاري (3043، 4122) ومسلم (1768) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. وانظر: السيرة النبوية لابن هشام 3/331
(3)
ساقطة من ق
(4)
في ق: ((الصورة)) والواقع أنها صورٌ عديدة
(5)
في ق: ((يقارنها بنصوص)) .
(6)
ساقطة من س
(7)
ساقطة من س
(8)
في ق: ((قصة)) .
(9)
ساقط من ق، ن، وهو سقطٌ مُخِلٌّ.
والجواب: أن المفسدة تَنْدفع (1) بتقدِّم (2) نصوصٍ (3) في مثل هذه الصور (4)، ويقال له: إذا وقع كذا فافعل كذا، ولا اجتهاد حينئذٍ.
ويظهر مِنْ تعارُض هذه المدارك حجة التوقف.
(1) في س: ((ترفع)) ، وفي ق:((تتوقع)) .
(2)
ساقطة من ق
(3)
في ق: ((بنصوص)) .
(4)
في ق: ((الصورة)) .