الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكم التعليل بالعدم
ص: والثالث: يجوز التعليل بالعدم خلافاً لبعض الفقهاء، فإنَّ عدم العلة علةٌ لعدم المعلول (1) .
الشرح
حجة المنع: أن (2) العدم نفي (3) محض لا تمييز فيه، [وما لا تمييز فيه](4) لا يمكن (5) جعله علة، فإن العلة فرع التمييز.
(1) التعليل بالنظر إلى ما يُعلَّل به - باعتبار الوجودي والعدمي - لا يخرج عن أربع صور، الأولى: تعليل الحكم الوجودي (الثبوتي) بالوصف الوجودي، مثل تعليل تحريم الخمر بعلة الإسكار، أو ثبوت الربا بعلة الطعم. الثانية: تعليل الحكم العدمي بالوصف العدمي، مثل: تعليل عدم نفاذ تصرف المجنون بعلة عدم العقل، أو عدم صحة البيع لعدم الرضا. فهاتان الصورتان حُكِي الإجماع على جوازهما، أما الأولى
فنعم، وأما الثانية فنُقل عن الحنفية مَنْعُهم من التعليل بالعدم مطلقاً. انظر: أصول السرخسي 2 / 230، المحصول للرازي 5 / 283، نهاية الوصول للهندي 8 / 3491، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب
2 / 214، التقرير والتحبير 3 / 222، فتح الغفار 3 / 23.
الصورة الثالثة: تعليل الحكم العدمي بالوصف الثبوتي، وهو ما يسمّيه الفقهاء: بالتعليل بالمانع كتعليل عدم وجوب الزكاة بثبوت الدين، وتعليل عدم نفاذ التصرف بالإسراف أو السفه. اختلفوا فيه، هل من شرطه وجود المقتضي أم لا؟ وادَّعى الزركشي في البحر المحيط (7 / 189) الاتفاق على جوازه. وستأتي هذه الصورة عند المصنف في النوع الحادي عشر ص (384) .
الصورة الرابعة: تعليل الحكم الوجودي بالوصف العدمي، كما سماها المصنف هنا " التعليل
بالعدم "، كتعليل استقرار الملك لعدم الفسخ في زمن الخيار، وكتحريم الذبيحة لعدم التسمية، وتعليل إجبار البكر على الزواج لعدم الثيوبة. هذه الصورة وقع فيها النزاع على قولين: جواز التعليل وهو للجمهور، وعدم الجواز وهو للأحناف ومختار الآمدي وابن الحاجب وابن السبكي وغيرهم. انظر المسألة في: شرح اللمع للشيرازي 2 / 840، التمهيد لأبي الخطاب 4 / 48، المعالم للرازي ص 170، الإحكام للآمدي 3 / 206، منتهى السول والأمل ص 169، المسودة ص 418، مفتاح الوصول
ص 673، جمع الجوامع بحاشية البناني 2 / 240، التوضيح لحلولو ص 359، تيسير التحرير 4 / 3، فواتح الرحموت 2 / 334، نشر البنود 2 / 129.
(2)
هذا الدليل الأول.
(3)
في ق: ((بقي)) وهو تحريف.
(4)
ساقطة من ق.
(5)
في ن: ((يمكنه)) وهو تحريف.
ولأن (1) العلة وصف وجودي؛ لأنها نقيض [أن لا عليَّة](2) المحمولةِ على العدم و (3)((لا عليَّة)) عَدَمٌ، فتكون العلة (4) وجودية (5) ، والصفة الوجودية لا تقوم بالعدم ولا المعدوم، وإلا لزمنا الشكُّ في وجود الأجسام؛ لأنا لا نرى من العالم إلا أعراضه، فإذا جوَّزنا قيام الصفات الوجودية بالمعدوم، جوَّزنا أن تكون هذه الألوان قائمة بالمعدوم فلا يوجد شيءٌ من أجزاء العالم، وهو خلاف الضرورة.
والجواب عن الأول: أن العدم* الذي يقع (6) التعليل** به لابد أن يكون عدم شيءٍ بعينه، فهو عَدَمٌ متميِّزٌ فيصح التعليل به، كما تقول عدم علة التحريم علة الإباحة في جميع موارد الشريعة؛ لأن الإسكار علة التحريم والتنجيس، فإذا عُدِم ثَبَت التطهيرُ والإباحة. وعن الثاني: قولنا " لا عليّة "، حَرْف سَلْبٍ دخل على اسم سَلْبٍ؛ لأن العليَّة عندنا نِسْبة وإضافة (7) ، والنسب والإضافات عدمية عندنا، والسلب
(1) هذا الدليل الثاني.
(2)
في ن: ((لا علة)) .
(3)
هنا زيادة: ((أن)) في ق، ولا داعي لها.
(4)
في س: ((العلية)) .
(5)
في ن: ((وجود)) وهو خطأ نحوي، لأنه خبر كان ولنقص الحروف.
(6)
في ن: ((يقوم)) .
(7)
النِّسَب والإضافات سيشير إليها المصنف في شرحه للمتن التالي، وهي أمور اعتبارية عدمية لا وجودية، والنسبة والإضافة من باب عطف الخاص على العام؛ لأن الإضافة من أقسام النسبة. والمراد بالنسبة هنا: أن يكون الشيء لا يُعْقل إلا بالقياس إلى غيره. وهي سبع في المشهور: الإضافة، والأين، والمتى، والوَضْع، والمِلْكِ، والفعل، والانفعال. وقد جاءت في المقولات العشر: الجوهر، والكم، والكيف، والسبع المذكورة سلفاً، جاءت على الترتيب في هذين البيتين:
زيدُ الطويلُ الأزرقُ ابنُ مالكِ *في بيتِهِ بالأمسِ كان مُتَّكِي
بيدهِ غُصْنٌ لواه فالْتَوَى* فهذه عَشْرُ مقولاتٍ سَوَا
والإضافة: هي النسبة العارضة للشيء بالقياس إلى نسبةٍ أخرى لا تُعْقل إحداهما إلا مع الأخرى، كالأبوة والبنوة وتسمى بالمتضايفين. انظر: المُبين في شرح معاني ألفاظ الحكماء والمتكلمين للآمدي
ص 112، طوالع الأنوار من مطالع الأنظار للبيضاوي ص 187، تسهيل المنطق ص 26، شرح المحلِّي لجمع الجوامع بحاشية البناني 2 / 427، تشنيف المسامع 4 / 887.
أما وجه كون " العلية " نسبة إضافية عدمية، فلأنها معنىً وعَرَضٌ لا تكون إلا بمعلولٍ، ولا تعقل بدونه. والله أعلم.