الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَنَظَرَ إِلَى جُرْحِهِ، ونَفَثَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (1).
وَظَلَّ المُسْلِمُونَ يَتْبَعُونَ الكُفَّارَ حَتَّى تَفَرَّقُوا فِي كُلِّ وَجْهٍ، لَا يَلْوِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَأَسْلَمَ عِنْدَ ذَلِكَ نَاسٌ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ -وَهُمُ الطُّلَقَاءُ- لِمَا رَأَوْا مِنْ نَصْرِ اللَّهِ عز وجل لِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، وأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي يَوْمِ حُنَيْنٍ قَوْلَهُ تَعَالَى:{لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ} (2).
وَهَكَذَا انهزَمَ الكُفَّارُ هزِيمَةً مُنْكَرَةً، وَغَنِمَ المُسْلِمُونَ نِسَاءَهُمْ وَذَرَارِيهِمْ وَأَنْعَامَهُمْ.
*
مُطَارَدَةُ الكُفَّارِ وَسَرِيَّةُ أَبِي عَامِرٍ رضي الله عنه إَلى أَوْطَاسٍ:
وَكَانَ سَبَبُهَا أَنَّ هَوَازِنَ لَمَّا انْهَزَمَتْ ذَهَبَتْ فِرْقَةٌ مِنْهُمْ فِيهِمْ رَئِيسُهُم مَالِكُ بنُ عَوْفٍ النَّصرِيُّ، فَلَجَؤُوا إِلَى الطَّائِفِ، فَتَحَصَّنُوا بِهَا، وَسَارَتْ فِرقَةٌ، فَعَسْكَرُوا بِمَكَانٍ يُقَالُ لَهُ أَوْطَاسٍ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَيْهِم سَرِيَّةً مِنْ أَصْحَابِهِ بِقِيَادَةِ أَبِي عَامِرٍ الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه، وَهُوَ عَمُّ (3) أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رحمه الله،
(1) أخرجه ابن حبان في صحيحه - كتاب إخباره صلى الله عليه وسلم عن مناقب الصحابة - باب ذكر خالد بن الوليد رضي الله عنه رقم الحديث (7090).
(2)
سورة التوبة آية (25 - 26).
(3)
وقع عند ابن إسحاق في السيرة (4/ 105): ابن عمه.
فَقَدْ أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا فَرَغَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ حُنَيْنٍ بَعَثَ أَبَا عَامِرٍ عَلَى جَيْشٍ إِلَى أَوْطَاسٍ، فَلَقِيَ دُرَيْدَ بنَ الصِّمَّةِ فَقُتِلَ (1) دُرَيْدٌ، وهزَمَ اللَّه أَصحَابَهُ، قَالَ أَبُو مُوسَى رضي الله عنه: وَبَعَثَنِي مَعَ أَبِي عَامِرٍ فَرُمِيَ أَبُو عَامِرٍ فِي رُكْبَتِهِ، رَمَاهُ جُشَمِيٌّ (2) بِسَهْمٍ فَأَثْبَتَهُ فِي رُكْبَتِهِ، فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا عَمِّ مَنْ رَمَاكَ؟ .
فَأَشَارَ إِلَى أَبِي مُوسَى، فَقَالَ: ذَاكَ قَاتِلِي الذِي رَمَانِي، فَقَصَدْتُ لَهُ فَلَحِقْتُهُ، فَلَمَّا رَآنِي وَلَّى فَاتَّبَعْتُهُ، وَجَعَلْتُ أَقُولُ لَهُ: أَلَا تَسْتَحِي أَلَّا تَثْبُتَ، فَكَفَّ، فَاخْتَلَفْنَا ضَربَتَيْنِ بِالسَّيْفِ فَقَتَلْتُهُ، ثُمَّ رَجَعتُ إِلَى أَبِي عَامِرٍ، فَقُلْتُ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ قَتَلَ صَاحِبَكَ، قَالَ: فَانْزِعْ هَذَا السَّهْمَ، فنَزْعْتُهُ فَنَزَا (3) مِنْهُ المَاءُ، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، انْطَلِقْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ، وَقُلْ لَهُ: يَقُولُ لَكَ أَبُو عَامِرٍ: اسْتَغْفِر لِي.
قَالَ أَبُو مُوسَى رضي الله عنه: وَاسْتَعمَلَنِي أَبُو عَامِرٍ عَلَى النَّاسِ، ومَكَثَ يَسِيرًا، ثُمَّ إنَّه مَاتَ، فَلَمَّا مَاتَ رَجَعْتُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، وَهُوَ فِي بَيْتٍ عَلَى
= قَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ (8/ 362) والأول -أي رواية الشيخين في صحيحيهما- أشهر.
(1)
اختلف في قاتِلِ دُرَيد بن الصِّمَّة: فعند ابن إسحاق في السيرة (4/ 103): أنه ربيعة بن رفيع السُلمي.
وأورد الحافظ في الفتح (8/ 362): بأن قاتله هو الزبير بن العوام رضي الله عنه، وساق الحديث، وقد رواه البزار بإسناد حسن، وهو الصحيح.
(2)
قَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ (8/ 363): جُشمي: بضم الجيم وفتح الشين: أي رجل من جُشم.
(3)
قَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ (8/ 363): فنزا: أي انصب.
سَرِيرٍ مُرمِلٍ (1)، وَعَلْيِه فِرَاشٌ، وَقَدْ أَثَّرَ رِمَالُ السَّرِيرِ بِظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وجَنْبَيْهِ، فَأَخْبَرتَهُ بِخَبَرِنَا وَخَبَرِ أَبِي عَامِرٍ، وقُلْتُ له: قَالَ: قُلْ له يَسْتَغْفِر لِي، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَاءٍ فتَوَضَّأَ مِنْهُ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:"اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعبيْدٍ، أَبِي عَامِرٍ" حَتَّى رَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:"اللَّهُمَّ! اجْعَلْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ فَوْقَ كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ مِنَ النَّاسِ"، فَقُلْتُ: وَلي يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَاسْتَغْفِرْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِ اللَّهِ بنِ قَيْسٍ ذَنْبَهُ، وَأَدْخِلْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مُدْخَلًا كَرِيمًا"(2).
* قِصَّةُ سَهْلِ بنِ حُنَيفٍ (3) رضي الله عنه:
رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَابْنُ حِبَّانَ وَالحَاكِمُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بنِ سَهْلِ بنِ حُنَيْفٍ قَالَ: اغْتَسَلَ أَبِي سَهْلُ بنُ حُنَيْفٍ، فنَزَعَ جُبَّةً كَانَتْ عليه يَوْمَ حُنَيْنٍ حِينَ هزَمَ اللَّهُ العَدُوَّ، وَكَانَ رَجُلًا أَبْيَضَ، حَسَنَ الجِسْمِ وَالجِلْدِ، إِلَيْهِ عَامِرُ بنُ رَبِيعَةَ أَخُو بَنِي عَدِيِّ بنِ كَعْبٍ، وَهُوَ يَغْتَسِلُ، فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ كَاليَوْمِ قَطُّ، وَلَا جَارِيَةً فِي سِتْرِها بِأَحْسَنَ جَسَدًا مِنْ جَسَدِ سَهْلِ بنِ حُنَيْفٍ (4)،
(1) مُرْمل: أي معمول بالرمال، وهي حبال الحصر، ولم يكن على السرير وِطاء سوى الحصير. انظر فتح الباري (8/ 363) - النهاية (2/ 241).
(2)
أخرج ذلك البخاري في صحيحه - كتاب المغازي - باب غزوة أوطاس - رقم الحديث (4323) - وأخرجه مسلم في صحيحه - كتاب فضائل الصحابة - باب من فضائل أبي موسى وأبي عامر الأشعري رضي الله عنهما رقم الحديث (2498).
(3)
حُنيف: بضم الحاء.
(4)
في رواية ابن حبان في صحيحه: ما رأيت كاليوم ولا جلد عذراء.
فوُعِكَ (1) سَهْلٌ مَكَانَهُ، وَاشْتَدَّ وَعْكُهُ، فَأتيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَخْبَرَهُ أَنَّ سَهْلَ بنَ حُنَيْفٍ وُعِكَ، وَإِنَّهُ غَيْرُ رَائِحٍ مَعَكَ، فَأتاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَخْبَرُوهُ بِالذِي كَانَ مِنْ شَأْنِ عَامِرِ بنِ رَبِيعَةَ.
وَفِي رِوَايَةِ الإِمَامِ أَحْمَدَ فِي مُسْنَدِهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "هَلْ تَتَّهِمُونَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ؟ ".
قَالُوا: نَظَرَ إِلَيْهِ عَامِرُ بنُ رَبِيعَةَ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامِرًا، فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ، وَقَالَ:"عَلَام يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ؟ هلَّا إِذَا رَأَيْتَ مَا يُعْجِبُكَ بَرَّكْتَ؟ إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ شَيْئًا يُعجِبُهُ، فَلْيُبَرِّكْ، فَإِنَّ العَيْنَ حَقٌّ".
ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِعَامِرِ بنِ رَبِيعَةَ: "اغْتَسِلْ لَهُ".
فَغَسَلَ وَجْههُ وَيَدَيْهِ، وَمِرفَقَيْهِ، وَرُكْبَتَيْهِ، وَأَطْرَافَ رِجْلَيْهِ، وَدَاخِلَةَ إِزَارِهِ فِي قَدَحٍ، ثُمَّ صُبَّ ذَلِكَ المَاءُ عَلَى سَهْلِ بنِ حُنَيْفٍ، يَصُبُّهُ رَجُلٌ عَلَى رَأْسِهِ وَظَهْرِهِ مِنْ خَلْفِهِ، فَرَاحَ سَهْلٌ مَعَ النَّاسِ، لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ (2).
(1) الوَعْك: الحُمى. انظر النهاية (5/ 179). وفي رواية الإمام أحمد في مسنده: فَلُبِطَ بسهل.
لُبِطَ: بضم اللام وكسر الباء: أي صُرع وسقط إلى الأرض. انظر النهاية (4/ 196).
(2)
أخرجه الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (15980) - وابن حبان في صحيحه - كتاب الرقى والتمائم - رقم الحديث (6105)(6106) - والحاكم في المستدرك - كتاب معرفة الصحابة - باب وعك سهل لعين عامر بن ربيعة - رقم الحديث (5797).