الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السَّنَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ لِلْهِجْرَةِ
بَعْثُ أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ رضي الله عنهما إِلَى البَلْقَاءِ
فِي يَوْمِ الِاثْنينِ لِأَرْبَعِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ صَفَرٍ مِنَ السَّنَةِ الْحَادِيَةِ عَشْرَةَ لِلْهِجْرَةِ، نَدَبَ (1) رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ لِغَزْوِ الرُّومِ، وَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ رضي الله عنهما، وَكَانَ عُمْرُهُ ثَمَانِ عَشْرَةَ سَنَةً (2)، وَأَمَّرَهُ عَلَى هَذَا الْجَيْشِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُوطِئَ الْخَيْلَ الْبَلْقَاءَ مِنْ أَرْضِ فِلِسْطِينَ فَقَالَ لَهُ:"سِرْ إِلَى مَوْضعِ مَقْتَلِ أَبِيكَ فَأَوْطِئْهُمُ الْخَيْلَ، فَقَدْ وَلَّيْتُكَ هَذَا الْجَيْشَ، فَأَغِرْ صَبَاحًا عَلَى أَهْلِ أُبْنَى (3) وَحَرِّقْ عَلَيْهِمْ (4)، وَأَسْرعِ السَّيْرَ تَسْبِقِ الْأَخْبَارَ، فَإِنْ ظَفَّرَكَ اللَّهُ فَأقْلِلِ اللَّبْثَ فِيهِمْ، وَخُذْ مَعَكَ الْأَدِلَّاءَ (5)، وَقَدِّمِ الْعُيُونَ (6) وَالطَّلَائِعَ (7) أَمَامَكَ"(8).
(1) يقال: ندبته فانتدب: أي بعثته ودعوته فأجاب. انظر النهاية (5/ 29).
(2)
جزم بذلك الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء (2/ 500): على أن عمره رضي الله عنه كان ثماني عشرة سنة.
(3)
أُبْنَى: بضم الهمزة اسم موضع في فلسطين. انظر النهاية (1/ 22).
(4)
أخرج قوله صلى الله عليه وسلم لأسامه رضي الله عنه: "أغر صباحًا على أهل أُبنى، وحَرّق عليهم".
أبو داود في سننه - كتاب الجهاد - باب في الحرق في بلاد العدو - رقم الحديث (2616) - وابن ماجة في سننه - كتاب الجهاد - باب التحريق بأرض العدو - رقم الحديث (2843) - وأورده ابن الأثير في جامع الإصول- رقم الحديث (1099) - وإسناده ضعيف.
(5)
الْأَدِلَّاءُ: جمع دليل وهو الذي يعرف الطريق. انظر لسان العرب (4/ 394).
(6)
الْعُيون: الجواسيس. انظر النهاية (3/ 299).
(7)
الطَّلائِعُ: هم القوم الذين يُبعثون ليطلعوا طِلْعَ العدو، كالجواسيس، واحدهم طليعة. انظر النهاية (3/ 121).
(8)
انظر الطبقات الكبرى لابن سعد (2/ 345) - سيرة ابن هشام (4/ 262).
فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْأَرْبِعَاءِ بَدَأَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَجَعُهُ الذِي قَبَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ.
فَلَمَّا أَصْبَحَ يَوْمَ الْخَمِيسِ عَقَدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأُسَامَةَ رضي الله عنه لِوَاءً بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ:"اغْزُ بِسْمِ اللَّهِ، فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَاتِلْ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ"، فَخَرَجَ أُسَامَةُ رضي الله عنه بِلِوَائِهِ مَعْقُودًا، فَدَفَعَهُ إِلَى بُرَيْدَةَ بْنِ الْحُصَيْبِ الْأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه، وَعَسْكَرَ بِالْجُرْفِ (1).
وَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنْ وُجُوهِ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ وَالْأَنْصَارِ إِلَّا انْتُدِبَ في تِلْكَ السَّرِيَّةِ، فَكَانَ فِيهِمْ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ، وَقَتَادَةُ بْنُ النُّعْمَانِ، وَسَلَمَةُ بْنُ أَسْلَمَ بْنِ حَرِيشٍ، رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ (2).
وَقَدْ تَكَلَّمَ النَّاسُ فِي إِمْرَةِ أُسَامَةَ رضي الله عنه لِحَدَاثَةِ سِنِّهِ رضي الله عنه، فَلَمَّا بَلَغَ
(1) الجُرْفُ: بضم الجيم موضع قريب من المدينة. انظر النهاية (1/ 254).
وانظر التفاصيل في: طبقات ابن سعد (2/ 345).
(2)
قلت: وقع عند ابن سعد في طبقاته (2/ 345): أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان معهم، وهذا فيه نظر؛ لأن رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أمره أن يُصلي بالناس.
قَالَ الحَافِظُ ابنُ كَثِيرٍ في البداية والنهاية (5/ 234): ومن قال: إن أبا بكر كان فيهم فقد غلط فإن رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اشتد به المرض وجيش أسامة رضي الله عنه مخيم بالجرف، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن يُصلي بالناس كما سيأتي، فكيف يكون في الجيش وهو إمام المسلمين بإذن الرسول صلى الله عليه وسلم من رب العالمين، ولو فرض أنه كان قد انتدب معهم فقد استثناه الشارع من بينهم بالنص عليه للإمامة في الصلاة التي هي أكبر أركان الإِسلام.
رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ قَامَ فِي النَّاسِ خَطِيبًا، وَبَيَّنَ فَضْلَ أُسَامَةَ رضي الله عنه وَأَنَّهُ خَلِيقٌ بِالْإِمَارَةِ كَمَا سَيَأْتِي.
إِلَّا أَنَّ الْأَخْبَارَ الْمُقْلِقَةَ عَنْ مَرَضِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَعَلَتْ أُسَامَةَ رضي الله عنه يَتَرَيَّثُ فِي مُعَسْكَرِهِ بِالجُرْفِ، حَتَّى يَعْرِفَ مَا يَقْضِي اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، وَقَدْ قَضَى اللَّهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا -وَهُوَ جَيْشُ أُسَامَةَ رضي الله عنه أَوَّلُ بَعْثٍ يَنْفُذُ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه.
* * *