الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قِصَّةُ إِسْلامِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ الطَّائِيِّ رضي الله عنه
-
رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالتِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَتْ خَيْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَوْ قَالَ: رُسُلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَخَرَجْتُ حَتَّى كُنْتُ فِي أَقْصَى الْأَرْضِ مِمَّا يَلِي الرُّومَ، فَأَخَذُوا عَمَّتِي (1) وَنَاسًا، فَلَمَّا أَتَوْا بِهِمْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَصُفُّوا لَهُ، قَالَتْ عَمَّتِي: يَا رَسُولَ اللَّهِ! نَأَى (2) الْوَافِدُ، وَانْقَطَعَ الْوَلَدُ، وَأَنَا عَجُوزٌ كَبِيرَةٌ، مَا بِي مِنْ خِدْمَةٍ، فَمُنَّ عَلَيَّ، مَنَّ اللَّهُ عَلَيْكَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ وَافِدُكِ؟ "، قَالَتْ: عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ.
قَالَ صلى الله عليه وسلم: "الذِي فَرَّ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولهِ؟ ".
قَالَتْ: فَمُنَّ عَلَيَّ، قَالَتْ: فَلَمَّا رَجَعَ وَرَجُلٌ إِلَى جَنْبِهِ، تُرَى أَّنَّهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه، قَالَ: سَلِيهِ حُمْلَانًا، فَسَأَلتْهُ، فَأَمَرَ لَهَا، قَالَتْ: فَانْطَلَقْتُ حَتَّى أَتَيْتُ عَدِيًّا، وَقُلْتُ لَهُ: لقَدْ فَعَلْتَ فَعْلَةً مَا كَانَ أَبُوكَ يَفْعَلُهَا (3)، فَأْتِهِ -أَي ائْتَ
(1) هذه رواية الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (19381) - وابن حبان في صحيحه - رقم الحديث (7206).
وفي رواية ابن إسحاق في السيرة (2/ 234): ابنة حاتم الطائي -أي أخت عدي-.
(2)
نَأَى: أي بَعُدَ. انظر لسان العرب (7/ 14).
(3)
الفعلة التي فعلها هو أنه فَرَّ، ولم يأخذ أهله معه.
رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَاغِبًا أَوْ رَاهِبًا، فَقَدْ أَتَاهُ فُلَانٌ، فَأَصَابَ مِنْهُ، وَأَتَاهُ فُلَانٌ، فَأَصَابَ مِنْهُ.
قَالَ عَدِيٌّ: فَذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ، اسْتَشْرَفَ لِيَ النَّاسُ، وَقَالُوا: جَاءَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ، جَاءَ عَدْيُّ بْنُ حَاتِمٍ، فَلَمَّا أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ لِي:"يَا عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ! مَا أَفرَّكَ (1) أَنْ يُقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟ فَهَلْ مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ؟ ، مَا أَفَرَّكَ أَنْ يُقَالَ: اللَّهُ أَكْبَر؟ فَهَلْ مِنْ شَيْءٍ أَكْبَرُ مِنَ اللَّهِ؟ ، يَا عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ" ثَلَاثًا.
قُلْتُ: إِنِّي عَلَى دِينٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"أنَّا أَعْلَمُ بِدِينِكَ مِنْكَ".
فَقُلْتُ: أَنْتَ أَعْلَمُ بِدِينِي مِنِّي؟ ! .
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "نَعَمْ، أَلَسْتَ مِنَ الرَّكُوسِيَّةِ (2)، وَأَنْتَ تَأْكُلُ مِرْبَاعَ (3) قَوْمِكَ؟ ".
قُلْتُ: بَلَى، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"فَإِنَّ هَذَا لَا يَحِلُّ لَكَ فِي دِينِكَ".
قَالَ عَدِيٌّ: فَلَمْ يَعْدُ أَنْ قَالَهَا، فتَضَعْضَعْتُ (4) لِذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
(1) أَفْرَرْتَ الرَّجُلَ: إذا فعلتَ به فِعْلًا يَفِرُّ منك لأجله، أي: ما يُهْرِبُكَ منَ الإسلامِ؟ . انظر جامع الأصول (9/ 112).
(2)
الرَّكُوسِيَّةُ: هو دِينٌ بين النَّصَارى والصَّابِئِينَ. انظر النهاية (2/ 235).
(3)
الْمِرْبَاعُ: كان الملك في الجاهلية يأخذ الرُّبع من الغنيمة في الجاهلية دون أصحابه، ويُسمى ذلك الربع: الْمِرْبَاعَ. انظر النهاية (2/ 171).
(4)
تَضَعْضَعَ: خَضَعَ وذَلَّ. انظر النهاية (3/ 81). وفي رواية الإمام أحمد في مسنده: فتواضعت.
-صلى الله عليه وسلم: "أَمَا إِنِّي أَعْلَمُ مَا الذِي يَمْنَعُكَ مِنَ الْإِسْلَامِ، تَقُولُ: إِنَّمَا اتَّبَعَهُ ضَعَفَةُ النَّاسِ، وَمَنْ لَا قُوَّةَ لَهُ، وَقَدْ رَمَتْهُمُ الْعَرَبُ، أَتَعْرِفُ الْحِيرَةَ؟ "(1).
قُلْتُ: لَمْ أَرَهَا، وَقَدْ سَمِعْتُ بِهَا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"فَوَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيُتَمَّنَّ اللَّهُ هَذَا الْأَمْرَ (2) حَتَّى تَخْرُجَ الظَّعِينَةُ (3) مِنَ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْبَيْتِ فِي غَيْرِ جِوَارِ أَحَدٍ، وَلَيُفْتَحَنَّ كُنُوزَ كسْرَى بْنِ هُرْمُزَ".
فَقَالَ عَدِيٌّ: كِسْرَى بْنُ هُرْمُزَ؟ ! .
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "نَعَمْ، كسْرَى بْنُ هُرْمُزَ، وَلَيُبَذَلَنَّ الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلُهُ أَحَدٌ"(4).
(1) الْحِيرَةُ: بكسر الحاء: البَلَدُ القديمُ بظهرِ الكوفة، ومحلة معروفة بنيسابور. انظر النهاية (1/ 448).
(2)
المقصود بالأمر هنا: الإسلام، أي سينتشر الإسلام انتشارًا واسعًا في الأرض.
(3)
الظَّعينة: المرأة. انظر النهاية (3/ 143).
(4)
قَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ (7/ 319): أي لعدم الفقراء في ذلك الزمان، وقد تقدم في الزكاة -من صحيح البخاري- قول من قال: إن ذلك عند نزول عيسى ابن مريم عليه السلام، ويحتمل أن يكون ذلك إشارة إلى ما وقع في زمن عمر بن عبد العزيز، وبذلك جزم البيهقي في الدلائل (6/ 323) عن عمر بن أسيد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب قال: إنما ولي عمر بن عبد العزيز، ثلاثين شهرًا، ألا واللَّه ما مات حتى جعل الرجل يأتيه بالمال العظيم، فيقول: اجعلوا هذا حيث ترون في الفقراء، فما برح حتى يرجع بالمال، يتذكر من يضعه فيه، فلا يجده، وقد أغنى عمر الناس.
قال الحافظ: ولا شك في رجحان هذا الاحتمال على الأول، لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث:"ولئن طالت بك حياة" -وهي رواية البخاري في صحيحه.