الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
31 - باب في المزارعة
3389 -
حدَّثنا محمدُ بن كثيرٍ، أخبرنا سفيانُ، عن عَمرو بن دينارٍ، قال:
سمعتُ ابن عُمر يقول: ما كنَّا نرى بالمُزَارعة بأساً، حتى سمعتُ رافعَ بن خَديج يقول: إن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها، فذكرتُه لطاووسِ فقال: قال ابنُ عباسِ: إن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لم يَنْهَ عنها، ولكن قال:"لأن يمنحَ أحدُكم أرضَه خيرٌ من أن يأخذ خَراجاً مَعلوماً"
(1)
.
= فأما شركة المفاوضة، فهي عند الشافعي رضي الله عنه فاسدة، ووافقه في ذلك أحمد وإسحاق وأبو ثور وجوزها الثوري وأصحاب الرأي، وهو قول الأوزاعي وابن أبي ليلى، وقال أبو حنيفة وسفيان وأبو يوسف: لا يكون شركة مفاوضة حتى يكون رأس أموالهما سواء.
قلنا: عمار: هو ابن ياسر، وسعد: هو ابن أبي وقاص.
(1)
إسناده صحيح. سفيان: هو الثوري، ومحمد بن كثير: هو العَبْدي.
وأخرج حديث ابن عمر عن رافع بن خديج: مسلم (1547)، وابن ماجه (2450)، والنسائي (3917) و (3919) من طرق عن عمرو بن دينار، عن ابن عمر. وقد عبروا عن المزارعة بالمخابرة، وهما شيء واحد. وهو في "مسند أحمد"(2087).
وأخرج حديث ابن عباس البخاري (2330)، ومسلم (1550)، وابن ماجه (2456)، والنسائي (3873) من طريق عمرو بن دينار، ومسلم (1550)، وابن ماجه (2457) من طريق عبد الله بن طاووس، كلاهما عن طاووس، به.
وأخرجه مسلم (1550) من طريق أبي زيد عبد الملك بن ميسرة، عن طاووس، عن ابن عباس بلفظ:"من كانت له أرض فإنه إن منحها أخاه خير له".
وهو في "مسند أحمد"(2087) و (2541)، و"صحح ابن حبان"(9195).
وانظر ما سيأتي بالأرقام (3390) و (3392 - 3402). =
3390 -
حدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبةَ، حدَّثنا ابن عُلَيةَ. وحدَّثنا مُسدَّدٌ، حدَّثنا بِشرٌ -المعنى- عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن أبو عُبيدة بن محمد بن عمار، عن الوليد بن أبي الوليد، عن عُروة بن الزبير، قال:
قال زيدُ بن ثابتِ: يغفرُ الله لرافعِ بن خَديجِ، أنا والله أعلمُ بالحديث منه، إنما أتاهُ رجلان -قال مسدَّدٌ: من الأنصار، ثم اتَّفقا- قد اقتتلا، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"إنْ كان هذا شأنكم فلا تُكرُوا المزارعَ " زاد مُسددٌ: فسمع قولَه: "لا تُكروا المَزارعَ"
(1)
.
= قال الخطابي: خبر رافع بن خديج من هذا الطريق خبر مجمل يفسّره الأخبار التي رويت عن رافع بن خديج وعن غيره من طرق أُخَر، وقد عقل ابن عباس معنى الخبر، وأن ليس المراد به تحريم المزارعة بشطر ما تخرجه الأرض، وإنما أريد بذلك أن يتمانحوا أرضهم، وأن يرفق بعضهم بعضاً، وقد ذكر رافع بن خديج -في رواية أخرى عنه- النوع الذي حرم منها، والعلة التي من أجلها نهى عنها، وذكره أبو داود في هذا الباب.
وانظر فقه الحديث فيما يليه.
(1)
إسناده حسن من أجل عبد الرحمن بن إسحاق -وهو المدني- فهو صدوق حسن الحديث. وأبو عبيدة بن محمد بن عمار وثقه ابن معين وعبد الله بن أحمد بن حنبل، والوليد بن أبو الوليد وثقه أبو زرعة وابن معين والعجلي ويعقوب بن سفيان وأثنى عليه أبو داود خيراً. بشر: هو ابن المفضل، وابن عليه: هو إسماعيل بن إبراهيم ابن مقسم.
وأخرجه ابن ماجه (2461)، والنسائي (3927) من طريق إسماعيل ابن علية، بهذا الإسناد.
وهو في "مسند أحمد"(21588)
وانظر ما سيأتي برقم (3407).
قال الخطابي: وضعف أحمد بن حنبل حديث رافع وقال: هو كثير الألوان -يريد هذا الحديث، واختلاف الروايات عنه- نمرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومرة يقول: حدثني عمومتي. قلنا: لكن جاء في "مسنده" بإثر الحديث (17290) أن ابنه =
3391 -
حدَّثنا عثمانُ بن أبي شيبةَ، حدَّثنا يزيدُ بن هارونَ، أخبرنا إبراهيمُ ابن سعْدٍ، عن محمدِ بن عكرمةَ بن عبدِ الرحمن بن الحارث بن هشام، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي لَبيبةَ، عن سعيد بن المسيب
عن سعْدٍ، قال: كنا نُكري الأرضَ بما على السَّوَاقي من الزرع، وما سَعِدَ بالماء منها، فنهانا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وأمرنا أَن نُكريها بذهبٍ أو فضةٍ
(1)
.
= عبد الله سأله عن أحاديث رافع بن خديج، مرة يقول: نهانا النبي صلى الله عليه وسلم، ومرة يقول: عن عميه، فقال: كلها صحاح، وأحبها إليّ حديث أيوب.
قال الخطابي: وجوز أحمد بن حنبل المزارعة، واحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى اليهود أرض خيبر مزارعة، ونخلها مساقاة، وأجازها ابن أبي ليلى ويعقوب ومحمد، وهو قول ابن المسيب وابن سيرين والزهري وعمر بن عبد العزيز. وأبطلها أبو حنيفة ومالك والشافعي.
قال الشيخ [يعني الخطابي]: إنما صار هؤلاء إلى ظاهر الحديث من رواية رافع ابن خديج، ولم يقفوا على علته كما وقف عليه أحمد. وقد أنعم بيان هذا الباب محمد ابن إسحاق بن خزيمة وجوزه وصنف في المزارعة مسألة ذكر فيها علل الأحاديث التي وردت فيها، فالمزارعة على النصف والثلث والربع، وعلى ما تراضيا به الشريكان جائزة إذا كانت الحصصُ معلومة والشروطُ الفاسدة معدومةً، وهي عمل المسلمين من بلدان الإسلام وأقطار الأرض شرقها وغربها، أعلم أني رأيت أو سمعت أهل بلد أو صقع من نواحي الأرض التي يسكنها المسلمون يبطلون العمل بها.
ثم ذكر أبو داود على إثر هذه الأحاديث باباً في تشديد النهي عن المزارعة، وذكر فيه طرقاً لحديث رافع بن خديج بألفاظ مختلفة كرهنا ذكرها لئلا يطول الكتاب، وسبيلها كلها أن يردَّ المُجمَل فيها إلى المفسَّر من الأحاديث التي مر ذكرها، وقد بينا عللها.
(1)
حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف لضعف محمد بن عبد الرحمن بن لبيبة وجهالة محمد بن عكرمة بن عبد الرحمن.
وأخرجه النسائي (3894) من طريق إبراهيم بن سعد، بهذا الإسناد.
وهو في "مسند أحمد"(1542)، و"صحيح ابن حبان"(5201). =
3392 -
حدَّثنا إبراهيمُ بن موسى الرازيُّ، أخبرنا عيسى، حدَّثنا الأوزاعيُّ. وحدَّثنا قتيبةُ بن سعيدٍ، حدَّثنا ليثٌ، كلاهما عن ربيعةَ بن أبي عبد الرحمن -واللفظ للأوزاعي-، حدَّثني حنظلةُ بن قَيسٍ الأنصاري، قال:
= وانظر ما بعده، وما سيأتي برقم (3393) و (3400).
قال الخطابي: فقد أعلمك رافع في هذا الحديث أن المنهي عنه هو المجهول منه دون المعلوم، وأنه كان من عاداتهم أن يشترطوا فيها شروطاً فاسدة وأن يستثنوا من الزرع ما على السواقي والجداول فيكون خاصاً لرب المال. والمزارعة شركة، وحصة الشريك لا تجوز أن تكون مجهولة، وقد يسلم ما على السواقي ويهلك سائر الزرع فيبقى المزارع لا شيء له، وهذا غرر وخطر. وإذا اشترط رب المال على المضارب دراهم لنفسه زيادة على حصة الربح المعلومة فسدت المضاربة، وهذا وذاك سواء، وأصل المضاربة في السنة والمزارعة والمساقاة، فكيف يجوز أن يصح الفرع ويبطل الأصل.
والماذيانات: الأنهار، وهي من كلام العجم صارت دخيلاً في كلامهم. قال الشيخ: وقد ذكر زيد بن ثابت العلة والسبب الذي خرج عليه الكلام في ذلك وبين الصفة التي وقع عليها النهي، ورواه أبو داود في هذا الباب.
قلنا: حديث زيد بن ثابت هو الحديث السالف برقم (3390).
وقال ابن القيم في "تهذيب السنن" من تأمل حديث رافع وجمع طرقه، واعتبر بعضها ببعض، وحمل مجملها على مفسرها ومطلقها على مقيدها، علم أن الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك أمر بين الفساد، وهو المزارعة الظالمة الجائرة، فإنه قال: كنا نكري الأرض على أن لنا هذه ولهم هذه، فربما أخرجت هذه ولم تخرج هذه، وفي لفظ له: كان الناس يؤجرون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على الماذيانات، وأقبال الجداول وأشياء من الزرع، وقوله: ولم يكن للناس كراء إلا هذا، فلذلك زجر عنه، وأما بشيءٍ معلوم مضمون فلا بأس، وهذا من أبين ما في حديث رافع وأصحه، وما فيها من مجمل أو مطلق أو مختصر، فيحمل على هذا المفسر المبين المتفق عليه لفظا وحكماً.
قال الليثُ بن سعد: الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر إذا نظر إليه ذو البصيرة بالحلال والحرام علم أنه لا يجوز.
وقال ابن المنذر: قد جاءت الأخبار عن رافع بعلل تدل على أن النهي كان لتلك "العلل".
سالت رافعَ بن خَديجِ عن كِراء الأرض بالذهبِ والوَرِق، فقال: لا بأس بها، إنما كان الناس يُؤاجِرون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بما على الماذِيَانَاتِ وأَقبالِ الجَداول وأَشياءَ من الزرع، فيهلِك هذا ويَسلَم هذا، ويَسلَم هذا ويهلِك هذا، ولم يكن للناس كِرَاء إلا هذا، فلذلك زَجَرَ عنه، فأما شيء مضمون معلوم فلا بأس به
(1)
.
وحديث إبراهيمَ أتمُّ، وقال قتيبةُ: عن حنظلة، عن رافع.
قال أبو داود: رواية يحيى بن سعيد، عن حنظلة نحوه.
3393 -
حدَّثنا قتيبةُ بن سعيدٍ، عن مالكٍ، عن ربيعةَ بن أبي عبد الرحمن، عن حنظلةَ بن قيس
(1)
إسناداه صحيحان. ليث: هو ابن سعْد، وعيسى: هو ابن يونُس بن أبي إسحاق السَّبيعي. وذكْر الكراء بالذهب والورق من فتوى رافع بن خديج.
وأخرجه بنحوه البخاريُّ (2327)، ومسلمٌ (1547)، وابنُ ماجه (2458)، والنسائي (3902) من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري، ومسلمٌ (1547)، والنسائي (3899) من طريق الأوزاعي، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، كلاهما (يحيى بن سعيد وربيعة) عن حنظلة بن قيس، به، وأخرجه النسائي (3901) من طريق سفيان الثوري، عن رببعة،؛ به ولم يرفعه.
وأخرجه مرفوعاً البخاري (2347)، والنسائي (3898) من طريق الليث بن سعد، بهذا الإسناد إلا أنه قال: عن رافع بن خَديج، قال: حدثني عَمَّي، وهذا لا يضر، لانه تكون بذلك روايةُ رافع مُرسلَ صحابيٍّ، ومراسيلُ الصحابةِ يحتج بها.
وهو في "مسند أحمد"(15809)، و"صحيح ابنُ حبان"(5196) و (5197). وانظر ما بعده.
وسيأتي نحوه من طريق سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، عن رافع بن خديج، عن عَمَّيه برقم (3394).