الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال مالك: وذلك -فيما نُرى، والله اعلمُ- أن يشتريَ الرجلُ العبدَ أو يتكارَى الدابةَ ثم يقول: أُعطيك ديناراً على أني إن تركتُ السِّلعةَ أو الكِراء فما أعطيتُك لك.
70 - باب في الرجل يبيع ما ليس عنده
3503 -
حدَّثنا مُسَدَّدٌ حدَّثنا أبو عوانةَ، عن أبي بِشرٍ، عن يوسف بنَ ماهَك عن حكيم بن حزام، قال: يا رسول َاللهِ، يأتيني الرجلُ فيريد مني البيعَ ليس عندي، أفأبتاعُه له مِن السوق؟ فقال:"لا تَبِعْ ما لَيسَ عندَك َ"
(1)
.
= وأخرجه الدارقطني والبيهقي في كتابيهما "الرواة عن مالك" كما في "التلخيص الحبير" 3/ 17 من طريق الهيثم بن اليمان أبي بشرالرازي، عن مالك، عن عمرو بن الحارث، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده. والهيثم بن اليمان قال عنه أبو حاتم الرازي: صالح صدوق. وهو من شيوخه. وكلمة صدوق عند أبي حاتم بالنسبة إلى شيوخه يعني أنه ثقة كما هو معروف عند حذَّاق هذا الفن.
قال الخطابي: هكذا تفسير بيع العربان [قلنا: يعني كما فسرهُ مالك بإثر الحديث] وفيه لغتان: عُربان وأُربان، ويقال أيضاً: عربون وأُربون.
وقد اختلف الناس في جواز هذا البيع، فأبطله مالك والشافعي للخبر، ولما فيه من الشرط الفاسد والغرر، ويدخل ذلك في اكل المال بالباطل، وأبطله أصحاب الراي.
وقد روي عن ابن عمر أنه أجاز هذا البيع، ويروى ذلك أيضاً عن عمر.
ومال أحمد بن حنبل إلى القول بإجازته، وقال: أي شيء أقدر أن أقول وهذا عمر رضي الله عنه، يعني أنه أجازه، وضعف الحديث فيه لأنه منقطع، وكأن رواية مالك فيه عن بلاغ.
وفي "المغني" 6/ 331: قال أحمد: لا بأس به، وفعله عمر رضي الله عنه، وعن ابن عمر أجازه، وقال ابن سيرين: لا بأس به.
(1)
صحيح لغيره، وهذا إسناد رجاله ثقات إلا أنه منقطع، فإن يوسف بن ماهك لم يسمع من حكيم بن حزام فيما نقله الحافظ العلائي، عن الإمام أحمد، وقال: بينهما =
3504 -
حدَّثنا زهيرُ بن حَرْبٍ، حدَّثنا إسماعيلُ، عن أيوبَ، حدَّثني عَمرو بنُ شُعيب، حدَّثني أبي، عن أبيه
= عبد الله بن عصمة الجُشَمي، وإلى ذلك أشار البخاري في ترجمة عبد الله بن عصمة في "تاريخه"، وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"، وابن حبان في "الثقات". وهو الذي صححه الحافظان العلائي وابن عبد الهادي لكن لفظ الرواية المتصلة:"إذا اشتريت بيعاً، فلا تبعْه حتى تقبضَه"، فالحديث بهذا اللفظ متصل، وللفظ المصنف هنا شاهد سيأتي ذكره. أبو بشر: هو جعفر بن إياس أبي وحشية.
وأخرجه ابن ماجه (2187)، والترمذي (1276)، والنسائي (4613) من طريق أبي بشر جعفر بن إياس، والترمذي (1277) و (1279) من طريق أيوب السختياني، كلاهما عن يوسف بن ماهك، به.
وهو في "مسند أحمد"(15311).
وأخرجه أحمد كما في "أطراف المسند" للحافظ ابن حجر 2/ 283 من طريق سفيان الثوري، والنسائي في "الكبرى" كما في "التحفة"(3428) من طريق شيبان بن عبد الرحمن النحوي، كلاهما عن يحيى بن أبي كثير، عن يعلى بن حكيم، عن يوسف ابن ماهك، عن عبد الله بن عصمة، عن حكيم بن حزام بلفظ:"إذا اشتريت بيعاً، فلا تبعه حتى تقبضَه". وإسناده حسن. فإن عبد الله بن عصمة روى عنه جمع وذكره ابن حبان في "الثقات". وقد حسن هذا الإسناد الحافظ البيهقي في "السنن الكبرى" 5/ 313.
ويشهد للفظ رواية المصنف هنا حديثُ عبد الله بن عمرو الآتي بعده وإسناده حسن، وبه يصح الحديث.
وقد سلفت شواهد الرواية المتصلة عند المصنف بالأرقام (3492 - 3499).
قال الخطابي: قوله: "لا تبع ما ليس عندك" يريد بيع العين دون بيع الصفة، ألا ترى أنه أجاز السلم إلى الآجال، وهو بيع ما ليس عند البائع في الحال، وإنما نهى عن بيع ما ليس عند البائع من قبل الغرر، وذلك مثل أن يبيعه عبده الأبق أو جملَه الشارد ويدخل في ذلك كل شيء ليس بمضمون عليه مثل أن يشتري سلعة فيبيعها قبل أن يقبضها، ويدخل في ذلك بيع الرجل مال غيره موقوفاً على إجازة المالك، لأنه يبيع ما ليس عنده ولا في ملكه، وهو غرر، لأنه لا يدري هل يجيزه صاحبه أم لا؟ والله أعلم.
حتى ذكر عبد الله بن عمرو، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إلا يَحِلُّ سَلفٌ وبَيْعٌ، ولا شرطانِ في بَيعٍ، ولا رِبحُ ما لم يُضمَن، ولا بيعُ ما ليسَ عندك"
(1)
.
(1)
إسناده حسن. أيوب: هو ابن أبي تيمة السختياني، وإسماعيل: هو ابن إبراهيم بن مقسم المعروف بابن عُلَيَّه. والمقصود بقوله في الإسناد: عن أبيه: هو عبد الله ابن عمرو بن العاص، لأن شعيبًا إنما يروي عن جده عبد الله بن عمرو إذ مات أبوه محمد وهو صغير، فكفله جده، وعنه روى الحديث، وما جاء في هذا الإسناد من قوله: حتى ذكر عبد الله بن عمرو يؤيد ذلك، لأنه بيان لقوله: عن أبيه، لا أن شعيباً يرويه عن أبيه محمد ومحمد يرويه عن عبد الله بن عمرو، ومما يؤكد ذلك أن أحداً ممن خرج الحديث لم يزد في الإسناد على قوله عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده. والله أعلم.
وأخرجه ابن ماجه (2188)، والترمذي (1278)، والنسائي في "المجتبى"(4611) و (4629 - 4631) من طريق عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عبد الله بن
عمرو بن العاص. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وهو في "مسند أحمد"(6628).
وأخرجه النسائي في "الكبرى"(5010)، وابن حبان (4321) من طريق ابن جريج، قال: أخبرني عطاء، عن عبد الله بن عمرو بن العاص. ونقل المزي في "التحفة" (8885) أن النسائي قال فيه: هذا الحديث حديث منكر، وهو عندي خطأ، والله أعلم.
قلنا: قد روى هذا الحديث الحاكم 4/ 17: من طريق أبي الوليد الطيالسي، عن يزيد بن زُريع، حدَّثنا عطاء الخراساني، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص.
قال الخطابي: أما الحديث الأول وقوله: "لا يحل سلف وبيع" فهو من نوع ما تقدم بيانه فيما مضى من نهيه عن بيعتين في بيعة، وذلك مثل أن يقول: أبيعك هذا العبد بخمسين ديناراً على أن تسلفني ألف درهم في متاع أبيعه منك إلى أجل، أو يقول: أبيعك بكذا على أن تقرضني ألف درهم، ويكون معنى السلف: القرض، وذلك فاسد لأنه إنما يقرضه على أن يُحابيه في الثمن، فيدخل الثمن في حدِّ الجهالة، ولأن كل قرض جر نفعاً فهو ربا. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وأما "ربح ما لم يُضمن" فهو أن يبيعه سلعة قد اشتراها، ولم يكن قبضها فهي من ضمان البائع الأول ليس من ضمانه، فهذا لا يجوز بيعه حتى يقبضه، فيكون من ضمانه.
وأما قوله: "لا تبع ما ليس عندك" فقد فسّرناه قبل.
وأما قوله: "ولا شرطان في بيع" فإنه بمنزلة بيعتين. وهو أن يقول: بعتك هذا الثوب حالاً بدينار، ونسيئة بدينارين، فهذا بيع تضمن شرطين يختلف المقصود منه باختلافهما، وهو الثمن، ويدخله الغرر والجهالة.
ولا فرق في مثل هذا بين شرط واحد، وبين شرطين، أو شروط ذات عدد في مذاهب أكثر العلماء.
وفرق أحمد بن حنبل بين شرط واحد، وبين شرطين اثنين، فقال: إذا اشترى منه ثوباً واشترط قصارته صح البيع، فإن شرط عليه مع القصارة الخياطة فسد البيع.
قال الشيخ [هو الخطابي]: ولا فرق بين أن يشترط عليه شيئاً واحداً أو شيئين لأن العلة في ذلك كله واحدة، ذلك لأنه إذا قال: بعتك هذا الثوب بعشرة دراهم على أن تقصر لي العشرة التي هي الثمن تنقسم على الثوب وعلى أجر القصارة، فلا يُدرى حينئذٍ كم حصة الثوب من حصة الإجارَة؟ وإذا صار الثمن مجهولاً بطل البيع، وكذلك هذا في الشرطين والأكثر.
وكل عقد جَمَعَ تجارة وإجارة فسبيله في الفساد هذا السبيل.
وفي معناه أن يبتاع منه قفيز حنطة بعشرة دراهم على أن يطحنها أو أن يشتري منه حمل حطب على أن ينقله إلى منزله، وما أشبه ذلك مما يجمع بيعاً وإجارة.
والمشروط على ضروب: فمنها ما ينقض البيوع ويُفسدها، ومنها ما لا يلائمها ولا يفسدها، وقد روي:"المسلمون عند شروطهم" وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم:كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل".
فعُلِم أن بعض الشروط يصح بعضها ويبطل، وقال: "من باع عبداً وله مال فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع، فهذه الشروط قد أثبتها رسول الله صلى الله عليه وسلم في عقد البيوع، ولم يَرَ العقد يفسُد بها، فعلمت أن ليس كل شرط مبطلاً للبيع. =