الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أي الناس شر؟ قال: الذي لا يبالي إذا رآه الناس مسيئا. وهذه نصائحه في قول الله تعالى:
[سورة لقمان (31) : الآيات 12 الى 15]
وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12) وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15)
[لقمان: 31/ 12- 15] .
المعنى: تالله لقد أعطينا لقمان الحكمة: وهي العلم النافع والعمل به، ومن مقتضى الحكمة: أن اشكر لله شكرا جميلا على نعمه ومواهبه، ومن يشكر الله فإنما يشكر لنفسه، أي يحقق النفع والثواب لنفسه، وينقذها من العذاب، ومن جحد نعمة الله عليه، فأشرك به غيره، وعصى أوامره فإنه يسيء إلى نفسه، ولا يضر أحدا سوى ذاته، فإن الله غني عن العباد وشكرهم، لا تنفعه طاعة، ولا تضره معصية، محمود، أي مستحق الحمد بصفاته وذاته، فهذا أمر بالشكر.
ثم حذر لقمان ابنه من الشرك بالله، فاذكر أيها النبي حين أوصى لقمان ابنه بوصية أو موعظة، فقال له: يا ولدي، اعبد الله ولا تشرك به شيئا، فإن الشرك أعظم الظلم، لتعلّقه بأصل الاعتقاد فهو أعظم جرم، ولكونه وضع الشيء في غير موضعه، فهو ظلم محض لا موجب له ولا سبب لوجوده.
ثم تخلل بين وصايا لقمان وأثناء وعظه اعتراض بآيتين، موجهتين من الله تعالى، لا من كلام لقمان على الراجح، مفاد الآية الأولى: ولقد أمرنا الإنسان وألزمناه ببر والديه وطاعتهما وأداء حقوقهما، ولا سيما أمه، فإنها حملته في ضعف على ضعف،
من الحمل إلى الطلق، إلى الولادة والنفاس، ثم الرضاع والفطام في مدة عامين، ثم تربيته ليلا ونهارا حتى صار كبيرا، وأمرناه بشكر الله على نعمته، وبشكر والديه، لأنهما سبب وجوده، ومصدر الإحسان إليه بعد الله تعالى.
وطاعة الوالدين لها حدود: وهي الأمر بالمعروف، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وعلى هذا، فإن ألحّ والداك في الطلب على أن تشرك بالله في عبادته غيره مما لا تعلم أنه شريك لله أصلا، فلا تقبل ذلك منهما، ولا تطعهما فيما أمراك به من الشرك أو العصيان.
ولكن صاحب والديك الكافرين في الدنيا مصاحبة كريمة بالمعروف، بأن تحسن إليهما بالمال والعلاج، والتودد في الكلام والمحبة والرفق، والوفاء بالعهد وإكرام صديقهما، ما دام ذلك في الدنيا، واتبع سبيل المؤمنين التائبين في دينك، ولا تتبع في كفرهما سبيلهما فيه، ثم إلي مرجعكم جميعا، فأجازيك أيها الولد على إيمانك، وأجازيهما على كفرهما إن كفرا، وأخبركم بما كنتم تعملون في الدنيا من خير أو شر.
نزلت هاتان الآيتان في شأن سعد بن أبي وقاص، وذلك أن أمه: وهي حمنة بنت أبي سفيان بن أمية، حلفت ألا تأكل ولا تشرب، حتى يفارق ابنها سعد دينه، ويرجع إلى دين آبائه وقومه، فلجّ «1» سعد في الإسلام. فلما طال ذلك، ورأت أن سعدا لا يرجع عن دينه أكلت «2» .
دلت الآيتان على الأمر ببر الوالدين، ثم حكم الله بأن ذلك لا يكون في الكفر والمعاصي لأن طاعة الأبوين لا تراعى في ارتكاب كبيرة، ولا في ترك فريضة عينية، وتلزم طاعتهما في المباحات. ويستحسن في ترك الطاعات الندب، ومنه المشاركة في
(1) لازمه وأبي أن ينصرف منه.
(2)
أخرجه أبو يعلى والطبراني وابن مردويه وابن عساكر عن أبي عثمان الهندي عن سعد.