الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفسير سورة يس
القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم وقومه
سورة يس مكية بالإجماع، وهي تتحدث عن رسالة النبي صلى الله عليه وسلم، وتذكّر الناس بالبعث والقدرة الإلهية ووحدانية الله تعالى، وتثير المشاعر والأفكار للتأمل بأحداث القيامة، وتتميز هذه السورة بأنها قلب القرآن، وتشفع لقارئها،
أخرج الدارمي والترمذي والبيهقي عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن لكل شيء قلبا، وإن قلب القرآن يس» .
وأخرج أبو النصر السجزي عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن في القرآن لسورة تدعى: العظيمة عند الله، يدعى صاحبها: الشريف عند الله، يشفع صاحبها يوم القيامة في أكثر من ربيعة ومضر، وهي سورة يس» .
وأخرج أبو داود وأحمد وابن ماجه وغيرهم عن معقل بن يسار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اقرؤوا يس على موتاكم»
وهو حديث حسن. قال الله تعالى في مطلعها مبينا موقف النبي من قومه:
[سورة يس (36) : الآيات 1 الى 12]
بسم الله الرحمن الرحيم
يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (4)
تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5) لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ (6) لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (7) إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (8) وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (9)
وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (10) إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (11) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ (12)
«1»
(1) رافعوا الرؤوس غاضو البصر.
«1» [يس: 36/ 1- 12] .
يس: إما اسم من أسماء محمد صلى الله عليه وسلم، لقوله تعالى: إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ أو إنها حروف مقطعة للتنبيه على أهمية السورة وتحدي العرب بالقرآن بأن يأتوا بمثله، مع أنه متكوّن من الحروف الأبجدية أو الهجائية التي تتركب منها لغتهم. أقسم الله تعالى بالقرآن المحكم بنظمه ومعناه، ذي الحكمة البالغة، بأنك يا محمد لرسول من عند الله، على طريق قويم، ومنهج سليم. وهذا القرآن تنزيل من عند الله ذي العزة والقوة، الرحيم بعباده المؤمنين، ولقد أرسلناك أيها الرسول لتنذر قومك العرب الذين لم يأتهم رسول منذر من قبلك، ولم يأت آباءهم الأقربين من ينذرهم ويعرّفهم شرائع الله تعالى، فهم غافلون عن معرفة الحق والشرع.
نزلت هذه الآية فيما
أخرج أبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في السجدة، فيجهر بالقراءة حتى يتأذى به ناس من قريش، حتى قاموا ليأخذوه، وإذا أيديهم مجموعة إلى أعناقهم، وإذا بهم عمي لا يبصرون، فجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: ننشدك الله والرحم يا محمد، فدعا حتى ذهب ذلك عنهم، فنزلت يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إلى قوله: أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ فلم يؤمن من ذلك النفر أحد.
لقد وجب العذاب على أكثر أهل مكة حين نزول هذه الآيات، وهو ما دوّن في شأنهم في اللوح المحفوظ، أنهم لا يؤمنون بالقرآن والنبي صلى الله عليه وسلم، وهم الذين علم الله
(1) أي في اللوح المحفوظ.
أنهم يموتون على الكفر. ومثل تصميمهم على الكفر كمثل المكبّل في الأغلال لا يستطيع فعل شيء ولا يبصر شيئا. وهذا المثل: إنا جعلنا أيديهم مشدودة إلى أعناقهم بالقيود، تمنعهم من فعل شيء حتى صاروا مرفوعي الرؤوس، خافضي الأبصار، أي إنهم كالمطوّقين بالقيود في أنهم لا يلتفتون إلى الحق، ولا يستطيعون توجيه أنظارهم إلى شيء.
وتأكيدا لما سبق في تصوير حالتهم: أنهم بتعاليهم عن النظر في آيات الله جعلوا كالمضروب عليهم السدّ، المحيط بهم من الأمام والخلف، ومنعوا من النظر، فهم لا يبصرون شيئا، ولا ينتفعون بخير، ولا يهتدون إليه.
أخرج ابن جرير الطبري عن عكرمة قال: قال أبو جهل: لئن رأيت محمدا لأفعلن، فأنزل الله: إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا إلى قوله: لا يُبْصِرُونَ فكانوا يقولون: هذا محمد، فيقول: أين هو، أين هو؟ لا يبصر. فالآية مستعارة المعنى من منع الله إياهم وحوله بينه وبينهم، وهذا أرجح الأقوال، لأنه لما ذكر الله أنهم لا يؤمنون في العلم الأزلي، جعلوا في حالة من المنع، وإحاطة الشقاوة كالمضروب عليهم السد، وتشبه حالهم حال المغلوبين.
ونتيجة لهذا التطويق، يستوي أيها النبي إنذارك لهؤلاء المصرّين على الكفر، وعدم الإنذار، فهم لا يؤمنون، ولا ينفعهم الإنذار.
إنما ينفع إنذارك الذين آمنوا بالقرآن العظيم، واتبعوا أحكامه وشرائعه، وخافوا عقاب الله قبل حدوثه، وقبل رؤية الله، فهؤلاء بشرّهم بمغفرة لذنوبهم، وبأجر كريم وفير على أعمالهم وهو الجنة.
ثم أكد الله تعالى تحقيق الجزاء في عالم الآخرة بقوله: إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى أي إننا قادرون على إحياء الموتى، وبعثهم أحياء من قبورهم، ونحن الذين نكتب لهم كل ما قدّموه من عمل صالح أو سيّئ، وكل ما تركه من آثار طيبة أو خبيثة.