الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفسير سورة الحديد
عبادة الله وتسبيحه في جميع الأوقات
تسبيح الله تعالى: وهو التّنزيه عما لا يليق بالله، المعروف في قولهم:«سبحان الله» : هو حقيقة ثابتة مستقرة في الكون والإنسان والحياة، يعلنها الواقع، ويفرضها المنطق، لأن الله سبحانه هو الخالق الرازق، المحيي والمميت، فيكون التسبيح من السماوات والأرض وما فيهما دائما مستمرا، لأن الله تعالى هو الحقيقة الأبدية، والمهيمن على كل شيء في الوجود، والعالم بكل شيء في السماء والأرض، وإليه المرجع والحساب، ويسيّر الكون، ويوجد تعاقب الليل والنهار، وهو على كل شيء قدير. وهذا ما قررته الآيات الآتية في مطلع سورة الحديد المدنيّة بالإجماع:
[سورة الحديد (57) : الآيات 1 الى 6]
بسم الله الرحمن الرحيم
سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (2) هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3) هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4)
لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (5) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (6)
«1» «2» «3» «4» «5» [الحديد: 57/ 1- 6] .
(1) التسبيح: التنزيه عن كل نقص، والتقديس لله ووصفه بكل كمال.
(2)
هو بالغلبة والقهر المستمرّين بالقدرة.
(3)
يدخل.
(4)
يصعد.
(5)
يدخل أحدهما في زمن الآخر.
أخبر الله تعالى عن تسبيحه، أي تنزيهه بعبارة (سبحان الله) بصيغة الماضي المتضمّنة إفادة الدوام والاستمرار، والتسبيح حقيقة وليس مجازا، وهذا في الجمادات وغيرها من القادرين على التسبيح. والمعنى ينزه الله تعالى عن كل نقص كل شيء في السماوات والأرض، من الجماد والنبات، والإنسان والحيوان، تعظيما له وإقرارا بربوبيّته، سواء بلسان المقال، كتسبيح الملائكة والإنس والجنّ، أو بلسان الحال كتسبيح الجمادات والنباتات. والله هو القوي القادر الغالب الذي خضع له كل شيء، والحكيم في تدبيره وأمره وخلقه وشرعه.
ولله تعالى المالك المطلق للسماوات والأرض، يتصرّف فيهما وحده، وله السلطان التام، وهو نافذ الأمر، وهو الذي يحيي من يشاء، ويميت من يشاء، وهو تامّ القدرة على كل شيء، لا يعجزه شيء، كائنا ما كان.
والله هو الأول: الذي ليس لوجوده بداية مفتتحة، والآخر: الذي ليس له نهاية منقضية، والظاهر: بالأدلة ونظر العقول في صنعته، والباطن: بلطفه وغوامض حكمته، وباهر صفته التي لا تصل إلى معرفتها على ما هي عليه الأوهام والتصورات، وهو بكل شيء عالم علما تامّا، وعموما شاملا.
والله هو الذي أبدع السماوات والأرض في ستة أيام، والأصوب أنها من أيام الدنيا، وأكثر الناس على أن بدء الخلق في يوم الأحد. وعند مسلم: أن البداية في يوم السبت. ثم استوى على العرش استواء يليق بذاته، على نحو يريده، مما لا يعلم به إلا هو، بالقهر والغلبة المستمرين بالقدرة، والعرش، أي الكرسي أعظم المخلوقات، وليس فيه تحديد بمكان أو جهة، ويعلم الله كل شيء، يدخل في الأرض من مطر وأموات وغير ذلك، ويخرج منها من نبات ومعادن وغير ذلك، وما ينزل من السماء من مطر وملائكة وغير ذلك، وما يصعد إلى السماء من الملائكة وأعمال العباد
الصالحة والسيئة، والدعوات والأبخرة المتصاعدة ونحوها، والله معكم أيها العباد بقدرته وعلمه، وإحاطته وهدايته، أينما كنتم في البر والبحر والجو، والله رقيب عليكم، بصير بأعمالكم، لا يخفى عليه شيء منها.
والله مالك السماوات والأرض، والدنيا والآخرة، وترجع إليه جميع الأمور، وهذا خبر يعمّ جميع الموجودات. وقوله: لَهُ مُلْكُ مكرر مع الآية السابقة للتأكيد.
والأمور ليست جمع المصدر، بل هي جميع الموجودات، لأن الأمر والشيء والموجود أسماء شائعة في جميع الموجودات أعراضها وجواهرها.
والله المتصرّف في الخلق، يقلّب الليل والنهار، ويقدرهما بحكمته كما يشاء، فتارة يطول الليل، ويقصر النهار، وتارة على العكس، وتارة يجعلهما معتدلين متساويين، وتتوالى الفصول الأربعة، بحكمته وتقديره لما يريده بخلقه، وهو سبحانه يعلم السرائر وضمائر الصدور ومكنوناتها، وإن خفيت، لا يخفى عليه من ذلك خافية، سواء الظاهر منها والباطن. وقوله تعالى: يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ تنبيه على العبرة فيما يتفاوت فيه الليل والنهار من الطول والقصر، وذلك متشعب مختلف حسب اختلاف الأقطار والأزمان الأربعة، وذلك بحر من بحار الفكر والتأمل لمن يتأمله.
ويُولِجُ معناه: يدخل، وبِذاتِ الصُّدُورِ ما فيها من الأسرار والمعتقدات، وذلك أغمض ما يكون. وهذا كله حثّ على التأمّل في ملكوت الله، وعلى الشكر على ما أنعم الله، وعلى وجوب تنزيه الله عن كل ما لا يليق بالله.
والخلاصة: هذه الآيات إخبار بتسبيح الله من كل شيء، وبيان موجبات التسبيح وأسبابه، فما أعظم التأمل بالخالق الموجود، وبالكون المخلوق الدّال على الخالق، وما أسعد الإنسان الذي يفكّر في هذا الوجود ليستدلّ به على الرّب المعبود!!