الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أمام المجتمع، وزجرهم بما يستحقون، وتهديدهم بالعقاب المناسب، قال الله تعالى مبينا فرضية الحجاب الشرعي بحدوده المعتدلة وحكم أهل النفاق:
[سورة الأحزاب (33) : الآيات 59 الى 62]
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (59) لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَاّ قَلِيلاً (60) مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً (61) سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً (62)
[الأحزاب: 33/ 59- 62] .
يأمر الله النبي بتبليغ زوجاته وبناته ونساء المؤمنين بإرخاء الستر عليهن وتغطيتهن بالحجاب الشرعي: وهو الجلباب، أي الرداء الساتر لجميع الجسد ما عدا الوجه والكفين، وهو أدب حسن يبعد المرأة عن مظان التهمة والريبة، ويحميها من أذى الفساق، ويميز الحرائر عن الإماء كما كان في الماضي، وكان الله وما يزال واسع المغفرة لما سلف من إهمال التستر، عظيم الرحمة بعباده، حيث أرشدهم إلى هذا الأدب الرفيع فقد كانت عادة العربيات في الجاهلية التبذل في الستر، وكشف مواطن الزينة، فبدل الإسلام بالتبرج: الصون والستر المناسب.
روي أنه كان في المدينة قوم يجلسون على الصّعدات «1» (كالمصاطب) لرؤية النساء ومعارضتهن ومراودتهن، فنزلت الآية بسبب ذلك.
ثم توعد الله المنافقين (الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر) فلئن لم يكفوا عما هم عليه من النفاق فلنسلطنك عليهم، هم والذين في قلوبهم مرض (وهو شك وريبة في أمر الدين وحب الزنا) وأهل الإرجاف في المدينة (وهم قوم من المنافقين كانوا يتحدثون بغزو العرب المدينة، بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سيغلب،
(1) جمع صعدة وهي القناة المستوية المستقيمة.
ونحو هذا مما يضعف نفوس المؤمنين) ثم لا يجاورونك أيها النبي إلا جوارا قليلا ووقتا قليلا.
وهم في حال إقامتهم في المدينة زمنا قليلا يكونون مطرودين من رحمة الله، منبوذين، أينما حوصروا وقدر عليهم، أسروا وأخذوا أذلاء، وقتلّوا شر تقتيل، فلم يجدوا أحدا يؤويهم، بل ينكل بهم ويؤسرون.
وهذا الحكم وهو لعن المنافقين وأسرهم وتقتيلهم وتسليط المؤمنين عليهم وقهرهم، هو سنة الله وطريقته في المنافقين في كل زمن مضى، وهم منافقو الأمم، ولا تبديل ولا تغيير لسنة الله ونظامه، لقيامها على الحكمة والمصلحة وصلاح الأمة، بل هي سنة ثابتة دائمة في أمثال هؤلاء مدى الزمان. وقوله تعالى: سُنَّةَ اللَّهِ منصوب على المصدر، أي استنوا بسنة الله تعالى.
يلاحظ من هاتين الآيتين أن الحجاب الشرعي ذا الحدود المعتدلة من غير إفراط ولا تفريط مظهر حضاري كريم، لا يعوق نشاط المرأة، وإسهامها في كل عمل حيوي يفيد المجتمع والأمة.
ويلاحظ أيضا أن الأوصاف الثلاثة: وهي النفاق، ومرض القلب، والإرجاف موجودة كلها في المنافقين. وهم خطر على الأمة في عقيدتها، وفي سلمها وحربها، فهم كالسوس ينخر في جسم الأمة، وهم في السّلم جرثومة فتك وأداة تخريب وتفريق، وفي الحرب أداة إضعاف وإشاعة السوء، وزعزعة المقاتلين، وهم في الواقع عون للأعداء على المسلمين، مما يجب التخلص منهم، وعقابهم أشد العقاب، كما قال تعالى: إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً [النساء 4/ 145] .