الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفسير سورة الزّمر
تنزيل القرآن وغاياته
تفضل الله تعالى على عباده بأعظم هدية وأكرم منحة خالدة: ألا وهي تنزيل القرآن الكريم تدريجا في مبدأ الأمر والوحي الإلهي إلى أن اكتمل وحفظ حفظا تاما في الصدور والكتابة، من غير زيادة ولا نقص فيه، ولا تعديل ولا تبديل لشيء فيه، وسيظل محفوظا بكفالة الله وتعهده إلى يوم القيامة، لأنه منهاج الحياة السديدة، في العقيدة، والعبادة، والمعاملة، والأخلاق، والعلاقات الإنسانية والاجتماعية. أنزله الله بالحق والميزان، فأبطل عقائد المشركين الوثنية، ونفى اتخاذ الله ولدا، وشرع شرائع الشرائع، وأبان الحلال والحرام، ونظم أصول الحياة والآداب والفضائل، لينقذ الله به العالمين من الضلالة إلى النور، ومن الزيغ والانحراف إلى طريق الهداية والاستقامة، قال الله تعالى مبينا مصدر القرآن، ومحددا غاياته وأهدافه في مطلع سورة الزمر:
[سورة الزمر (39) : الآيات 1 الى 4]
بسم الله الرحمن الرحيم
تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (2) أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَاّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ (3) لَوْ أَرادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ سُبْحانَهُ هُوَ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (4)
«1» [الزمر: 39/ 1- 4] .
(1) مرفوع بالابتداء، والخبر قوله:(من الله) أو أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره: هذا تنزيل.
هذا الكتاب العظيم وهو القرآن الكريم تنزيل من الله تعالى، العزيز: في قدرته الذي لا يغلب، الحكيم في إبداعه وصنعه، فهو الكتاب الإلهي الحق الذي لا مرية فيه ولا شك، إنا أنزلنا أيها النبي الرسول القرآن مقترنا بالحق، متضمنا إياه، أي الحق فيه وفي أحكامه وفي أخباره، فكل ما فيه حق، من إثبات التوحيد والنبوة والمعاد وأنواع الأحكام والتكاليف الشرعية، ولم ننزله مشوبا بالباطل الكاذب الذي لا قرار له.
فاعبد الله وحده لا شريك له، وادع الخلق إلى ذلك، وأخبرهم أنه لا تصلح العبادة إلا لله وحده، وأنه ليس له شريك ولا نظير.
والإخلاص: أن يقصد العبد بعمله وجه الله تعالى ورضوانه، ولا يقصد شيئا آخر. والدين: العبادة والطاعة، وأساس توحيد الله، وتنزيهه عن الشريك والنظير.
ألا لله العبادة والطاعة الخالصة من شوائب الشرك والرياء وغيره، وأما ما سواه من الدين، فليس بدين الله الخالص الذي أمر به.
ومعنى الآية: الأمر بتحقيق النية لله في كل عمل. والدين هنا: يعم المعتقدات وأعمال المكلفين العضوية التي يمارسونها. وقوله سبحانه: أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ بمعنى: من حقه ومن واجباته، لا يقبل غيره.
وأما المشركون الذين والوا غير الله تعالى، وعبدوا سواه، وهي الأصنام أو الكواكب أو الملائكة أو بعض البشر، وقالوا: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله تقريبا، ويشفعوا لنا عنده في حوائجنا، فهم في أسوأ عاقبة، وأقبح مصير، لذا هددهم الله بقوله: إن الله يحكم بين أهل الأديان يوم القيامة، ويفصل في خلافاتهم، ويجزي كل عامل بعمله، فيدخل الموحدين الجنة، ويدخل المشركين النار.
قال ابن عباس: أنزلت هذه الآية: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ في