الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويفرغون قلوبهم من شواغل الدنيا، ويفكرون فيما يتلون فيها من آيات القرآن، أو يرددون من أذكار التكبير والتسبيح والتحميد، وتكون قلوبهم حاضرة مع الله تعالى، ويتأملون في معاني آيات الله تعالى.
أولئك الموصوفون بالصفات السابقة ينعّمون بجنات الخلود، ويكرمون بأنواع التكريم وألوان الملاذّ والمسارّ.
والجزاء بهذه الخاتمة الرائعة يحمل المتّصفين بهذه الصفات على التخلّص من أوصاف الهلع والجزع والمنع.
تهديد المكذّبين بالرّسالة النّبوية
أسرع الكفار المكذّبون بدعوة النّبي صلى الله عليه وسلم إلى الاعتصام بالكفر، وإلى معبوداتهم الباطلة من الأصنام والأوثان، فتوعّدهم الله بالإبادة والهلاك، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم بالإعراض عنهم حتى يوم القيامة، حيث تكون أبصارهم ذليلة، وتغشاهم المذلّة والهوان بسبب تكذيبهم أيضا بيوم القيامة.
قال المفسّرون: كان المشركون يجتمعون حول النّبي صلى الله عليه وسلم يستمعون كلامه، ولا ينتفعون به، بل يكذبون به ويستهزئون ويقولون: لئن دخل هؤلاء الجنة، لندخلنها قبلهم، وليكونن لنا فيها أكثر مما لهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية: أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (38) . والآيات التي قبلها وبعدها هي:
[سورة المعارج (70) : الآيات 36 الى 44]
فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (36) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ (37) أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (38) كَلَاّ إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ (39) فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ (40)
عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (41) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (42) يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (43) خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ (44)
»
«2» «3»
(1) ناحيتك.
(2)
مسرعين إليك شاخصين أبصارهم نحوك.
(3)
جماعات متفرقين، جمع عزة: وهي العصبة والجماعة.
«1» «2» «3» «4» «5» «6» «7» [المعارج: 70/ 36- 44] .
ما بال هؤلاء الكفار تجدهم مسرعين إلى الكفر والتكذيب والاستهزاء بك، وتراهم عن يمينك أيها النّبي وعن شمالك جماعات متفرّقة، وموزّعين مشتّتين، وقوله:
قِبَلَكَ معناه فيما يليك، والمهطع: الذي يمشي مسرعا إلى شيء قد أقبل عليه ببصره.
وعزين: جماعات يسيرة، ثلاثة ثلاثة أو أربعة أربعة.
نزلت هذه الآية لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي عند الكعبة أحيانا ويقرأ القرآن، فكان كثير من الكفار يقومون من مجالسهم مسرعين إليه يتسمعون قراءته، ويقول بعضهم لبعض: شاعر، وكاهن، ومفتر، وغير ذلك.
ثم أيأس الله أولئك الكفار من دخول الجنان بقوله فيما معناه: أيطمع هؤلاء المشركون المكذبون برسالة الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدخلوا جنات النعيم؟! كلا، بل مأواهم جهنم، إنا خلقناكم من الماء المهين الضعيف، أي من خلق من ذلك، فليس بذات خلقه يعطى الجنة، بل بالأعمال الصالحة إن كانت. وهذا تقرير لوقوع المعاد والعذاب الذي هدّدوا به، وأنكروا حدوثه، أو استبعدوا وجوده.
نزلت هذه الآية كما تقدم: أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (38) لأن الكفار قالت: إن كانت ثمّ آخرة وجنّة، فنحن أهلها وفيها، لأن الله تعالى لم ينعم علينا في الدنيا بالمال والبنين وغير ذلك إلا لرضاه عنا.
(1) بمغلوبين.
(2)
يتحدثوا في الباطل.
(3)
القبور، جمع جدث.
(4)
مسرعين.
(5)
أنصاب للعبادة.
(6)
يسرعون.
(7)
ذليلة كسيرة.
ثم أنذرهم الله سبحانه بالهلاك إن داموا على الكفر، وهدّدهم بإيجاد آخرين مكانهم ليؤمنوا، فقال: فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ (40) أي فإني أقسم بمشارق الشمس والقمر والكواكب ومغاربها كل يوم من أيام السنة، على أننا قادرون على أن نخلق أمثل منهم، وأطوع لله تعالى ممن عصوه، ونهلك هؤلاء، ولن يعجزنا شيء، ولسنا بمغلوبين إن أردنا ذلك، بل نفعل ما أردنا، لكن اقتضت مشيئتنا وحكمتنا تأخير ذلك. وهذا دليل على كمال قدرة الله تعالى على الإيجاد والإعدام، مؤكدا بالقسم. وهو تهكّم بهم وتنبيه على تناقض كلامهم، حيث إنهم ينكرون البعث، ثم يطمعون في دخول الجنة، ويقرّون بأن الله هو خالق السماوات والأرض وخالقهم مما يعلمون، ثم لا يؤمنون بأنه قادر على خلقهم مرة ثانية.
والمشارق والمغارب: هي مطالع الشمس والقمر وسائر الكواكب، وحيث تغرب، لأنها مختلفة عند التفصيل، فلذلك جمع.
ثم أمر الله تعالى رسول الله عليه الصلاة والسلام بالإعراض عنهم حتى يوم البعث، زيادة في التهديد، وهو معنى قوله: اتركهم يا نبي الله يتحدّثون في باطلهم، ويلهون في دنياهم، ويعاندون في تكذيبهم وإنكارهم البعث، حتى يلقوا يوم القيامة وما فيه من أهوال، ويجازوا بأعمالهم. والآية وعيد، وما فيه من معنى المهادنة منسوخ بآية السيف.
اذكر أيها النّبي يوم يقومون من القبور بدعوة الله تعالى لموقف الحساب، مسرعين متسابقين، كأنهم في إسراعهم إلى الموقف، كما كانوا في الدنيا يهرولون أو يسرعون إلى شيء منصوب، من علم أو راية. والأجداث: القبور، والنصب: ما نصب للإنسان، فهو يقصد مسرعا إليه، من علم أو بناء أو صنم لأهل الأصنام. وقد كثر استعمال هذا الاسم في الأصنام حتى قيل لها: الأنصاب.
إنهم في خروجهم من الأجداث (القبور) تكون أبصارهم ذليلة كسيرة، وتغشاهم المذلّة الشديدة، لهول العذاب الذي يواجههم، وفي مقابلة استكبارهم عن الطاعة في الدنيا، ذلك اليوم المشتمل على الأهوال العظام: هو اليوم الذي أوعدهم الله تعالى به، وأنذرهم بملاقاته، وكانوا يكذّبون به، وليتهم آمنوا به، فنجوا من العذاب.
وعبر عن مجيء وقت العذاب بلفظ الماضي: كانُوا يُوعَدُونَ لأن ما وعد الله به يكون آتيا لا محالة.