الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قالوا: ومن لا يجب رسول الله صلى الله عليه وسلم محمدا إلى توحيد الله وطاعته، فلا يتمكن من الإفلات من الله، ولا يعجز الله أبدا، والمعجز: الذاهب في الأرض، لتعجيز طالبه، وليس له من غير الله أنصار ينصرونه ويمنعونه من عذاب الله، أولئك الذين لا يجيبون داعي الله في خطأ واضح، وانحراف ظاهر عن الحق، وهذا تهديد ووعيد، فجمع الجن في كلامهم على طريقة القرآن بين الترغيب والترهيب. ثم توالت وفود الجن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفدا وفدا.
إثبات عقيدة البعث والأمر بالصبر
أثبت الله تعالى بالأدلة القاطعة مسألة المعاد بعد الموت، لأن المشركين الوثنيين كانوا ينكرونها، وذلك في مناسبات مختلفة، ومنها في سورة الأحقاف التي تهدف إلى إثبات أصول العقيدة الثلاثة: وهي التوحيد، والنبوة، والبعث، وناسب هذه الأصول الأمر بالصبر في الدعوة إلى هذه الأصول، كما صبر الأنبياء والرسل الكرام في دعوتهم، لتعليمنا وعظتنا. وهذا ما ذكرته الآيات الآتية:
[سورة الأحقاف (46) : الآيات 33 الى 35]
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (33) وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (34) فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَاّ ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَاّ الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ (35)
«1» «2» «3» [الأحقاف: 46/ 33- 35] .
الآية الأولى: أَوَلَمْ يَرَوْا خطاب لقريش، لأنهم قالوا: إن الأجساد لا يمكن أن
(1) ولم يعجز عنه ولم يضعف.
(2)
لا تتعجل إنزال العذاب بقومك.
(3)
خبر لمبتدأ محذوف تقديره هذا بلاغ، فحذف المبتدأ للعلم به.
تبعث ولا تعاد، وهم مع ذلك معترفون بأن الله تعالى خلق السماوات والأرض، فأقيمت عليهم الحجة من أقوالهم.
والرؤية في قوله: أَوَلَمْ يَرَوْا رؤية القلب، أي أولم يتفكر القرشيون المنكرون للبعث، ويعلموا أن الذي خلق الكون من السماوات والأرض في ابتداء الخلق، ولم يعجز عن ذلك ولم يضعف عن الخلق، بل قال لها: كوني فكانت، بقادر على أن يحيي الموتى من قبورهم مرة أخرى؟! بلى (جواب بعد النفي المتقدم) أي بل إن الله قادر على ذلك كله، إنه سبحانه وتعالى قادر على أي شيء أراد خلقه، ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.
وبعد لفت النظر هذا، جاء وعيد الكفار من قريش وسواهم، واذكر أيها الرسول لقومك يوم يعذّب الكافرون بالله في نار جهنم، ويعرضون مباشرة عليها، ويقال لهم توبيخا وتقريعا: أليس هذا العذاب الذي تعذّبونه حقا وعدلا وواقعا لا شك فيه، وقد كنتم تكذبون به؟ فيجيبون: بلى وربنا، فذلك تصديق حيث لا ينفع. قال الحسن البصري: إنهم ليعذّبون في النار، وهم راضون بذلك لأنفسهم، فيعترفون أنه العدل، فيقول لهم المحاور من الملائكة عند ذلك: فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ أي يقال لهم على سبيل الإهانة والتوبيخ: ذوقوا عذاب النار، بسبب كفركم به في الدنيا وإنكاركم له.
والداعية الناجح: هو الذي لم يترك سبيلا للإصلاح والإرشاد إلا سلكه، وتدرّع بالصبر، ولم يغضب ولم يضجر، لذا أمر الله نبيه بأن يصبر على تكذيب قومه، قائلا:
فاصبر يا محمد على تكذيب قومك كصبر أولي الجد والعزيمة من الرسل، وأنت منهم، وهم أصحاب الشرائع الكبرى: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم، ولا تستعجل يا محمد لهم العذاب، فإنه واقع بهم حتما.
ومفعول الاستعجال محذوف: وهو العذاب، معناه: لا تستعجل لهم عذابا، فإنهم إليه صائرون.
كأن الكافرين حين يشاهدون الوعيد المحقق بالعذاب، لم يمكثوا في الدنيا إلا قدر ساعة من الساعات، لاحتقارهم ذلك، ولما يشاهدونه من الأهوال العظام، كما جاء في آية أخرى: قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (112) قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ الْعادِّينَ (113)[المؤمنون: 23/ 112- 113] . وآية: كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها (46)[النازعات: 79/ 46] وهذا القرآن العظيم الذي يتم الوعظ به: تبليغ كاف، يقطع حجة الكافرين، والبلاغ: بمعنى التبليغ، فالقرآن بلاغ، كما قال تعالى: هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (52)[إبراهيم: 14/ 52] . وقال سبحانه:
إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ (106)[الأنبياء: 21/ 106] .
ولا يهلك الله بعذابه إلا القوم الفسقة الخارجين عن الطاعة، المنغمسين في المعصية، وهذا من عدل الله تعالى ألا يعذّب أحدا إلا بذنب. وفي هذه الآية وعيد عظيم وإنذار بيّن، لأن الله تعالى جعل الحسنة بعشر أمثالها، والسيئة بمثلها، وأمر بالطاعة ووعد عليها بالجنة، ونهى عن الكفر وأوعد عليه بالنار،
قال صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه مسلم والدارمي وأحمد: «لا يهلك على الله إلا هالك» .
قال الثعلبي: يقال إن قوله تعالى: فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ أرجى آية في كتاب الله تعالى للمؤمنين.