الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جزاء المتقين
يقابل جزاء الكافرين الموصوف في الآيات السابقة في سورة الطور جزاء المتقين المتميز بروضات النعيم، ليبين الفرق، ويقع التحريض على الإيمان. والمتقون هنا:
هم متقو الشرك، لأن مصير كل مؤمن في النهاية إلى الجنات، وكلما زادت درجة التقوى، تأكد تحصيل نعيم الآخرة، وهذا النعيم ذو ألوان مادية ومعنوية كثيرة، والماديات: أطعمة وأشربة وفواكه وألبسة، ونحوها، تزدان بالخدمات المميّزة، ومن الخدم الغلمان كأنهم لؤلؤ مكنون: وهو أجمل اللؤلؤ. وهذا على خلاف حال الدنيا حيث يكون الخدم في الغالب في قبح وتبذل، لا صون معه ولا جلاء فيه. ويعرف ذلك من الآيات الآتية:
[سورة الطور (52) : الآيات 17 الى 28]
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (17) فاكِهِينَ بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقاهُمْ رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (18) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (19) مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (20) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ (21)
وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (22) يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ (23) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (24) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (25) قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ (26)
فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ (27) إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (28)
«1» «2» «3» «4» «5» «6» [الطور: 52/ 17- 28] .
إن أهل التقوى الذين اتبعوا أوامر الله وابتعدوا عن معاصيه، وتجنبوا الشرك هم في جنات (بساتين) نضرة. ويتنعمون فيها بنعيم دائم، خلافا لما عليه الكفرة من عذاب
(1) فرحين مسرورين. [.....]
(2)
جمع حوراء: وهي المرأة البيضاء، والعين جمع عيناء: الواسعة العين مع شدة سواد المقلة.
(3)
وما نقصناهم بهذا الإلحاق.
(4)
اللغو: ما لا خير فيه. والتأثيم: ما يوقع في الإثم.
(5)
خائفين من عذاب الله.
(6)
اسم النار، والسموم: الريح الباردة أو الحارّة.
الجحيم. فاكهين (فرحين مسرورين) بما منحهم الله من النعيم، من أصناف الملاذ في المآكل والمشارب والملابس والمساكن والمراكب والفرش والحور العين وغير ذلك، وحماهم الله من عذاب النار، وتلك نعمة مستقلة بذاتها، تضم إلى نعمة دخول الجنة، والوقاية من العذاب: تظهر في متقي المعاصي الذي لا يدخل النار. وأما متقي الشرك الذي يعذب على معاص أخرى، فوقاهم ربهم عذاب الخلود في الجحيم.
وتقول لهم ملائكة الرضوان في الجنة مهنئة لهم: كلوا من طيبات الرزق، واشربوا مما لذّ وصفا وطاب، من غير نكد ولا كدر، بسبب ما قدمتم من أعمال صالحة في الدنيا، تفضلا من الله وإحسانا.
وأنواع المتع الأخرى أنهم والحال يجلسون على أسرّة مصفوفة، متصل بعضها ببعض، حتى تصير صفا واحدا، للدلالة على الاطمئنان والراحة وفراغ البال من الشواغل، ويزوجهم ربهم بقرينات صالحات هن الحور العين: ذوات البياض في الجسم، وبياض العين مع شدة سواد المقلة، وواسعات الأعين.
ومن زيادة النعم والفضل والإحسان: أن الله تعالى يلحق الذرية الذرية المؤمنة كبارا وصغارا على القول الأرجح، بالآباء المؤمنين، والمعنى: يرفع ذرية المؤمن إليه، بشفاعته التي يأذن الله بها. وإن لم يكونوا في التقوى والأعمال كالآباء، فإنه سبحانه يلحق الأبناء بمراتب أولئك الآباء كرامة للآباء، جاء في حديث أخرجه سعيد بن منصور وابن جرير وغيرهما عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال:«إن الله ليرفع ذرية المؤمن معه في الجنة، وإن كانوا دونه في العمل لتقرّ بهم عينه» ثم قرأ: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ الآية. وقوله: بِإِيمانٍ: هو في موضع الحال.
ولا ينقص الله الآباء نعمة أو ثوابا لأعمالهم، بإلحاق ذريتهم بهم، وكل إنسان مرتهن يوم القيامة بعمله، فلا يتحمل أحد ذنب شخص آخر، أيا كان أبا أو ابنا،
والمعنى: أن الله تعالى يلحق المقصّر بالمحسن، ولا ينقص المحسن من أجره شيئا، والرهين: المرتهن. وفي ألفاظ كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ وعيد.
وأصناف النعم المادية على المتقين هي:
- وَأَمْدَدْناهُمْ أي وزودناهم على ما كان لهم من النعيم فاكهة متنوعة، ولحما مختلفا من أنواع اللحوم، من كل ما تشتهيه أنفسهم وتستطيبه وتلذ به. ولا كلفة في الجنة، فلا يتكلّف فيها الذبح والسلخ والطبخ. روي أن المنعّم إذا اشتهى لحما، نزل ذلك الحيوان بين يديه على الهيئة التي اشتهاه فيها.
- ويتعاطون في الجنة كأسا من خمر الجنة، والكأس: الإناء الذي فيه الشراب، ويتجاذبون الكؤوس مع جلسائهم تجاذب سرور ولهو وملاعبة، لشدة فرحهم، وليس في شراب الآخرة ما يدعو إلى اللغو (الكلام الذي لا خير فيه) والتأثيم (الذي يوقع في الإثم) خلافا لشراب الخمور في الدنيا.
ويطوف (يدور) عليهم للخدمة بالكأس والفاكهة والطعام وغير ذلك فتيان يخدمونهم، كأنهم في الحسن والبهاء لؤلؤ مستور، مصون في الصّدف.
- وأقبلوا يتحادثون، ويسأل بعضهم بعضا في الجنة عن أعمالهم وأحوالهم في الدنيا، وما كان فيها من متاعب ومخاوف.
وأجاب المتحدثون سائليهم: إنا كنا في الدنيا خائفين وجلين من عذاب الله، فتفضل الله علينا بالمغفرة والرحمة، ووفقنا للعمل الصالح، ووقانا عذاب السموم (عذاب النار) . والسموم: اسم من أسماء جهنم. والسموم: الحارّ، الذي يبلغ مسامّ الإنسان، ويقال للريح الباردة: سموم.
إنا كنا في الدنيا ندعوه، أي نعبده ونسأله المغفرة والرحمة، فاستجاب لنا، إنه سبحانه هو الكثير الإحسان، الواسع الرحمة والفضل.