الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وصمموا بعد وقعة بني المصطلق (قبيلة من اليهود) على طرد المؤمنين من المدينة، وأحجموا عن الإنفاق في سبيل المصلحة العامة أو الخير، كما يتبين من منطوق الآيات الآتية:
[سورة المنافقون (63) : الآيات 7 الى 11]
هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ (7) يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ (8) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (9) وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (11)
«1» «2» «3» «4» [المنافقون: 63/ 7- 11] .
أخرج البخاري وأحمد والترمذي وغيرهم عن زيد بن أرقم قال: سمعت عبد الله ابن أبي يقول لأصحابه: «لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضّوا، فلئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعزّ منها الأذلّ» ، فذكرت ذلك لعمّي، فذكر ذلك عمي للنّبي صلى الله عليه وسلم، فدعاني النّبي صلى الله عليه وسلم، فحدّثته، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبد الله بن أبي وأصحابه، فحلفوا ما قالوا، فكذّبني، وصدّقه، فأصابني شيء لم يصبني مثله، فجلست في البيت، فقال عمي: ما أردت إلى أن كذبك رسول الله صلى الله عليه وسلم ومقتك، فأنزل الله: إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ فبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقرأها، ثم قال:«إن الله قد صدّقك» .
هؤلاء المنافقون يقولون للأنصار: لا تطعموا أصحاب محمد المهاجرين، حتى يجوعوا ويتفرّقوا عنه. فردّ الله عليهم بأن الله هو الرزاق لهؤلاء المهاجرين، وبيده
(1) يتفرّقوا.
(2)
الغلبة.
(3)
فأتصدّق.
(4)
نهاية العمر.
مفاتيح أرزاق العباد، يعطي من يشاء، ويمنع من يشاء، ولكن المنافقين يجهلون أن خزائن الأرزاق بيد الله، فظنّوا أن الله لا يوسّع أو يعوّض على المؤمنين ما فقدوه أو تركوه من أموالهم في مكة.
والأظهر أن الخزائن أشياء مخلوقة موجودة، يصرّفها الله تعالى حيث يشاء.
هؤلاء المنافقون: هم الذين يقولون- والقائل زعيمهم عبد الله بن أبي-: لئن عدنا من هذه الغزوة- غزوة بني المصطلق- إلى المدينة، ليخرجن الأعزّ (أي نفسه) منها الأذلّ (أي الرسول والمؤمنين) ، ولم يلبث بعد أن رجع زعيم النفاق ابن أبيّ إلى المدينة أياما يسيرة، حتى مات، وردّ الله على المنافقين: بأن لله وحده القوة والغلبة، ولمن منحها من رسله وصالح المؤمنين، لا لغيرهم، ولكن المنافقين لا يعلمون أو لا يدرون ذلك. وفي ذلك وعيد لهم.
ثم حذّر الله المؤمنين من التشبه بالمنافقين، فقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ «1» .. أي يا أيها المصدّقون بالله ورسوله، لا تشغلكم الأموال وتدبيرها، عن القيام بذكر الله تعالى من التوحيد والصلاة والدعاء وغير ذلك من تسبيح وتحميد وتهليل، وأداء الفرائض الأخرى غير الصلاة. ومن يتلهى بالدنيا ومتاعها وزخارفها، وينصرف عن الدين وطاعة ربّه، فإنه من الخاسرين، الكاملي الخسران، الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة، لأنه باع خالدا بفان زائل، وهذا تحذير وتوعّد وتخويف. والأظهر أن (ذكر الله) ، هنا عام في التوحيد والصلاة والدعاء وغير ذلك من فرض ومندوب.
ثم حثّ الله المؤمنين على الإنفاق في طاعته ونشر دينه وجهاد عدوه، فقال:
(1) الإلهاء: الاشتغال بشهوة ولذّة.
وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ.. أي وبادروا إلى الإنفاق من بعض ما رزقناكم، في سبيل الخير العام، شكرا على النعمة، ورحمة بالفقراء، ورعاية للمصلحة العامة العليا، من قبل مجيء أسباب الموت ومشاهدة علاماته، فيقول الواحد منكم: هلا أمهلتني يا ربّ، وأخّرت موتي إلى مدة أخرى قصيرة، فأتصدّق بمالي، وأكن من الصالحين المستقيمين. وهذا دليل على أن كل مفرّط أو مقصّر في عمل الخير يندم عند الاحتضار.
وقوله تعالى: وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ.. الأظهر أنه عام في كل مفروض ومندوب.
وكذا قوله: مِنَ الصَّالِحِينَ ظاهره العموم. وقوله تعالى: يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ أي علاماته وأوائل أمره. وقوله لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ مطالبة بالعودة إلى الدنيا والإمهال.
ولن يؤخر الله تعالى أي نفس عن الموت أو قبض الروح إذا حضر أجلها، وانقضى عمرها، والله لا يخفى عليه شيء من أعمالكم، فهو مجازيكم عليها، بالخير خيرا، وبالشّرّ شرّا. وهذا حضّ على المبادرة لعمل الخير، ومسابقة الأجل بالعمل الصالح.
إن النّدم من أي إنسان على التفريط وطلب العودة إلى الدنيا لتدارك التقصير عما فاته، لا يفيد الإنسان شيئا، فلات ساعة مندم، فقد تم القضاء، ونفذ الأمر، ولا أمل في النجاة إلا بالعمل الصالح.