الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إن الذي تعبدونه من الأصنام والأوثان التي هي على صورة بعض الملائكة في زعمكم، لا يملكون شيئا من الأرض والسماوات، ولو كان ذلك شيئا حقيرا بمقدار القطمير، أي قشرة النواة الرقيقة.
ودليل عجز الأصنام: أنكم أيها الوثنيون إن دعوتموها من دون الله، لا تسمع دعاءكم، لأنها جماد لا تدرك شيئا، ولو سمعوا لا يقدرون أن ينفعوكم بشيء مما تطلبون منها، لعجزها عن ذلك، ويوم القيامة يجحدون كون ما فعلتموه حقا، وينكرون أنهم أمروكم بعبادتهم أو أقروكم عليها، ولا يخبرك عن أمر هذه الآلهة وشأن عبدتها إلا خبير بصير بها: وهو الله تعالى.
أسباب عبادة الله تعالى
العبادة صلة بالمعبود، وملء القلب بحب الله وعظمته وخشيته، وإشعار بمزيد الحاجة إلى الله تعالى، فهي نفع للعبد، والله تعالى لا تنفعه طاعة، وهو غني عن الناس، لذا تنبغي العبادة لله، فهي ذات شأن كبير، وتستحق التهديد على تركها، مع إعلامنا بمسؤولية كل إنسان عن نفسه فقط، وإرشادنا إلى أن التبشير بالخير، والإنذار بالشر، إنما ينفع من خشي الله تعالى بالغيب، وأقام الصلاة، وزكّى وطهر نفسه من دخائل السوء. والمؤمن يحيا في نور، والكافر يعيش في الظلام، ومهمة النبي صلى الله عليه وسلم تبشير المطيع بالجنة، وإنذار المخالف بالنار، وهو الواقع في كل أمة، كما أن التكذيب من الأقوام قديم، قال الله تعالى واصفا كل هذه المعاني والإرشادات:
[سورة فاطر (35) : الآيات 15 الى 26]
يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16) وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (17) وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (18) وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ (19)
وَلا الظُّلُماتُ وَلا النُّورُ (20) وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ (21) وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلا الْأَمْواتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (22) إِنْ أَنْتَ إِلَاّ نَذِيرٌ (23) إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَاّ خَلا فِيها نَذِيرٌ (24)
وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتابِ الْمُنِيرِ (25) ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (26)
«1» [فاطر: 35/ 15- 26] .
هذه مواعظ وإرشادات، فيا أيها الناس جميعا، أنتم المحتاجون إلى الله تعالى في كل شيء، والله هو الغني الذي لا حاجة به لأحد، وهو المحمود بالإطلاق المشكور على نعمه وعلى جميع ما يفعله ويقوله، ويقدّره ويشرعه.
ودليل غناه وقدرته: أنه لو شاء لأفناكم، وأتى بقوم غيركم، هم أطوع لله منكم، وأقوم وأتم، وليس ذلك بصعب أو ممتنع على الله تعالى، بل هو يسير هيّن عليه، وهذا تهديد ووعيد.
والمسؤولية لكل إنسان شخصية أو فردية، فلا تتحمل نفس آثمة ذنب نفس أخرى، وذلك لا يمنع من مضاعفة العذاب للقادة المضلين. وكلمة تَزِرُ معناه تحمل الوزر الثقيل. وهذه الآية متعلقة بالذنوب والآثام والجرائم.
وإن طلبت نفس، مثقلة بالأوزار والمعاصي، مساعدة نفس أخرى في حملها، لتحمل عنها بعض الذنوب، لم تتحمل تلك النفس شيئا من ذنوب غيرها، حتى ولو كانت قريبة لها في النسب، كالابن والأب، لأن كل إنسان مشغول بنفسه وحاله.
وأنت أيها النبي تفيد دعوتك أهل التقوى، وتفيد بوعظك الذين يخافون من عذاب ربهم قبل معاينته، وفي خلواتهم السرية، ويؤدون الصلاة المفروضة عليهم على النحو
(1) أي الكتب المكتوبة.
المشروع، تامة الأركان والشرائط، ومن تطهر من الشرك والمعاصي، وعمل صالحا، فإنما يتطهر لنفسه، لأن نفع ذلك يعود على نفسه، لا على غيره، وإلى الله المرجع والمآب، وهو سريع الحساب، يجازي كل امرئ بما كسب.
سبب هذه الآية أن الوليد بن المغيرة قال لقوم من المؤمنين: اكفروا بمحمد، وعليّ وزركم، فحكم الله تعالى بأن الأوزار لا يحملها أحد عن أحد.
ثم ضرب الله المثل للمؤمن والكافر، فكما أنه لا يستوي الأعمى والبصير، ولا الظلمة ولا النور، ولا الظل ولا الحرور (شدة حر الشمس) كذلك لا يتساوى الكافر الذي عمي عن دين الله، والمؤمن الذي عرف طريق الرشاد، فاتبعه وانقاد له، ولا تتساوى ظلمات الكفر ونور الإيمان، ولا يتساوى الثواب والعقاب أو الجنة والنار.
ولا يتساوى المؤمنون أحياء القلوب والنفوس والمشاعر، والكافرون أموات القلوب والحواس، ومصدر الهداية هو الله تعالى، فإن الله يرشد من يشاء إلى سماع الحجة وقبولها والانقياد لها، والمشركون لا ينتفعون بهداية النبي صلى الله عليه وسلم، لأن الكفر سيطر عليهم وأمات قلوبهم، كما لا ينتفع الموتى في قبورهم بالهداية والإرشاد. وهذا تمثيل بما يحسه البشر ويشاهدونه، فهم يرون أن الميت لا يسمع. وما أنت أيها النبي إلا رسول منذر عذاب الله، ليس عليك إلا الإنذار والتبليغ، وأما الهداية فهي بيد الله تعالى.
ولقد أرسلناك أيها الرسول بدعوة الحق الثابت المطابق للواقع، مبشرا أهل الطاعة بالجنة، ومنذرا الكافرين والعصاة بالنار.
ولم تخل أية أمة من الأمم السابقة من نذير منذر، لئلا يكون للناس حجة أو عذر، وإن يكذبك أيها الرسول قومك فقد كذبت الأمم الماضية أنبياءهم، جاءتهم رسلهم