الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي القرآن آيات كثيرة أخرى تدل على عموم الرسالة الإسلامية لجميع أبناء البشرية رجالا ونساء، بل وللجنّ أيضا كما هو ثابت في سورة الجنّ وغيرها، مثل قوله تعالى: قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً [الأعراف: 7/ 158] .
وقوله سبحانه: تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً (1) [الفرقان:
25/ 1] .
موقف اليهود من التوراة
زعم اليهود أن النبي محمدا صلى الله عليه وسلم بعث إلى العرب خاصة، ولم يبعث لهم، لمفهوم الآية السابقة: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ.. فردّ الله عليهم بأنهم لم يعملوا بالتوراة، وأنهم لو عملوا بمقتضاها وما تضمنته من البشارة بالرسول محمد، لانتفعوا بها وآمنوا به، ولم يقولوا هذا القول. وكذلك ردّ الله عليهم حين قالوا:
نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ [المائدة: 5/ 18] بأنه لو كان قولهم حقا وموثوقا به، لتمنّوا على الله أن يميتهم، لينقلهم إلى دار كرامته التي أعدّها لأوليائه، وهم في الحقيقة لا يتمنون الموت أبدا، بسبب ما قدموا من الكفر وتحريف الآيات. وهذا ما صرّحت به الآيات التالية متضمنة هذين الرّدّين:
[سورة الجمعة (62) : الآيات 5 الى 8]
مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5) قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (6) وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (7) قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8)
«1» «2» «3»
(1) أي كلفوا بها.
(2)
كتبا علمية عظيمة.
(3)
أي أحبّاؤه.
«1» [الجمعة: 62/ 5- 8] .
إن مثل اليهود الذين كلفوا العمل بالتوراة والقيام بأوامرها ونواهيها، ثم هجروها وتركوها، كمثل الحمار الذي يحمل الكتب الكبيرة على ظهره، وهو لا يقدّر قيمتها وأهميتها، ولا الفرق بينها وبين الأحمال الأخرى، لأنه عديم الفهم. وهذا كما حمل الإنسان الأمانة. فهم لم يلتزموا حدود التوراة، حين كذبوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، والتوراة تنطق بنبوته، فكأن كل خير لم ينتفع به من حمّله، كمثل حمار عليه أسفار، لا يميز بينها. والأسفار جمع سفر: وهو الكتاب المجتمع الأوراق منضّدة.
ما أقبح ما يمثّل به للمكذبين الذين كذبوا بآيات الله، وما أشنع هذا التشبيه، وهو تشبيه اليهود بالحمار، فإياكم أن تكونوا أيها المسلمون مثلهم. والله لا يوفق للحق والخير القوم الكافرين، بنحو عام، ومنهم اليهود بالأولى. فقوله: بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ معناه وتقديره: بئس المثل مثل القوم.
ثم ذمّ اليهود ذمّا آخر، وردّ على مزاعمهم ردا آخر، قل أيها الرسول: يا أيها اليهود إن كنتم تزعمون أنكم أولياء الله، أي أحباؤه من دون الناس، وأنكم على هدى، وأن المسلمين على ضلالة، فاطلبوا الموت لتصيروا إلى الكرامة أو التكريم في زعمكم، وادعوا بالموت على الضّال من الفئتين، إن كنتم صادقين في هذا الزعم.
روي أنها نزلت بسبب أن يهود المدينة لما ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم خاطبوا يهود خيبر في أمره، فذكروا نبوّته، وقالوا لهم: إن رأيتم اتّباعه أطعناكم، وإن رأيتم خلافه خالفناه معكم، فجاءهم جواب أهل خيبر يقولون: نحن أبناء إبراهيم خليل الرحمن، وأبناء عزير ابن الله، ومنا الأنبياء، ومتى كانت النّبوة في العرب؟ نحن أحقّ بالنّبوة
(1) تخافون منه.