الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأنهار، وذلك الثواب والنعيم المذكور هو الفوز أو الظفر الكبير الذي لا مثيل له، جزاء إيمانهم وطاعة ربهم.
ليدرك الإنسان الفرق الواضح بين مصير المصرين على الكفر، والصادقين في الإيمان.
القدرة الإلهية
من كمال فضل الله تعالى وتمام رحمته: أن يذكّرنا دائما في المناسبات المختلفة بقدرته التي لا حدود ولا نهاية لها، فهي قدرة تامة، قدرة الخلق والإبداع، والمتابعة، والشمول، والدقة، التي لا يقف أمامها شيء، والتذكير بهذه القدرة فيه ترهيب الكافر، وترغيب المؤمن وتثبيته على الإيمان والشدائد، والصبر على المحن والأزمات، والأمثلة على التنكيل بالكافرين كثيرة في تاريخ الأمم السابقة، كفرعون وجنده وعاد وثمود وقوم تبّع وأصحاب الأيكة ونحوهم، وذلك يتضح في الآيات الآتية:
[سورة البروج (85) : الآيات 12 الى 22]
إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (13) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (16)
هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (17) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (18) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (19) وَاللَّهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ (20) بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (21)
فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (22)
«1» «2» «3» «4» [البروج: 85/ 12- 22] .
هذا تأكيد للوعد والوعيد في الآيات السابقة بما يفيد معرفة تمام قدرة الله تعالى على إنقاذ وعيده، وتنفيذ وعده، فإن بطش ربك، أي أخذه بقوة وسرعة، لشديد على المعذبين، عظيم قوي التأثير والنفاذ، مضاعف لمن أراد الله مضاعفة العذاب عليه،
(1) البطش: الأخذ بعنف وشدة.
(2)
المحب لمن أطاع.
(3)
قادر على التعذيب.
(4)
هو اللوح المحفوظ في سدرة المنتهى الذي تكتب فيه مقادير الكائنات.
فإنه سبحانه ذو القدرة الفائقة، الذي ما شاء كان، ويكون لمح البصر أو هو أقرب، وهذا ينشر جو الرهبة أمام كفار قريش وأمثالهم.
ويؤكد تمام القدرة: أن الله تعالى هو الذي بدأ الخلق أول مرة في الدنيا، وهو القادر على أن يعيدهم أحياء بعد الموت، يبدأ الخلق بالإنشاء ويعيد الخلق إليه بالحشر. قال ابن عباس فيما معناه: إن ذلك عام في جميع الأشياء، فهي عبارة عن أنه تعالى يفعل كل شيء، أي يبدئ كل ما يبدأ، ويعيد كل ما يعاد، وهذان قسمان يستوفيان جميع الأشياء.
ثم أكد الله تعالى الوعد الكريم بإيراد خمس صفات له سبحانه وهي:
أنه بالغ المغفرة وواسع الفضل، يغفر، أي يستر ذنوب عباده المؤمنين، إذا تابوا وأنابوا إليه، وأنه بالغ المحبة للمطيعين من أوليائه وأصفيائه. والمراد به: إيصال الثواب لأهل طاعته على الوجه الأتم.
قوله: الْغَفُورُ الْوَدُودُ صفتا فعل، الأولى ستر على عباده، والثاني لطف بهم وإحسان إليهم.
وأنه تعالى صاحب العرش العظيم، العالي على جميع الخلائق، وصاحب الملك والسلطان، والعظيم الجليل المتعالي، صاحب النهاية في الكرم والفضل، بالغ السمو والعلو.
وخصص الله العرش بإضافة نفسه إليه تشريفا للعرش، وتنبيها على أنه أعظم المخلوقات. والمجيد بالكسر في قراءة جماعة صفة للعرش، وذلك يدل على أن المجد والتمجّد قد يوصف به كثير من الموجودات. وبالرفع في قراءة الجمهور: صفة لله تعالى.
ثم أخبر الله تعالى نبيه بقصة فرعون وثمود للإيناس والتثبيت، فهل أتاك أيها النبي
خبر الجموع الكافرة المكذبة لأنبيائهم، والتي جندت جنودها لقتالهم؟ أو هل بلغك ما أحل الله بهم من البأس، لغلوهم في الكفر وتماديهم في الضلال؟ ومنهم: فرعون وجنوده، وقبيلة ثمود من العرب البائدة، قوم صالح عليه السلام، والمراد بحديثهم:
ما وقع منهم من الكفر والعناد، وما حلّ بهم من العذاب.
ومعنى الآية: فاجعل هؤلاء الكفرة الذين يخالفونك وراء ظهرك ولا تهتم بهم، فقد انتقم الله تعالى من أولئك الأقوياء الأشداء، فكيف بهؤلاء؟! والجنود: الجموع المعدّة للقتال، والتوجه نحو غرض واحد. وذكر فرعون وحده هنا لأنه هو رأس قومه وآله.
ثم ترك القول بحال فرعون وثمود، وأضرب عنه إلى الإخبار بأن هؤلاء الكفار بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم لا حجة لهم عليه ولا برهان، بل هو تكذيب مجرد سببه الحسد، أي إن الواقع القائم أن هؤلاء المشركين العرب في تكذيب شديد لك أيها النبي، ولما جئت به، ولم يعتبروا بمن كان قبلهم من الكفار.
ثم توعدهم الله تعالى بقوله: وَاللَّهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ (20) أي إن الله تعالى قادر على أن ينزل بهم ما أنزل بأولئك، قاهر الجبارين لا يفوتونه ولا يعجزونه، فهو مقتدر عليهم، وهم في قبضته لا يجدون عنها مهربا.
ثم رد الله تعالى على تكذيب قريش بالقرآن، فقال: بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (21) أي إن هذا القرآن الذي كذّبوا به شريف الرتبة في نظمه وأسلوبه، حتى بلغ حدّ الإعجاز، متناه في الشرف والكرم والبركة، وليس هو كما يزعمون بأنه شعر وكهانة وسحر، وإنما هو كلام الله تعالى المصون عن التغيير والتحريف، المكتوب في اللوح المحفوظ، وهو أم الكتاب.
إن هذا الكلام إضراب عن تكذيب القرشيين وإبطال له ورد عليه، بالإخبار بأن
هذا الكتاب قرآن مجيد، أي لا مذمة فيه، وهو كلام الله المنزل من اللوح المحفوظ الذي فيه جميع الأشياء. واللوح المحفوظ: شيء أخبرنا الله به، فيجب علينا الإيمان به، كما أخبر الله تعالى، وإن لم نعرف حقيقته، والغيبيات المجهولة عنا كثيرة، الجهل بها ينشر الهيبة، ويشيع الخوف من مفاجآتها.