الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الواحد الأحد، صاحب القهر والغلبة والقدرة، لا لأحد سواه من ملك أو رسول أو نبي.
إن يوم القيامة: هو يوم الجزاء والحساب والعقاب والثواب بحسب عمل كل عامل، من خير أو شر، صالح أو سيئ، ولا ظلم في الحكم فيه على أحد، فلا زيادة في العقاب، ولا نقص من الثواب، وإن الله في هذا الموقف سريع الحساب لعباده على أعمالهم في الدنيا، فيحاسب الخلائق كلهم كما يحاسب نفسا واحدة، كما جاء في آية أخرى: ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ [لقمان: 31/ 28] . وهذا نص واضح على أن الثواب أو العقاب على اكتساب العبد وعمله، وعلى إحاطة الله بالأشياء علما.
إنذارات من مخاوف القيامة
حرص الحق سبحانه وتعالى في قرآنه على تقويم الإنسان وضمان حياة السعادة والنجاة له، فقدّم له الإنذارات المتتالية، والتحذيرات المتعاقبة، ولا سيما من أهوال القيامة ومخاطرها، وهو يوم الآزفة، ليبادر الناس جميعا للإيمان، ويتجنبوا الشرك والعصيان، فإن فعلوا حققوا الخير لأنفسهم، وإن تمردوا وعصوا، جلبوا الدمار والهلاك لذواتهم، ولا يغنيهم أي شيء قدموه أو يقدمونه عن الجزاء العادل، والحساب الرهيب عن سوء أعمالهم، وفحش منكراتهم. وإذا كان الأمر خطيرا تفادينا أسبابه، والسبب النافع يحقق ثمرة طيبة، والسبب العقيم يؤدي إلى نتيجة وخيمة، قال الله تعالى واصفا إنذاراته:
[سورة غافر (40) : الآيات 18 الى 22]
وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ (18) يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ (19) وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (20) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَما كانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ (21) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ (22)
«1» «2»
(1) أي يوم القيامة، سميت بذلك لقرب وقوعها.
(2)
أي ممتلئين غما شديدا، والحناجر: جمع حنجرة وهي الحلقوم.
«1» [غافر: 40/ 18- 22] .
المعنى: خوّف أيها الرسول أهل الكفر من يوم القيامة، ليؤمنوا ويتركوا الشرك والضلال، حيث تكون القلوب في ذلك اليوم كأنها زائلة عن مواضعها من الخوف، وترتفع حتى تصير إلى الحلوق، ويكون أصحابها ممتلئين كربا وغما شديدا، ولا يكون للظالمين الكافرين قريب ينفعهم، ولا شفيع يشفع لهم، أو تقبل شفاعته بهم.
وقوله تعالى: إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ معناه عند الحناجر، قد صعدت من شدة الهول والجزع.
وهذا يصور حال الرعب والخوف أو الذعر الذي يكون عليه الكفار يوم القيامة، والله تعالى يعلم النظرة الخائنة، التي ينظرها الإنسان إلى ما حرّم الله عليه، أي يعلم الاختلاسة التي تختلس النظر إلى المحرّم وتسارقه، ويعلم الله أيضا كل ما تسرّه الضمائر من أمور خيّرة أو شريرة،. وما تخفيه الصدور من الرغبات والنوايا والخواطر.
والنظرة الخائنة: هي النظرة الثانية، وما تخفي الصدور: أي عند النظرة الأولى التي لا يمكن للمرء دفعها. وقوله تعالى: يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ متصل بقوله: سَرِيعُ الْحِسابِ لأن سرعة حسابه تعالى للخلق، إنما هي بعلمه الذي لا يحتاج معه إلى رؤية وفكرة، ولا لشيء مما يحتاجه الحاسبون. والله يحكم بالحكم العادل، ويجازي كل
(1) أي حافظ يدفع عنهم السوء أو العذاب.
إنسان بما يستحقه من خير أو شر. وأما الذين يعبدون الأصنام من غير الله، فإن أصنامهم لا يتمكنون من القضاء بشيء، أو فلا يحكمون بشيء، ولا يملكون شيئا، لأنهم لا يعلمون شيئا، ولا يقدرون على شيء، وإن الله هو السميع لكل شيء من الأقوال والبصير بالأفعال، فيجازي عليها أصحابها يوم القيامة. وهذا وعيد شديد، وتحذير رهيب على أقوالهم وأفعالهم.
ثم أنذر الله تعالى الكافرين، وخوّفهم من عقاب الدنيا، بعد أن حذّرهم من عذاب الآخرة، فأرشدهم إلى الاعتبار والاتعاظ بغيرهم، أفلم يمش هؤلاء المكذبون برسالتك أيها النبي محمد، فينظروا مآل الغابرين المكذبين أنبياءهم، وما حلّ بهم من عذاب الاستئصال والانتقام، مع أنهم كانوا أشد قوة من قومك أهل مكة وأمثالهم، وأبقى آثارا، بما عمروا في دنياهم من حصون وقصور، وأشادوا من مدن وقلاع، فأهلكهم الله بذنوبهم ومنكراتهم، ولم يكن لهم من الله من واق، أي ساتر مانع يقيهم السوء، ويدفع عنهم العذاب. وهذا تحذير شامل للكافرين في كل زمان، حيث يجب عليهم أن ينظروا بما حل بالأقوام الغابرين.
وعلّة هلاكهم وتدميرهم أو أخذهم وإماتتهم: بسبب أن رسلهم كانوا يأتونهم بالحجج الواضحة على الإيمان الحق، فكفروا بما جاءوهم به، فأهلكهم الله، ودمر ديارهم عليهم، إن الله ذو قوة شديدة، وبطش كبير، وذو عقاب مؤلم جدا، يفعل كل ما يريد، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، فهل من متعظ؟
وقوله تعالى: ذلِكَ إشارة إلى أخذ الله الكفار بذنوبهم، وإن لم يكن لهم منه واق أو حافظ مانع. وسبب إهلاك الماضين هو ما عليه قريش في عصر النبي صلى الله عليه وسلم، حيث جاءهم رسول من الله تعالى، مؤيد بالمعجزات والبراهين، فكفروا به، فأهلكهم الله، وقد وصف الله نفسه بالقوة وشدة العقاب، وكل ذلك وعيد لقريش وأمثالهم.