الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التّحذير من إنكار جهنم ووصف أهلها
ردّ الله تعالى على الكافرين الذين لا يؤمنون بالبعث، وعلى أنواع الطاعنين على الحقّ وأحوال أهل النار، فإن الجنة حق والنار حق، وكل إنسان مسئول عن نفسه لا عن غيره، ويتساءل أصحاب اليمين في الجنة عن سبب دخول المجرمين النار، فيذكر لهم السبب من الآن في الدنيا: وهو إعراضهم عن الإيمان وعن أداء الفرائض وعن إطعام المساكين، وإعراضهم ناشئ من التكبّر والأنفة، وتظل جهنم إنذارا كافيا لمن أراد التقدم إلى الخير والطاعة، وهذا ما أوضحته الآيات الآتية:
[سورة المدثر (74) : الآيات 32 الى 56]
كَلَاّ وَالْقَمَرِ (32) وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (33) وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ (34) إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ (35) نَذِيراً لِلْبَشَرِ (36)
لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (37) كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَاّ أَصْحابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41)
ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46)
حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ (47) فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ (48) فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (51)
بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً (52) كَلَاّ بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ (53) كَلَاّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (54) فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (55) وَما يَذْكُرُونَ إِلَاّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (56)
«1» «2» «3» «4» «5» «6» «7» «8» «9» «10» «11» [المدّثّر: 74/ 32- 56] .
قوله: كَلَّا ردّ على الكافرين والطاعنين على الدين الحق، ومفاد الرّد: أني أوجه تحذيرا رادعا لكم أيها الناس، فلا سبيل لإنكار وجود النار في الآخرة، وأقسم بالقمر، وبالليل إذا مضى وولّى ذاهبا، وبالصّبح إذا ظهر وأضاء قبل طلوع الشمس
(1) ولى وانصرم.
(2)
أضاء وظهر.
(3)
لإحدى الدّواهي الكبار.
(4)
وثيقة لشيء آخر.
(5)
ما أدخلكم في النار؟
(6)
نكذب مع المكذبين.
(7)
يوم الجزاء.
(8)
الموت.
(9)
حمير نافرة من نفسها. [.....]
(10)
من أسد.
(11)
صحف مبسوطة منتشرة.
بكثير، إن سقر (وهي جهنم) لإحدى الدّواهي العظام، لإنذار البشر وتخويفهم من عقاب الله تعالى على العصيان.
- وإن جهنم إنذار واضح لمن أراد أن يتقدم إلى الخير والطاعة، أو إلى الجنة بالإيمان، أو يتأخّر عن ذلك إلى الشّرّ والمعصية أو إلى النار، لإنذار البشر من عقاب الله على العصيان. قال ابن عباس: هذا تهديد وإعلام أن من تقدم إلى الطاعة والإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، جوزي بثواب لا ينقطع، ومن تأخّر عن الطاعة وكذّب محمدا صلى الله عليه وسلم، عوقب عقابا لا ينقطع. وقال الحسن البصري: لا نذير أدهى من النار.
ليس لكل امرئ إلا جزاء عمله، فكل نفس مأخوذة بعملها، مرتهنة به، فإن كان العمل خيرا خلّصها وأعتقها من العذاب، وإن كان شرّا أوبقها في النار، أي إن المقصّر مرتهن بسوء عمله.
لكن أصحاب اليمين (والاستثناء هنا منفصل أو منقطع) لأنهم لم يكتسبوا ما هم به مرتهنون. وهم في جنات يتنعمون، يسأل بعضهم بعضا عن أحوال المجرمين في النار، ما الذي أدخلكم في جهنم؟ والمقصود من السؤال: زيادة التوبيخ والتخجيل.
فأجابوا بأن هذا العذاب لأمور أربعة: لم نكن في الدنيا نؤدي الصلاة المفروضة، ولم نحسن إلى أحد، فلم نطعم الفقير المحتاج ما يجب إعطاؤه، وكنا نخالط أهل الباطل في باطلهم، أي كلما غوى غاو غووا معه، وكنا نكذب بيوم الجزاء أي القيامة، حتى أتانا الموت. والتكذيب بيوم القيامة كفر صراح بالله تعالى. فهذه أسباب أربعة لازمتنا طوال حياتنا الدنيوية: ترك الصلاة، والزكاة، والخوض في باطل الكلام أو الغواية، وإنكار البعث والحساب والجزاء. وكون الأمرين الأولين سبب النار دليل على أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة.
فمن كان متّصفا بمثل هذه الصفات، فلا تنفعه يوم القيامة شفاعة شافع فيه، من ملائكة وأنبياء وصالحين، لأن مصيرهم إلى النار حتما.
ما الذي حصل لهم حال كونهم معرضين عن القرآن الذي هو التذكرة والموعظة؟
كأنهم في نفورهم عن الحق وإعراضهم عنه، من حمر الوحش إذا فرّت من رماة يرمونها، أو من أسد يريد افتراسها. وجمهور اللغويين على أن القسورة: الأسد.
وقيل: الرجال الأشداء.
أخرج البخاري ومسلم وأحمد حديث الشفاعة، وهو طويل، وفيه:«تشفع الملائكة، ثم النّبيون، ثم العلماء، ثم الشهداء، ثم الصالحون، فيشفّعون، ثم يقول الله تعالى: شفع عبادي، وبقيت شفاعة أرحم الرّاحمين، فلا يبقى في النار من له إيمان» .
ومن صور عناد الكافرين: ما وصف الله تعالى: بل يريد كل واحد من هؤلاء المشركين أن ينزل عليه كتاب، كما أنزل على النّبي صلى الله عليه وسلم، فهم قد بلغوا من العناد حدّا تجاوزوا به أقدارهم. كلا (كلمة زجر وردع لهم) على اقتراحهم إنزال تلك الصحف المفتوحة المبسوطة، فلا يؤتونها، وهم في الحقيقة منكرون للبعث والحساب، لأنهم لو خافوا النار لما اقترحوا الآيات.
وكفاهم القرآن كتابا، حقّا إن القرآن تذكرة كافية لهم، فإنه خير تذكرة وموعظة، فمن أراد أن يذكره ويتّعظ به، اتّعظ واعتبر.
ولا يقع شيء في هذا الكون قهرا عن الله، لأنه المالك وصاحب السلطان، فما يذكرون القرآن ويتّعظون به إلا بمشيئة الله تعالى، الجدير بالتقوى، أي بأن يتّقيه ويخاف منه المتّقون، بترك معاصيه، والعمل بطاعاته. وهو أيضا الجدير بأن يغفر للمؤمنين ما فرط منهم من الذنوب، وبأن يقبل توبة التائبين من العصاة.
أخرج الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه والنّسائي عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النّبي صلى الله عليه وسلم فسّر هذه الآية، فقال:«يقول لكم ربّكم جلّت قدرته وعظمته: أنا أهل أن أتّقى، فلا يجعل معي إله غيري، ومن اتّقى أن يجعل معي إلها غيري، فأنا أغفر له» .