الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رِجْزٍ
أي عذاب من أشد أنواع العذاب وأكثرها إيلاما، لأن الرجز: أشد العذاب، وقوله تعالى: هذا هُدىً إشارة إلى القرآن، وأنه كامل في كونه هدى.
هذا التهديد والوعيد لكل أفاك أثيم، أي كذّاب كثير الآثام، مبالغ في اقترافها والإصرار عليها، يستدعي وقفة تبصر، وتأمل في المصير المشؤوم، سواء من الأفّاك نفسه، أو من كل سامع، ربما يتصف بهذه الصفات.
ويؤكد ذلك: أن الأفّاكين يتعرضون لخسارة محققة، فلا تفيدهم الأصنام التي عبدوها شيئا. ويجد المتأمل المتبصر القرآن أمامه هاديا إلى الخير، ومبعدا له عن الشر، وآخذا بيده نحو الطريق الأفضل، والسبيل الأقوم، فما على كل عاقل إلا أن يقبل على مائدة القرآن، ينهل منها ما يحقق له السعادة في الدنيا والآخرة.
من نعم الله تعالى
لا تفتأ تمر لحظة في حياة الإنسان المؤمن وغير المؤمن إلا والله ينعم عليه بنعم كثيرة، في نفسه وأفعاله وتحركاته، وأنشطته الاقتصادية والاجتماعية، وكلاءة هذه النعم ليقوم الدليل الدائم على وجود الله تعالى وفضله وتوحيده، وأنه الإله المعبود بحق، وفي ذلك مدعاة التأمل والتفكر، وضرورة التفويض لله تعالى في شأن عباده، والسمو عن التعصب ونظرة الحقد، ومعاملة الآخرين غير المؤمنين بالسماحة والعفو، والجزاء ينتظر الجميع: إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، قال الله تعالى مقرّرا هذه الأصول:
[سورة الجاثية (45) : الآيات 12 الى 15]
اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13) قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (14) مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (15)
«1» «2»
(1) ذلّل وهيّأ.
(2)
السّفن.
«1» [الجاثية: 45/ 12- 15] .
هذه باقة مزدهرة من أفضال الله ونعمه العديدة وهي:
- أن الله تعالى هو الذي ذلّل لكم البحر لجريان السفن فيه بإذنه وتيسيره، وللاتّجار والتّكسّب بين الأقطار، وللصيد، ولاستخراج الدّر واللؤلؤ والمرجان وغيرها من أعماق البحار، وللسفر للحج والجهاد وغيرهما، وليكون ذلك موجبا للشكر على هذه النّعم بسبب هذا التسخير والتيسير، وتحقيق المنافع لبني آدم.
وهذه آية عبرة في جريان السفن في البحر، لأن الله تعالى سخّر هذا المخلوق العظيم لهذا المخلوق الضعيف. وقوله بِأَمْرِهِ أناب القدرة والإذن مناب أن يأمر البحر والناس بذلك. والابتغاء من فضل الله تعالى: هو بالتجارة في الأغلب.
وتسخير البحر بثلاثة أشياء: توفير الرياح المساعدة على سير السفن، أو التمكين من اختراع الطاقة الكهربائية والذّرية والفحم وغير ذلك، وقدرة تحمّل الماء لمئات الأطنان والآلاف، التي قد تزيد حمولة السفينة فيها على نصف مليون طن، وإبقاء الخشب والحديد طافيا على وجه الماء دون إغراق.
- وذلّل لكم أيضا جميع ما في السماوات من شمس وقمر، وكواكب ونجوم، ومجرّات ورياح، وملائكة وغيرها، وجميع ما في الأرض، من جبال وبحار وأنهار، ورياح وأمطار، ومنافع أخرى، فضلا منه ورحمة، إن في ذلك التسخير لدلالات واضحات على قدرة الله عز وجل وتوحيده وفضله، لقوم يتفكرون فيها، ويستدلّون بها على التوحيد.
(1) جواب شرط مقدّر، تقديره: قل للذين آمنوا يغفروا، أو اندب المؤمنين للغفر.
وقوله: جَمِيعاً مِنْهُ قال ابن عباس: كل إنعام فهو من الله تعالى. لذا أمر الله بمحاسن الأخلاق، فقل أيها النّبي للمؤمنين أتباعك بأن يعفوا ويصفحوا عن مؤذيات المشركين الذين لا يتوقعون عذاب الله ونعيمه، لعدم إيمانهم بالبعث، ليجزي الله أولئك المؤمنين، بما كسبوا في الدنيا من الأعمال الحسنة، التي منها الصبر على أذى الكافرين.
نزلت هذه الآية في صدر الإسلام، أمر الله تعالى المؤمنين فيها أن يتجاوزوا عن الكفار، وألا يعاقبوهم بذنب، بل يأخذون أنفسهم بالصبر عليهم والمصابرة لهم.
والآية تتضمن الغفران عموما.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: لما أنزلت مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً [البقرة: 2/ 245] . قال فنحاص اليهودي: احتاج ربّ محمد، تعالى الله عز وجل عن قوله، فأخذ عمر رضي الله عنه سيفه، ومرّ ليقتله، فردّه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له: إن ربّك يقول: قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ..
وأيام الله معناه: أيام إنعامه ونصره ونعيمه في الجنة وغير ذلك. ويرجون: بمنزلة (يخافون) .
وقوله: لِيَجْزِيَ وعيد للكافرين.
ومضمون الآية: أن الله تعالى يجزي قوما بكسبهم، ويعاقبهم على ذنوبهم وإجرامهم، وأكّد ذلك بقوله تعالى: مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ
…
أي إن كل عمل صالح يعمل به الإنسان، وهو مما أمر الله تعالى به، أو نهى عنه، يعمل به لنفسه ومصلحته، ومن أساء العمل باجتراح السيئات والمنكرات، فعلى نفسه جنى، ثم تعودون أيها البشر إلى الله يوم القيامة، فتعرضون بأعمالكم عليه، فيجزيكم عليها خيرها وشرّها. ويلاحظ أنه تعالى عبّر عن مجيء العمل الصالح باللام، والإساءة بعلى.