الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النصراء والأعوان لإنقاذهم من عذاب الله فلا يسعفهم أحد، إذ إنه ليس للأصنام المعبودة، ولا لبعض المتألهين، أي شفاعة أو مجال ينفعون به غيرهم، لأن الأمر كله بيد الله، وتخيب المساعي كلها في الإنقاذ، لأن عالم الآخرة عالم الحساب، والقضاء، وتنفيذ الأحكام، ولا يقبل من أحد العذر أو التأسف أو الندم، فقد كان مجال هذا في الدنيا، فهي دار التكليف والاختبار، أما الآخرة: فهي دار القرار النهائي، ومقر إصدار الأحكام الإلهية، وتنفيذها من غير اعتراض ولا أمل في نقض حكم أو تغيير قضاء.
الاستجابة لأمر الله تعالى
وجّه الله تعالى في قرآنه الناس جميعا إلى المبادرة للإيمان، والإجابة لما يحيي القلوب، ويضيء النفوس، وينقذ الإنسان من عواقب الهلاك، والشر، وأسلوب التوجيه متعدد، ومتنوع، بالترغيب مرة، والترهيب مرة أخرى، والإطماع بجنان الخلد، والتحذير من أهوال القيامة والحساب الشديد، وبيان تقلب النفس، تفرح عند الرحمة الإلهية، وتجحد النعمة عند التعرض لمصيبة، وإدراك أن ملك السماوات والأرض بيد الله وحده، يهب الذرية للإنسان بحسب مشيئته وعلمه وحكمته، وقد يمنعها عنه، مع أن الله قدير على كل شيء، وهذه الآيات تبين مدى إجابة الإنسان لدعوة الله:
[سورة الشورى (42) : الآيات 47 الى 50]
اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (47) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلَاّ الْبَلاغُ وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ (48) لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ ما يَشاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50)
«1» «2» «3»
(1) أي أجيبوا.
(2)
أي منجى ينجيكم. [.....]
(3)
أي إنكار لذنوبكم يومئذ.
[الشورى: 42/ 47- 50] .
يأمرنا الله تعالى بالاستجابة لدعوة الله تعالى وشريعته، والمبادرة إلى الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، من قبل مجيء يوم يكون كلمح البصر، لا ملجأ ولا منجى لأحد فيه، ولا يردّ أحد بعده إلى عمل، إنه يوم القيامة، يحذرنا الله تعالى من أهواله ومفاجاته، حيث لا يفيد الإنسان شيء إلا العمل الصالح في الدنيا، ولا إنكار ما ينزل بالناس من عذاب. والنكير: مصدر بمعنى الإنكار، لا بمعنى المنكر اسم فاعل من فعل «نكر» ، لأن المعنى يصبح بعيدا، لأن (نكر) إنما معناه لم يميّز وظن الأمر على غير ما عهد. وهذا كقوله تعالى: يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10) كَلَّا لا وَزَرَ (11) إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (12)[القيامة: 75/ 10- 12] .
فإن أعرض المشركون عن إجابة دعوة الله ورسوله، فما أرسلناك أيها الرسول موكلا بهم، رقيبا عليهم، تحفظ أعمالهم وتحصيها، حتى تحاسبهم عليها، فليس عليك إلا تبليغ الرسالة، وأداء الأمانة، وإيصال الحجة.
إلا أن القوم المشركين عتاة أشداء مضطربون، إذا منحهم الله رحمة أو نعمة، وأمدهم بأمن وخير، ووفرة رزق، فرحوا بها واستبشروا، وإن أصابتهم سيئة كجدب أو نقمة، ومرض أو فقر، لاقترافهم المعاصي والذنوب، فإن الإنسان جحود للنعمة، متنكر للمعروف، فإن أصابته نعمة تكبر، وإن تعرّض لمحنة أو مصيبة يئس وأعرض. والكفور: المبالغ في كفران النّعم.
ثم أخبر الله تعالى عن أدلة قدرته، فهو مالك السماوات والأرض والمتصرف
فيهما بما يريد، وملكه محيط بالخلق، ومشيئته نافذة في جميع المخلوقات، وفي كل أمورهم، فإن الله تعالى وحده يخلق ما يشاء، ويمنع من يشاء، يهب من يشاء البنات فقط، ويرزق من يشاء البنين فقط، ويعطي من يشاء الصنفين معا ذكورا وإناثا، فالتزويج هنا بمعنى الجمع بين البنين والبنات، ويجعل من يشاء عقيما لا يولد له، لأن الملك ملكه، يتصرف في شؤون خلقه على وفق العلم الشامل، والحكمة الدقيقة، والمصلحة الحقيقية، فإنه سبحانه عليم بمن يستحق كل صنف من أصناف الأولاد، تامّ القدرة على منح ما يريد أو منع ما يشاء. فقوله تعالى: أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً معناه أن يجعل في بطن زوجا من الذرية ذكرا وأنثى. والعقيم: الذي لا يولد له.
وإنما بدأ الله تعالى بذكر الإناث تأنيسا بهن وتشريفا لهن، وحملا على العناية بهن، والإحسان إليهن،
قال النبي عليه الصلاة والسلام فيما أخرج البخاري ومسلم والترمذي وأحمد: «من ابتلي من هذه البنات بشيء، فأحسن إليهن كن له حجابا من النار» .
وقال واثلة بن الأسقع فيما حكاه الثعلبي عنه: «من يمن المرأة تبكيرها بالأنثى قبل الذّكر لأن الله تعالى بدأ بالإناث» . وقال إسحاق بن بشر: نزلت هذه الآية في الأنبياء عليهم السلام، ثم عمّمت، فلوط عليه السلام أبو بنات، لم يولد له ذكر، وإبراهيم عليه السلام عكسه، لم يولد له إلا الذكور، ومحمد عليه الصلاة والسلام ولد له الصنفان، ويحيى بن زكريا عليهما السلام عقيم.
وهذا التوزيع الإلهي في رزق الأولاد، كقسمة الأرزاق بين العباد، نابع من الحكمة الإلهية لخير الإنسان، أو لما يعلم له من أحوال تناسبه أو لمصالح بعيدة المدى.