الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كان، ويصطدم الشخص بواقعه الذي هو أعلم به، وهو خير شاهد وحجة على نفسه، حتى ولو أنكر أو اعتذر.
وأي سبيل للإنكار؟ وأعمال الإنسان مدوّنة عليه بوساطة ملك اليمين وملك الشمال، لأن الكتابة لا سبيل لمحوها أو إنكارها، والله أعلم بكل شيء صغير أو كبير، من كل مكتوب أو مقروء أو مقالة.
حفظ القرآن وحال الناس في الدنيا والآخرة
إنزال القرآن الكريم بالوحي على قلب النّبي صلى الله عليه وسلم شيء عظيم لا يعادله شيء في الدنيا، لذا حرص النّبي على تلقّي الوحي وعلى حفظه ومتابعته، وكان يردّده في مبدأ الأمر أثناء التّلقي، فأرشده الله تعالى إلى ضرورة الإصغاء له أولا، ثم يكون التثبيت والحفظ في القلب من فعل الله تعالى. أما منكر القيامة والبعث فهو معرض عن آيات الله تعالى ومعجزاته، وسبب إنكاره البعث: هو حبّ الدنيا، وترك العمل للآخرة.
والناس في الآخرة فريقان: فريق المؤمنين وفريق المشركين الذين يترقبون نزول دواهي العذاب بهم، وهذا ما عبّرت عنه الآيات الآتية:
[سورة القيامة (75) : الآيات 16 الى 25]
لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ (19) كَلَاّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ (20)
وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ (21) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (22) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ (23) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ (24) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ (25)
«1» «2» «3» «4» «5» [القيامة:
75/ 16- 25] .
أخرج البخاري ومسلم وأحمد، عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا
(1) قراءته. [.....]
(2)
الدنيا وما فيها.
(3)
حسنة جميلة مشرقة.
(4)
عابسة بشدة.
(5)
داهية عظيمة.
أنزل الوحي، يحرّك به لسانه، يريد أن يحفظه، فأنزل الله: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) الآية.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، حرصا منه على القرآن الموحى به إليه، يبادر إلى حفظه وترداده، ويسابق الملك في قراءته، ويحرّك شفتيه ولسانه بالقرآن، إذا أنزل عليه، قبل فراغ جبريل من قراءة الوحي، فنزلت هذه الآية.
ومعناها: لا تحرّك بالقرآن لسانك عند إلقاء الوحي، لتأخذه على عجل، مخافة أن يتفلت منك، كما جاء في آية أخرى: فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً [طه: 20/ 114] .
إن علينا جمعه في صدرك، حتى لا يذهب عليك منه شيء، وعلينا إثبات قراءته في لسانك على الوجه القويم. فإذا أتممنا قراءته عليك بلسان جبريل عليه السلام، فاستمع له وأنصت، ثم اقرأه كما أقرأك، وكرره حتى يرسخ في ذهنك. والقرآن: مصدر كالقراءة.
ثم إننا بعد حفظه وتلاوته، نفسّر لك ما فيه من الحلال والحرام، ونبيّن أو نوضّح لك ما أشكل منه، ونلهمك معناه كما أردناه وشرعنا، أي علينا تبيينه وتحفيظه لك.
إن هذه الآيات الأربع اشتملت على أحوال ثلاث: هي جمعه في صدره وحفظه، في الآيتين الأولى والثانية، وتلاوته وتيسير أدائه كما أنزل، في الآية الثالثة، وتفسيره وبيانه في الآية الرابعة. ثم أوضح القرآن الكريم حال منكر البعث، فوبّخه وقرّعه على إنكار البعث، وبيّن له سبب الإنكار، وهو:
كلا (كلمة ردع وزجر) أي أردعكم عما تقولون أيها المشركون من إنكار البعث، فإن الذي يحملكم على التكذيب بيوم القيامة، ومخالفة ما أنزله الله تعالى على رسوله، من الوحي الحق والقرآن العظيم، وسبب إنكاركم، هو محبّتكم دار الدنيا العاجلة، وتشاغلكم عن الآخرة، وترك العمل لها. وهذه الآية كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ
رجوع إلى مخاطبة قريش، في ردّهم الشريعة، أي ليس ذلك كما تقولون، وإنما أنتم قوم غلبتكم الدنيا بشهواتها، فأنتم تحبّونها حبّا تتركون معه الآخرة والنظر في أمرها.
ولما ذكر الله تعالى الآخرة، أخبر بشيء من حال أهلها.
وجوه المؤمنين في الجنة حسنة بهية، مشرقة مسرورة، ترى ربّها عيانا، ووجود الفجّار الكفّار في النار عابسة كالحة كئيبة، توقن أن سينزل بها داهية عظيمة، تكسر فقار الظهر. وجمهور العلماء على جواز رؤية الله تعالى في الآخرة، من غير تحديد بمكان معين.
جاء في الصحيحين عن جرير، قال: نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القمر ليلة البدر، فقال:«إنكم ترون ربّكم، كما ترون هذا القمر، فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس، ولا قبل غروبها، فافعلوا» .
وللآية نظائر منها: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38) ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (39) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُها قَتَرَةٌ (41) أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (42)[عبس: 80/ 38- 42] .
لقد تكفّل الله لنبيّه ثلاثة أمور لحفظ القرآن: وهي جمعه في صدره عليه الصلاة والسلام، وتلاوته، وتفسيره لبيان ما فيه من الحدود والحلال والحرام، والوعد والوعيد، والمشكلات.
وسبب إنكار المشركين البعث والجزاء: هو إيثار الدنيا والتّمتع بنعيمها، وترك العمل والاستعداد للآخرة، وهذا سوء اختيار، لأن نعيم الدنيا زائل، ونعيم الآخرة باق دائم.
ورؤية أهل الإيمان ربّهم في جنان الخلد، وحرمان الفجّار (الكفّار والعصاة) منها أمر ثابت مقرر لا شك فيه بدلالات الكتاب والسّنة، جاء في حديث مسلم عن صهيب: أن رؤية الله عز وجل هي الزيادة في قوله تعالى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ [يونس: 10/ 26] .