الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أنواع الوحي
الوحي الإلهي حقيقة واقعة لا ينكرها إلا كل جاحد منكر للدّين، وهو فضل من الله تعالى ونعمة، من أجل خير الإنسان ونفعه، وهو واحد وأمر مشترك بين جميع الأنبياء والرسل، ولولا الوحي لضل البشر وبقوا تائهين، تتحكم فيهم الأهواء والشهوات، وتستبد بهم المطامع والمصالح الذاتية، فكان من رحمة الله تعالى أن يجمع الناس على منهج واحد وصراط مستقيم، وذلك بالوحي المنزل على الرسل، سواء ما كان منه مكتوبا أو بالمعنى، وهذه آيات تدل على أنواع الوحي وأغراضه:
[سورة الشورى (42) : الآيات 51 الى 53]
وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَاّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51) وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِراطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (53)
«1» «2» [الشورى: 42/ 51- 53] .
سبب نزول الآية الأولى: وَما كانَ لِبَشَرٍ
أن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: ألا تكلم الله وتنظر إليه إن كنت نبيا، كما كلّمه موسى؟ فنزلت، وقال:
لم ينظر موسى إلى الله تعالى.
المعنى: لا يكون لأحد من الأنبياء عليهم الصلاة والسّلام، ولا ينبغي له، ولا يمكن فيه أن يكلمه الله تبارك وتعالى إلا بأن يوحي إليه بأحد أنواع الوحي: إما أن يكون وحيا مباشرا: وهو الإلهام والإلقاء في القلب يقظة أو في المنام، كرؤيا إبراهيم الخليل عليه السلام ذبح ولده.
(1) الوحي: إلقاء شيء في القلب، يتيقن أنه من عند الله.
(2)
الروح يراد به هنا القرآن.
وإما بأن يكون بسماع كلام من وراء ستار أو حجاب، أي من خفاء عن المكلّم، لا يستطيع تحديده أو تصوره بذهنه، ومن غير واسطة، متيقنا أنه كلام الله من حيث لا يرى، كما كلم الله موسى عليه السلام من وراء الشجرة المباركة، وكان موسى قد طلب رؤية الله بعد التكليم، فحجب عنها. وإما بأن يكون بوساطة إرسال رسول من الملائكة إما جبريل أو غيره، فيوحي ذلك الملك إلى الرسول من البشر بأمر الله وتيسيره ما يشاء أن يوحي إليه، وهذا دليل على أن الرسالة من أنواع التكليم.
ثم أوضح الله تعالى تشابه الوحي بين النبي محمد وبين من تقدمه من الأنبياء عليهم الصلاة والسّلام، وهو أنه مثلما أوحينا إلى سائر الأنبياء. أوحينا إليك يا محمد هذا القرآن الذي هو من أمر الله عز وجل، وهو بمثابة الروح حياة للأنفس وإنارتها بعد ظلامها وجهالتها، ومبدأ للحضارة والعلم والتقدم، والحد الفاصل بين عهدين:
عهد الأمية والجهالة والفوضى، وعهد العلم والمعرفة والنظام، فالروح في هذه الآية: هو القرآن الكريم وهدى الشريعة، سمّاه الله روحا، لأنه يحيي به البشر والعالم، كما يحيي الجسد بالروح، فهذا على جهة التشبيه. وقوله: مِنْ أَمْرِنا أي واحد من أمورنا أو كلامنا.
وإنزال القرآن على قلب النبي صلى الله عليه وسلم دليل على مقدار النعمة، فأنت أيها النبي رجل أمي لا تقرأ ولا تكتب، ولم تكن قبل القرآن المنزل عليك تعرف ما القرآن، وما معنى الإيمان، ولا تفاصيل الشرائع، ولكن جعلنا هذا القرآن الذي أوحيناه إليك ضياء ونورا، نهدي به من نشاء هدايته، أي نرشد، لأنه النور الذي يهتدي به الناس في ظلمات الحياة، كما جاء في آية أخرى: إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً (9)[الإسراء: 17/ 9] . والضمير في جعلناه: عائد على القرآن.
وإنك أيها الرسول لترشد الناس إلى طريق مستقيم، ومنهاج قويم، فقوله تعالى:
صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ يعني صراط شرع الله تعالى ورحمته، وطريق الله الذي له ملك السماوات والأرض، وربّهما المتصرف فيهما، والحاكم الذي لا معقّب لحكمه، والأمور كلها صائرة على الدوام إلى الله تعالى، وليس لأحد غيره، فيحكم بقضائه العدل. وهذا وعد للمتقين، ووعيد للظالمين، وتقريع لمن في ذهنه أن شيئا من الأمور إلى البشر. قال سهل بن أبي الجعد: احترق مصحف، فلم يبق منه إلا قوله تعالى:
أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ.
لقد اقترنت جهود النبي صلى الله عليه وسلم بنور القرآن وهدايته، وكان هذا الرسول يدعو إلى الخير، ومناصرة الحق، ويستمسك بالقرآن المجيد، ويدعو إلى السداد والطمأنينة، والاعتدال والوسطية وإقامة المجتمع الفاضل، ولا يزال هذا النبي منصورا بأمر الله.
والمقصود هو الإرشاد إلى دين قويم، لا اعوجاج فيه، وهو دين الإسلام الذي به ختمت النبوات، وانتهت به الرسالات.