الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إن سوء هذا المصير لأهل الشّمال وهم الكفرة الظالمون واضح السبب: وهو انهماكهم في شهوات الدنيا، وشركهم، وإنكارهم البعث أو اليوم الآخر، وهذا الإنكار مصدر كل شرّ، لأن من آمن بالحساب، خافه، ومن كفر بالحساب اقتحم المهالك من غير تقدير العواقب الوخيمة.
من أدلة إثبات القدرة الإلهية على البعث
كلما وصف الله تعالى إنكار المشركين للبعث، أعقبه بإيراد الأدلة الكافية على القدرة الإلهية الخارقة الكافية على تحقيق هذا الأمر، من واقع الناس وأحوالهم التي تحيط بهم، من خلقهم ورزقهم والإنعام عليهم، وخلق السماوات والأرض، وإحياء الأرض بالنباتات. والبعث ما هو إلا إعادة خلق هيّن على الله تعالى الذي لا يعجزه شيء صغير أو كبير في الأرض ولا في السماوات، فمن لاحظ كل هذا سهل عليه إدراك كيفية البعث الداخل تحت الأمر التكويني السريع:(كن فيكون) . وهذه بعض أدلة القدرة الإلهية في الآيات الآتية:
[سورة الواقعة (56) : الآيات 57 الى 74]
نَحْنُ خَلَقْناكُمْ فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ (57) أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ (58) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ (59) نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (60) عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ (61)
وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ (62) أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64) لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (66)
بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (67) أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (69) لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ (70) أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (71)
أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ (72) نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً وَمَتاعاً لِلْمُقْوِينَ (73) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74)
«1» «2» «3» «4» «5» «6» «7»
(1) الإمناء: إنزال المني.
(2)
لا يسبقنا أحد أو لا يغلبنا أحد.
(3)
علمتم الخلقة الأولى.
(4)
هشيما متكسّرا.
(5)
بقيتم تتعجبون من سوء حاله.
(6)
واقعون في الغرم: وهو خسارة النفقة وذهاب الزرع.
(7)
ممنوعون رزقنا.
«1» «2» «3» «4» [الواقعة: 56/ 57- 74] .
هذه أدلة واقعية محسوسة على قدرة الله تعالى، فلقد ابتدأنا خلقكم أول مرة، بعد العدم، فهلا تصدقون بذلك تصديقا مقرونا بالطاعة والعمل الصالح، وتقرون بأن من قدر على الخلق، قادر على الإعادة بطريق الأولى؟
أخبروني عما تقذفون من المني في الأرحام، أأنتم تخلقونه بشرا سويّا، أم نحن الخالقون الموجدون له؟! وهذا حضّ على التصديق على وجه التقريع. فلا يخفى على أحد ما يوجد في المني من عمل وإرادة وقدرة.
نحن قسمنا الموت بينكم ووقّتناه لكل فرد منكم، فمنكم من يموت كبيرا، ومنكم من يموت صغيرا، والكل سواء في الموت، وما نحن بمسبوقين يسبقنا أحد على أن نبدّل بكم غيركم، فتموت طائفة ونبدّلها بطائفة، وهكذا قرنا بعد قرن، وننشئكم بأوصاف لا يصلها علمكم، ولا تحيط بها أفكاركم. وهذا وعيد يستوجب العظة والعبرة. وهو دليل على كذب المكذبين بالبعث، وتصديق الرّسل في الحشر.
ودليل آخر: أنه قد علمتم أن الله أنشأكم بعد أن لم تكونوا شيئا مذكورا، فخلقكم على مراحل وأطوار، من نطفة، فعلقة، فمضغة، فهيكل عظمي، فإكساؤكم باللحم، وجعل لكم السمع والبصر والفؤاد، فهلا تتذكرون قدرة الله تعالى على النشأة الأخرى، وتقيسونها على النشأة الأولى؟! وهذه الآية نص في استعمال القياس والحضّ عليه.
(1) السحب، جمع مزنة: سحابة.
(2)
ملحا لا يشرب.
(3)
تقدحون نارها.
(4)
المسافرين.
ودليل آخر: أخبروني عما تحرثون من الأرض، وتطرحون فيه البذر، هل أنتم أوجدتموه زرعا ونباتا كاملا فيه السنبل والحب، بل نحن الذين ننبته في الأرض ونصيّره زرعا تامّا؟ بل أنت يا ربّ.
لو أردنا أن نجعل هذا الزرع يابسا أو هشيما متكسّرا لفعلنا، فصرتم تتعجبون من سوء حاله وما نزل به، قائلين: إننا لخاسرون مغرمون. والمغرم: الذي ذهب ماله بغير عوض، أو إننا لهالكون هلاك أرزاقنا.
وبعد المأكول يكون المشروب، أخبروني أيها الناس عن الماء العذب الذي تشربونه لإطفاء العطش، أأنتم أنزلتموه من السحاب أم نحن المنزلون بقدرتنا دون غيرنا، فكيف لا تصدقون بالبعث بعد هذا الإيجاد؟! لو أردنا أن نجعل هذا الماء ملحا لا يصلح للشرب ولا للزرع، لفعلنا، فهلا تشكرون نعمة الله الذي خلق لكم هذا الماء عذبا فراتا زلالا، تشربون منه، وتنتفعون به؟! ثم ذكر النار أداة الطّهي والإنضاج، فهل رأيتم النار التي تستخرجونها بالقدح من الزناد، أأنتم أنشأتم شجرتها التي تقدحون منها النار، أم نحن المنشئون لها بقدرتنا دونكم؟
نحن جعلناه هذه النار تذكرة لكم بحرّ نار جهنم الكبرى، ليتّعظ بها المؤمن، وينتفع بها المقوون، أي المسافرون الضاربون في البوادي، والأراضي القفر. فنزّه الله تعالى القادر على خلق هذه الأشياء أيها النّبي وكل مخاطب بالقرآن، حيث أوجد هذه الأشياء المختلفة المتضادة، من إيجاد عنصر الرطوبة بالماء، وعنصر الحرارة بالنار، ومادة الملوحة في البحار والمحيطات.
أخرج الإمام أحمد والبخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النّبي صلى الله عليه وسلم قال: «نار بني آدم التي يوقدون جزء من سبعين جزءا من نار جهنم، فقالوا: يا رسول الله، إن كانت لكافية؟ فقال: إنها قد فضلت عليها بتسعة وستين جزءا» .