الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مضاعفة الأحكام لزوجات النبي صلى الله عليه وسلم
صان الله تعالى بيت النبوة الطاهر صيانة أدبية عالية، وتعهد أمهات المؤمنين بالتربية العالية القائمة على العفة والكرامة، وجعلهن المثل الطيب الذي يحتذي لنساء المؤمنين والمؤمنات على ممر الزمان، واقتضى هذا إعدادهن لمنازل الآخرة العالية، ومضاعفة ثواب أعمالهن، وزيادة عقوبتهن، فالأجر مرتان، والعقاب ضعفان.
وهذا دليل على كون القرآن الكريم كلام الله تعالى، حيث لا مجال فيه لتمييز بيت النبوة بمزايا معينة أو بخصوصيات محددة، وإنما كان التشديد عليهن هو الصفة الغالبة، ويقابله زيادة الحسنات بفعل الصالحات، قال الله تعالى مبينا هذه الأحكام الخاصة:
[سورة الأحزاب (33) : الآيات 28 الى 31]
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً (29) يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (30) وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً (31)
«1» [الأحزاب: 33/ 28- 31] .
أمر الله تعالى رسوله بتخيير نسائه بين التمتع بزهرة الحياة الدنيا وزخافها وزينتها وهي المال والبنون، ومتاعها، وبين الآخرة ونعيمها، فإن آثرن الدنيا وأحببنها، فارقهن وأعطاهن متعة الطلاق المستحقة: وهو مال يهدى للمطلقة تطييبا لخاطرها، وطلقهن طلاقا لا ضرر فيه ولا بدعة.
قال أبو الزبير: نزل ذلك بسبب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله أزواجه النفقة، وطالبنه منها فوق وسعه.
(1) هذه الآية من الجزء 22.
وإن خيّر الزوج زوجته في تطليق نفسها، فقال الإمام مالك: هي طالق ثلاثا، وليس للزوج الإنكار، بخلاف التمليك. وقال غير مالك: هي طلقة بائنة.
وإن أرادت نساء النبي صلى الله عليه وسلم رضا الله ورسوله وثواب الآخرة وهو الجنة، فإن الله أعد للمحسنة منهن ثوابا عظيما، يفوق زينة الدنيا. ويشير هذا إلى أن من أراد الله ورسوله والدار الآخرة، كان محسنا صالحا. وحينما خيّرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الدنيا والآخرة، اخترن جميعا الآخرة، فسّر بذلك، وشكرهن الله على حسن اختيارهن، وكرّمهن.
ثم بعد اختيارهن الآخرة خصصهن الله تعالى بمضاعفة الأحكام الشرعية في حقهن، فيا نساء النبي، من يرتكب منكن معصية كبيرة ظاهرة القبح، كالنشوز وعقوق الزوج وسوء الخلق، يكون عقابها مضاعفا، لشرف منزلتكن وفضل درجتكن، وكان تضعيف العذاب لكنّ يسيرا هينا على الله تعالى. ويا نساء النبي، من تطع منكن الله ورسوله بسكون وخشوع، وتخشع جوارحها، وتستجب لأمر ربها، وتعمل عملا صالحا، يضاعف الله لكنّ الأجر والثواب، بسبب كونكن من أهل بيت النبوة ومنزل الوحي، وأعد الله لكل واحدة منكن زيادة على هذا رزقا كريما خالصا في الجنة، لا عيب فيه ولا نقص. والاعتاد: التيسير والإعداد، والرزق الكريم: الجنة، ويجوز أن يقصد بالرزق: الرزق الدنيوي من حيث هو حلال وطيب.
وأزواج (زوجات) الرسول صلى الله عليه وسلم اللواتي نزلت الآية فيهن تسع: خمس قرشيات:
وهن عائشة بنت أبي بكر الصديق، وحفصة بنت عمر، وأم حبيبة بنت أبي سفيان، وسودة بنت زمعة، وأم سلمة بنت أبي أمية. وأربعة غير قرشيات: ميمونة بنت الحارث الهلالية، وصفية بنت حييّ بن أخطب الخيبرية، وزينت بنت جحش الأسدية، وجويرية بنت الحارث المصطلقية، رضي الله عنهن أجمعين، فهن مع السيدة خديجة رضي الله عنها أمهات المؤمنين.