الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السلام على الموتى،
روى ابن أبي الدنيا عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من رجل يزور قبر أخيه، ويجلس عنده إلا استأنس به، وردّ عليه حتى يقوم» .
وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم زار قبور شهداء أحد، وسلّم عليهم، ودعا لهم بالعفو والعافية من البلاء والعذاب.
أطوار الحياة وأحوال البعث
إن في إحياء الأرض بالأمطار بعد موتها أو يبسها، وفي أدوار خلق الإنسان التي يمر بها من الاجتنان، فالطفولة، فالكهولة، فالشيخوخة، لدلالة قاطعة، وعبرة واضحة على قدرة الله التامة، وعلمه المحيط بكل شيء، والمتصف بهذه القدرة التي لا يتصف بها سوى الله عز وجل قادر على إحياء الموتى وبعثهم من القبور، وإعادتهم للحساب والجزاء، والاصطدام بالحقيقة الكبرى القاطعة، وهي أن الدنيا مثل الساعة التي تمضي، وأن الآخرة دار الخلود والبقاء، وأن الإنسان مغرور مفتون، قاصر النظر حين يستغني بالدنيا الفانية عن الآخرة الخالدة الباقية، وحينئذ لا ينفع الندم، ولا نجاة لمن ظلم، قال الله تعالى موضحا هذه الأحوال:
[سورة الروم (30) : الآيات 54 الى 57]
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (54) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ (55) وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللَّهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (56) فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (57)
«1» [الروم: 30/ 54- 57] .
(1) أي مثل ذلك الصرف عن الواقع في مدة اللبث، كانوا يصرفون في الدنيا عن الحق وهو البعث.
هذه الآيات تبين أيضا أن الأوثان عاجزة عن الخلق والإيجاد، وأن الله هو الخلاق المبدع، وجامع الناس ليوم لا ريب فيه. إن الله تعالى هو الذي خلق الإنسان في أطوار متدرجة من الضعف إلى القوة، ثم العجز، خلقه جنينا في بطن أمه من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة، ثم كوّن عظامه، ثم كسا العظام لحما، ثم ولد طفلا جميلا، وكل هذه مراحل ضعف، ثم صار شابّا قويّا، وهذه هي مرحلة القوة والشباب، ثم صار كهلا فشيخا عاجزا ذا شيبة ووقار، وهذه هي مرحلة ضعف من نوع آخر.
وهذا الانتقال المتتابع من طور إلى طور آخر دليل على القدرة الإلهية الخالقة التي لها آثار وبصمات واضحة، على كل مرحلة من مراحل الحياة الإنسانية، والله يخلق ويبدع ما يشاء من ضعف وقوة، وبدء وإعادة، وهو تام العلم بأحوال مخلوقاته، كامل القدرة على كل ما يشاء. ومن خلق خلقا قادر على إعادته مرة أخرى. ومصير المخلوقات كلها إلى الجمع والحساب يوم القيامة.
ويوم تقوم القيامة ويبعث الله الناس من القبور، يقسم المجرمون الكافرون الآثمون أنهم ما أقاموا في الدنيا أو في القبور، إلا ساعة واحدة، أي مدة قليلة من الزمان، قاصدين من هذا القسم أنهم لم يدركوا الحقيقة الكبرى، ولم يمهلوا المدة الكافية للتأمّل والإيمان، والعمل والإحسان، فيعذروا على ما وقعوا فيه من تقصير، ومثل ذلك الصّرف عن الحقيقة والواقع في مدة المكوث في الدنيا، كانوا يصرفون عن الحق إلى الباطل، ومن الصدق إلى الكذب، والمراد أنهم صاروا كاذبين فيما قالوا: ما لبثنا غير ساعة، وأن إصرارهم على الكفر، صرفهم عن الاعتقاد الصحيح، وعن الإيمان باليوم الآخر.
ثم وصف الله تعالى جواب أهل الإيمان على أولئك الكافرين منكري البعث: وهو لقد لبثتم في علم الله وقضائه مدة طويلة في الدنيا، من يوم خلقكم إلى يوم بعثكم.