الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والتزود بالماء، ليتميزوا ويتكبروا على الفقراء العجزة، وظلموا أنفسهم بهذا الطلب، فجعلهم الله عبرة للمعتبر، وحديثا للناس يتحدثون به، وفرّقناهم في البلاد كل تفريق، فصارت العرب تضرب بهم المثل قائلين:«تفرّق القوم أيدي سبأ» أي مذاهب سبأ وطرقها، إن في ذلك البلاء والتدمير الذي حلّ بهم لعلامات مؤثرة لكل عبد كثير الصبر على المصائب، وكثير الشكر على النعم.
وتالله لقد حقق إبليس فيهم ظنه، إذ أغواهم، فانقادوا له، وعصوا ربهم، وعبدوا الشمس من دون الله، إلا فريقا منهم انتصروا على وساوس الشيطان، وبقوا طائعين لله تعالى.
ولم يكن لإبليس على هؤلاء القوم حجة وبرهان، ولم يكرههم على الكفر، وإنما كان له الوسوسة والتزيين فقط، والابتلاء بوسوسته، ليظهر للملأ حال من يؤمن بالآخرة وحسابها وجزائها من ثواب وعقاب، من غير المؤمن بها، الشاك في وجودها، وربك أيها النبي رقيب على كل شيء، وسيجازي الكفار على أعمالهم في الآخرة.
إبطال شفاعة آلهة المشركين
يتحدى الحق جل جلاله المشركين ويتهكم منهم في زعمهم الاستعانة بآلهتهم المزعومة من الأوثان والأصنام، ويقيم عليهم الحجة بإقرارهم أن الله الخالق هو الذي يرزقهم، ويهددهم بالحساب العسير يوم القيامة، وبالكشف عن آلهتهم، ويؤكّد لهم عموم الرسالة النبوية، ويرد على استبعادهم وجود يوم القيامة، فإن لهم ميعادا محددا من غير تقديم ولا تأخير، قال الله تعالى مقررا هذه المناقشات والحقائق:
[سورة سبإ (34) : الآيات 22 الى 30]
قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (22) وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَاّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ماذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (23) قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (24) قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (25) قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (26)
قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ كَلَاّ بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) وَما أَرْسَلْناكَ إِلَاّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (28) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (29) قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ (30)
«1» [سبأ: 34/ 22- 30] .
قل أيها النبي للمشركين القرشيين وأمثالهم: نادوا آلهتكم المزعومة من الأصنام لكشف الضر عنكم، في سنوات القحط الذي نزل بكم، أو جلب النفع لكم.
والجواب معلوم، فإن تلك الآلهة المزعومة لا يملكون شيئا أبدا، ولو بمثقال أو وزن ذرة في السماوات والأرض، ولا شراكة لهم أصلا، وليس لله تعالى منهم شريك أو معين.
ولا تنفع الشفاعة عند الله عز وجل في أي حال إلا بإذن الله لمن شاء، لا من الأصنام ولا من غيرها، من الملائكة والأنبياء والبشر ونحوهم، والذي يحدث بعد انتظار الإذن بالشفاعة أن الناس والملائكة يقفون فزعين خائفين منتظرين الإذن، فإذا أذن للشافعين وزال الخوف من نفوسهم، قال بعضهم لبعض: ماذا قال ربكم في الشفاعة؟ قالوا: يقول ربنا القول الحق، وهو الإذن بالشفاعة لمن ارتضى، والله هو المتعالي المتكبر العظيم.
وقل أيضا أيها النبي للمشركين عبدة الأوثان على سبيل التوبيخ واللوم: من
(1) أي معين.
الرازق لكم من السماوات بإنزال المطر، ومن الأرض بالنبات والثروات المعدنية ونحوها، وإننا نحن أو إياكم إما مصيب أو مخطئ، والمصيب واحد، والآخر مخطئ أو مبطل، وهذا أسلوب في غاية اللطف والأدب في المحاورة، لاستدراج الخصم إلى النظر في حاله وحال غيره، وهي دعوة إلى الحرية واختيار المخاطب ما يحقق له المصلحة، والاعتراف بخطئه وإصابة غيره. والمراد: أن الخطأ واضح في وصف المخاطبين، كما تقول لمن خالفك في مسألة: أحدنا مخطئ، أي تثبّت وتنبّه.
وقل أيها الرسول أيضا للمشركين على سبيل المهادنة والمتاركة: لستم أنتم مسئولين عنا إن أخطأنا أو أجرمنا في عبادة الله وحده، ونحن لا نسأل عما تعملون من خير أو شر، ومعنى هذا التبري منهم، فلستم منا ولا نحن منكم، ودعوتنا واضحة إلى توحيد الله، فإن أعرضتم فنحن برآء منكم.
وقل كذلك يا نبي الله للمشركين: إن ربنا يجمع بيننا يوم القيامة في ساحة الحساب، ويقضي بيننا بالحق والعدل، والله هو القاضي العادل الحاكم بالصواب، العالم بحقائق الأمور، ويجزي كل عامل بعمله.
قل يا نبي الله لهم أيضا: أروني هذه الآلهة التي اتخذتموها أندادا ونظراء لله، حتى أشاهدهم، وأشاهد ما يقدرون عليه، الحق واضح، كلا، أي فارتدعوا عن ادعاء المشاركة، فلا شريك لله، بل هو الله الواحد الأحد، الغالب القاهر، الحكيم في أفعاله وأقواله وشرعه.
وليعلموا أننا أيها النبي أرسلناك رسولا للناس قاطبة، العرب والعجم، الأبيض والأسود، مبشرا الطائع بالجنة، ومنذرا العاصي بالنار، لكن أكثر الناس لا يعلمون بعموم الرسالة النبوية ولا بمهمة التبشير والإنذار، ولا بخطورة الضلال. ويتساءل المشركون تهكما وتعنتا: متى الوعد الذي تعدنا به وهو قيام الساعة إن كنتم صادقين