الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفسير سورة القيامة
إثبات القيامة وما يحدث فيها
أنكر المشركون ثلاثة أمور: وحدانية الله، والنّبوة، والقيامة، فكان القرآن الكريم معنيّا في مناقشاته وردوده بهذه الأمور، لإثباتها، وبما أن القيامة أمر غيبي، لا مجال لإثباته إلا بالخبر الصادق، ومن أصدق من الله حديثا؟ فإنه سبحانه أخبر عن وجوب الإيمان بالغيب، ومنه يوم القيامة، وأقسم قسما شديد التأكيد على أنه يوم واقع، وفي مطلع سورة القيامة المكّية بالإجماع قسم من الله على وقوع القيامة وما فيها من أهوال:
[سورة القيامة (75) : الآيات 1 الى 15]
بسم الله الرحمن الرحيم
لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ (1) وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2) أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ (3) بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ (4)
بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ (5) يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ (6) فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9)
يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10) كَلَاّ لا وَزَرَ (11) إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (12) يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ (13) بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14)
وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ (15)
«1» «2» «3» «4» «5» «6» «7» «8» «9» «10» «11» [القيامة: 75/ 1- 15] .
أقسم أنا الله بيوم القيامة، و (لا) إما استفتاح كلام، أو صلة زائدة، وأقسم
(1) التي تلوم نفسها أو غيرها.
(2)
أطراف الأصابع.
(3)
ليذنب بقية حياته.
(4)
زاغ وتحيّر من الدهشة.
(5)
ذهب نوره.
(6)
ذهب ضوؤهما يوم القيامة.
(7)
الفرار.
(8)
لا ملجأ.
(9)
الاستقرار والسكون.
(10)
شاهد.
(11)
أعذاره.
بالنفس اللوامة صاحبها أو غيرها على تقصيره في ترك الطاعة ونحوه، أنكم سوف تبعثون وتحاسبون يوم القيامة.
وجواب القسم محذوف، لدلالة ما بعده عليه. والقسم بالشيء إشارة لتعظيمه وتفخيمه. والنفس في الآية: اسم جنس لنفوس البشر.
وكل نفس متوسطة ليست بالمطمئنة ولا بالأمارة بالسوء، فإنها لوّامة، مرة تلوم على ترك الطاعة، ومرة تلوم على فوت ما تشتهي، فإذا اطمأنت خلصت وصفت.
أيظن الإنسان (الكافر) ألا بعث وألا نجمع عظامه؟! وهذا تقرير وتوبيخ. وهذه الظنون أو الأقوال كانت لكفار قريش. بلى: (وهي إيجاب ما نفي) أي بلى نجمعها قادرين على جمعه وإعادة تركيب عظامه وأعضائه، وتسوية بنانه، أي أطراف أصابعه.
أي إن العظام والأعضاء تجمع ويسوّى أكثرها تفرقا، وأدقها أجزاء، وهي عظام الأنامل والمفاصل، وهذا كله عند البعث والنشور من القبور.
ويسأل الإنسان الكافر وغيره سؤال استبعاد وإنكار واستهزاء وتعنّت متى يوم القيامة؟ ومن لم يؤمن بالبعث ارتكب أعظم الآثام، وبادر إلى انتهاب اللذات غير عابئ بما يفعل. والإنسان: اسم جنس، وهو ابن آدم. بل (وهو إضراب عما سبق لتقرير أمر آخر) يريد الإنسان في الواقع تغليب شهواته، ومداومة فجوره أي فسقه أو كفره، بتكذيبه بالبعث وغير ذلك بين يدي القيامة.
وعلامات القيامة ثلاث هي: إذا دهش البصر وتحيّر من شدة أهوال القيامة، وذهب ضوء القمر كله دون أن يعود، كما يعود بعد الخسوف في الدنيا، وتبدد أو زال ضوء الشمس والقمر جميعا، فلا يكون هناك تعاقب ليل ونهار، أي إن معالم الكون تتغير كلها.
كلا (كلمة ردع وزجر) لا ملجأ ولا معتصم من الله يعصمكم يومئذ، وإنما إلى الله ربكم المرجع والمصير، في الجنة أو في النار.
وفي ذلك اليوم يوم القيامة، يخبر الإنسان أثناء العرض والحساب بجميع أعماله التي قدمها من خير أو شرّ، قديمها وحديثها، أولها وآخرها، صغيرها وكبيرها.
والإنسان عالم بنفسه، لذا قال الله تعالى: بَلِ الْإِنْسانُ..
أي بل (وهو يفيد الإضراب بمعنى الترك، لا بمعنى إبطال القول الأول) إن الإنسان بعقله وفطرته حجة، وشاهد مبصر على نفسه، عالم بما فعله، فهو حجة كافية بينة على أعماله، ولو اعتذر وأنكر، وحاول تقديم المعاذير أي الأعذار، أي ولو اعتذر يومئذ بباطل لا يقبل منه. قال مجاهد: معاذيره: حجته، وقال ابن كثير: والصحيح قول مجاهد وأصحابه، كقوله تعالى: ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ (23)[الأنعام: 6/ 23] . وكقوله تعالى: يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ (18)[المجادلة: 58/ 18] .
إن هذه الآيات التي يراد بها إثبات يوم القيامة تدلّ على عظمة الله وقدرته الخارقة، فهو سبحانه قادر على جمع عظام الإنسان المفتتة في أي مكان، وأعضائه المشتتة في أي موضع، وهذا في حدود العقل البشري مستبعد، لكن في مجال علم الله تعالى وقدرته أمر سهل يسير، غير مستبعد، بل هو واقع حتما.
والمفاجأة بالحقائق أمر صعب على النفوس، فيفاجأ المرء بتاريخه الطويل الذي سجّله في الدنيا، وتكون الكارثة أو النجاة، فإما إلى نار دائمة الاشتعال والتعذيب للكافرين، وإما إلى جنة دائمة النعيم والفضل الإلهي.
ولا مجال للمكابرة أو الاعتذار عن شيء فعله الإنسان، فلا يقبل العذر مهما