الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفسير سورة الكوثر
نعم الله على نبيه
سور الضحى والانشراح والكوثر فيها تعداد النعم الإلهية على النبي صلى الله عليه وسلم وهي نعم كثيرة، في قمتها في الدنيا: النبوة والرسالة، وفي الآخرة: الكوثر وهو الخير الكثير، ولقد تضمنت سورة الكوثر المكية الخبر بما أعطى الله نبيه وهو الكوثر، وبما طالبه به من الصلاة والصدقة شكرا لله على ما أنعم، وتبشيرا بالنصر، وخذلانا لأعدائه، وانقطاع أثرهم وذكرهم، وهي أقصر سورة في القرآن الكريم، وهذا هو نصها في ثلاث آيات قصار فقط:
[سورة الكوثر (108) : الآيات 1 الى 3]
بسم الله الرحمن الرحيم
إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)
«1» «2» «3» [الكوثر: 108/ 1- 3] .
سبب نزولها: ما أخرجه البزار وغيره بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم كعب بن الأشرف مكة، فقالت له قريش: أنت سيدهم، ألا ترى هذا المنصبر المنبتر من قومه، يزعم أنه خير منا، ونحن أهل الحجيج، وأهل السقاية، وأهل السدانة، قال: أنتم خير منه، فنزلت: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3) .
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن المنذر عن عكرمة قال: لما أوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قالت قريش: بتر محمد منا، فنزلت: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3) .
(1) الخير الكثير وأكثر المفسرين على أنه نهر في الجنة.
(2)
انحر الأضاحي ونحوها وتصدق على المحاويج.
(3)
مبغضك هو المنقطع عن كل خير، ومقطوع الأثر والذكر.
وهناك روايات أخرى، ومجمل الروايات كلها: أن سبب نزول هذه السورة: هو استضعاف النبي صلى الله عليه وسلم، واستصغار أتباعه، والشماتة بموت أولاده الذكور، ابنه القاسم بمكة، وإبراهيم بالمدينة، والفرح بوقوع شدة أو محنة بالمؤمنين، فنزلت هذه السورة إعلاما بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قوي منتصر، وأتباعه هم الغالبون، وأن موت أبناء الرسول صلى الله عليه وسلم لا يضعف من شأنه، وأن مبغضيه هم المنقطعون الذين لن يبقى لهم ذكر وسمعة ولا أثر، البعيدون عن كل خير، المحرومون من أي فضل.
والمعنى: لقد منحناك الخير الكثير، ومنه نهر في الجنة، جعله الله كرامة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأمته.
أخرج أحمد ومسلم وغيرهما عن أنس بن مالك قال: «أغفى رسول الله صلى الله عليه وسلم إغفاءة، فرفع رأسه متبسما، فقال: إنه أنزل علي آنفا سورة، فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (1) حتى ختمها.
وكما أعطيناك هذا الكوثر، فداوم على صلاتك المفروضة والنافلة، وأدّها خالصة لوجه ربك وانحر ذبيحتك وأضحيتك، وما هو نسك لك، وهو الهدي (شاة أو بعير مقدم للحرم) وغير ذلك من الذبائح لله تعالى وعلى اسم الله وحده لا شريك له فإنه هو الذي تعهدك بالتربية، وأسبغ عليك نعمه دون سواه، كما قال تعالى في آية أخرى: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)[الأنعام: 162- 163] .
وهذا على نقيض فعل المشركين، الذين كانوا يصلون لغير الله، وينحرون لغير الله، فأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن تكون صلاته ونحره لله، وهو أيضا نقيض فعل المنافقين
المرائين. والمراد: صلاة العيد، ونحر الأضحية، قال ابن كثير: الصحيح أن المراد بالنحر: ذبح المناسك، بدليل ما نص عليه
حديث البراء بن عازب عند الشيخين: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العيد، ثم ينحر نسكه، ويقول: من صلّى صلاتنا، ونسك نسكنا، فقد أصاب النسك، ومن نسك قبل الصلاة فلا نسك له» . فقام أبو بردة بن نيار، فقال: يا رسول الله، إني نسكت شاتي قبل الصلاة، وعرفت أن اليوم يوم يشتهي فيه اللحم، قال: شاتك شاة لحم، قال: فإن عندي عناقا هي أحب إلي من شاتين، أفتجزى عني؟ قال: تجزئك ولا تجزئ أحدا بعدك» .
إن مبغضك أيها النبي، ومبغض ما جئت به من الهدى والحق والبرهان الساطع، والنور المبين: هو الأبتر أي الأقل الأذل، المنقطع عن خيري الدنيا والآخرة، والذي لا يبقى ذكره بعد موته، وهذا رد على ما قال بعض المشركين كالعاص بن وائل أو الوليد بن المغيرة أو أبي جهل لما مات ابنه عبد الله من خديجة: إنه أبتر. وقال الحسن البصري رحمه الله: عنى المشركون بكونه أبتر: أنه ينقطع عن المقصود قبل حصوله، والله بيّن أن خصمه هو الذي يكون كذلك.