الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جزاء الكفار
اصطدمت الدعوة الإسلامية إبّان ظهورها بحاجز صلب من شرك المشركين الذين جعلوا مع الله إلها آخر، وأنكروا النبوة وإرسال النبي، وجحدوا بوجود يوم القيامة، وأخذوا في توجيه أسئلة التحدي والعناد، والتشكيك بأصول الدين والعقيدة، وحاولوا طمس معالمها، وتوهين بنيتها، فسألوا سؤال مكابرة عن تحديد موعد القيامة، فاستحقوا التهديد والوعيد بالعذاب الأليم، والتعرض لشيّ الوجوه والجلود بالنار، وبادروا في الآخرة لإظهار الندم على ترك إطاعة الله والرسول، وملازمتهم تقليد الآباء والسادة، وطالبوا بمضاعفة العذاب على سادتهم، وهذا ما صرحت به الآيات الكريمة الآتية:
[سورة الأحزاب (33) : الآيات 63 الى 68]
يَسْئَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً (63) إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً (64) خالِدِينَ فِيها أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (65) يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا (66) وَقالُوا رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا (67)
رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً (68)
[الأحزاب: 33/ 63- 68] .
سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وقت الساعة (القيامة) متى هو؟ فلم يجب في ذلك بشيء، ونزلت الآية آمرة أن يردّ العلم فيها إلى الله، إذ هي من مفاتيح الغيب التي استأثر الله بعلمها.
وهذا السؤال والجواب في حال الاستفسار بحسن نية. لكن تساءل الناس المشركون سؤال تهكم وسخرية واستهزاء، ومعهم المنافقون سؤال تعنت وتنطع، ثم اليهود سؤال امتحان واختبار، فأجابهم الله ونبيه بأن علمها محصور بالله تعالى. ثم توعدهم بقربها بقوله: وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً أي ينبغي أن تحذر، فما
يعلمك بها، فإنها من المغيبات المختصة بالله تعالى، وربما توجد في وقت قريب. وهذا تهديد للمستعجلين، وتوبيخ لأهل التعنت والتهكم والاختبار. وقوله تعالى: تَكُونُ قَرِيباً
القريب: لفظة واحد، تطلق على الجمع والإفراد والتذكير والتأنيث.
ثم توعد الله الكافرين بعذاب لا ولي لهم فيه ولا ناصر، ومضمونه: إن الله تعالى طرد الكافرين وأبعدهم عن رحمته، وهيّأ لهم في الآخرة نارا شديدة الاستعار والإحراق. وهم في نار جهنم وعذابها خالدون مخلّدون، ماكثون فيه على الدوام، ولا يجدون من يواليهم ويناصرهم وينقذهم أو يخلّصهم من ذلك العذاب.
وأما أوصاف العذاب: فهي رهيبة جدا، إن الكافرين يجرّون في النار على وجوههم، ويتقلّبون فيها كاللحم المشوي على النار، ويظهرون أشد الندامة قائلين:
يا ليتنا أطعنا الله ورسوله فيما أمر ونهى. كما جاء في آية أخرى: يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ [القمر: 54/ 48] . وقال سبحانه: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا [الفرقان: 25/ 27] .
ثم أعلن الكافرون سبب انحراف اعتقادهم، ولاذوا بالتشكي من كبرائهم في أنهم أضلوهم، فقالوا وهم في عذاب جهنم: يا ربنا لقد أطعنا في الشرك والكفر رؤساءنا وقادتنا وعظماءنا وعلماءنا، وخالفنا الرسل، فأضلونا عن طريق الهدى بما زيّنوا لنا من الكفر بالله ورسوله. يا ربنا عذبهم عذابا مضاعفا: عذاب الكفر، وعذاب إضلال غيرهم وإغوائهم إيانا، أي عذبهم عن أنفسهم وعمن أضلوا، وأبعدهم عن رحمتك بعدا كبيرا. وإضلال السبيل: يراد به سبيل الإيمان والهدى، واللعن الكبير:
أي العنهم مرات كثيرة.
إذا كان هذا هو مصير الضالين والمضلين في الآخرة، فلم لا يبادر الفريقان إلى