الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تهديد الكفار بعذاب الآخرة
لم يقتصر القرآن الكريم على تهديد الكافرين والمشركين بعذاب الهوان والإذلال في الدنيا، وإنما جاء التهديد فيه بعذاب القيامة الذي هو أشد وأنكى، وأدوم وأبقى، ووصف الله هؤلاء المهددين بأنهم أعداء الله، أي الكفار المخالفون لأمره، وذلك ليكون التهديد أتم في الزجر والتحذير، وحمل المعادي على الصلاح والاستقامة، والرشد والهداية، ومن هدّد أو أنذر فقد أعذر، ولم يبق مجال للوم والندم، ومحاولة العدول عن الشر والضلال، في يوم لا ينفع فيه الندم، ولا يقبل فيه الإيمان والصلاح، وهذا ما أبانته الآيات الشريفة:
[سورة فصلت (41) : الآيات 19 الى 25]
وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19) حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ (23)
فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ (24) وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ (25)
«1» «2» «3» «4» «5» [فصلت: 41/ 19- 25] .
المعنى: واذكر أيها النبي لقريش حال جمع الكفار الأعداء: وهم المخالفون لأمره، وسوقهم بعنف في يوم القيامة إلى النار، فهم يوزعون، أي يكفّ ويحبس أولهم على
(1) أي يحجز أولهم ليأتي آخرهم ثم يدفعون ويوزّعون على أنواع النار.
(2)
أهلككم.
(3)
مأوى ومقام.
(4)
أي إن يطلب منهم الاسترضاء، فليس مقبولا عتابهم.
(5)
هيأنا لهم شياطين الإنس والجن.
آخرهم، أي يحجز أولهم حتى يجتمع عليهم آخرهم، ثم يدفعون إلى أنواع النار. وكلمة (يوم يحشر) منصوب بفعل مضمر، تقديره: واذكر يوم.
حتى إذا ما وصلوا إلى النار ووقفوا عليها، يسألون عما فعلوا سؤال توبيخ، فإذا أنكروا شهدت عليهم جوارحهم من السمع والبصر والجلد، بما ارتكبوا من ألوان الشرك والمعاصي، وبما عملوا في الدنيا من سوء الأعمال، وهذا وصف حال من أحوالهم في بعض أوقات القيامة، وذلك عند وصولهم إلى جهنم، فإن الله تعالى سيطلب منهم الإقرار عند ذلك على أنفسهم، ويسألون سؤال توبيخ عن كفرهم، فينكرون ذلك، ويظنون السؤال سؤال استفهام واستخبار، فينطق الله جوارحهم بالشهادة عليهم،
فروي عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه ابن جرير عن عقبة- «إن أول ما ينطق عن الإنسان فخذه اليسرى، ثم تنطق الجوارح، فيقول الكافر: تبا لك أيتها الأعضاء، فعنك كنت أدافع» .
فيتعجب الناس من نطق جوارحهم، فيقولون على جهة اللوم لجلودهم حين شهدوا عليهم: لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا فقالوا: أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء من مخلوقاته، فإنه كما أنطق الألسن في الدنيا، فكذلك أنطق بقية الأعضاء في الآخرة، علما بأن الله أيها البشر خلقكم في المرة الأولى، وهو قادر على إعادتكم وإرجاعكم إليه، فإليه وحده المصير بعد الموت.
ثم تقول الملائكة بأمر الله سبحانه: لم تكونوا تتصاونون وتحجزون أنفسكم عن المعاصي والكفر، خوف أن يشهد عليكم، أو لأجل أن يشهد، من قبل سمعكم وأبصاركم وجلودكم، ولكنكم ظننتم ظنا خطأ أن الله تعالى حال عصيانكم، لا يعلم كثيرا مما تعلمون من المعاصي، فتجرأتم على فعلها.
وسبب نزول هذه الآية: هو ما رواه أحمد والبخاري ومسلم والترمذي عن ابن